لماذا إستهداف جيش التحرير الفلسطيني

بقلم: علي بدوان


وقعت خلال الفترات الأخيرة، وفي سياق الأزمة الوطنية العامة التي تشهدها سوريا، عدة عمليات قتل واغتيالات استهدفت بعض ضباط وجنود جيش التحرير الفلسطيني المنتشر فوق الأرض السورية. وقد توجت تلك الاعتداءات مؤخراً بعملية خسيسة وغادرة مست أرواح (17) جندياً من جيش التحرير الفلسطيني تمت تصفيتهم بطريقة بشعة عندما تم اختطاف السيارة التي كانوا يستقلونها أثناء انتقالهم في اجازة عادية من مركز التدريب العام لجيش التحرير الفلسطيني في منطقة مصياف في ريف مدينة حماة، وهم متوجهون لمنازل ذويهم في مخيمي النيرب وحندرات للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة حلب.

لقد سقط هؤلاء الشهداء غيلة وغدراً، وهم من أبناء حيفا وعكا والناصرة وصفد وطبريا والجليل، وهم شبان في عمر الورود، دون ذنب ارتكبوه، فيما كانت بوصلتهم تتجه الى فلسطين أولاً وأخيراً.

الجريمة الأخيرة، سبقتها عمليات اغتيال متتالية طالت في سوريا حتى الآن كلاً من العميد الركن ابن مدينة صفد رضا الخضراء رئيس أركان قوات حطين التابعة لجيش التحرير، والعقيد الركن عبد الناصر مقاري ابن مدينة طبريا قائد كتيبة مشاة/صاعقة في قوات اجنادين التابعة لجيش التحرير والمنتشرة على خط الدفاع الأول على جبهة الجولان وجبل الشيخ، والعقيد أحمد صالح الحسن من أبناء مدينة طبريا ورئيس قسم المدفعية في قوات حطين، اضافة للعميد الركن والطبيب الجراح الدكتور ابن مدينة يافا أنور السقا، بينما فشلت عمليات اغتيال ضباط آخرين نتيجة العناية الإلهية.

فما هي دلالات تلك العمليات الاجرامية، ومن هو المستفيد منها، ولماذا هذه المحاولات المستميتة من الاستدراج المتعمد للفلسطينيين للدخول في اتون الأزمة الطاحنة في سوريا بدلاً من موقفهم البناء، والمثمر، والمدروس، والمتعقل، والقائم على أساس الحياد الايجابي والانحياز لموقف الدفاع عن سوريا وعن وحدتها، وعن مطالب الشعب السوري المحقة والعادلة، وهو الشعب الشقيق التوأم السيامي للشعب الفلسطيني..؟

الحياد الإيجابي

نبدأ القول ان الشعب الفلسطيني وبخبرته الطويلة والمديدة، كصاحب تجارب مريرة ومرة في مسار قضيته الوطنية وتشابكاته الاقليمية والدولية، أطلق موقفه المتوازن من الأزمة السورية منذ لحظاتها الأولى، وبإجماع وطني عام، تضافر معه الوعي السياسي الدقيق والحس اللاقط لمسار الأحداث، فأعلن موقفه المعنون بالحياد الايجابي، وهو موقف متوازن وعلى حد السكين وينبع من (فقه) المصالح الوطنية للشعبين السوري والفلسطيني معاً، وليس من موقع المصالح الضيقة.

ان موقف الاجماع الوطني الفلسطيني من الأزمة الداخلية السورية، لا يعني بحياديته الايجابية، موقفاً انتهازياً كما يرى بعض المتسرعين العجولين في اطلاق أحكامهم، أو الوقوف موقف المتفرج على الأحداث وعلى قاعدة «فخار يكسر بعضه» بل هو الموقف العقلاني بعينه، الذي لا يدركه إلا أهل الحلم والحكمة والتعقل، ولا ينكره ولا يزدريه إلا جاهل أو متسرع لهوف وبعيد عن حسابات المنطق والعقل والمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

انه الموقف الذي يأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الأزمة السورية ودخول أطراف عدة على خطها أولاً، وضرورة حصر الأزمة في الداخل السوري باعتبارها أزمة محلية داخلية سوريا بحتة ثانياً، وخصوصية الوضع الفلسطيني في سوريا وفي الشتات ثالثاً، والاستفادة من التجارب المريرة التي علمت الفلسطينيين معنى الحياد الايجابي في الأزمات العربية كي لا يكونوا ضحاياها في ختام المطاف رابعاً.

ان موقف الحياد الايجابي، لا يعني ولا للحظة الواحدة اتخاذ موقف ادارة الظهر أو اللامبالاة تجاه سوريا أو الشعب السوري الشقيق التوأم للشعب الفلسطيني. فالحياد الايجابي يعني بالنسبة للفلسطينيين، الوقوف مع سوريا الواحدة الموحدة بخطها وسياساتها الوطنية والقومية ازاء الصراع مع المشروع الاستيطاني التوسعي الكولونيالي الصهيوني على أرض فلسطين وعموم الأرض العربية المحتلة بما فيها الجولان السوري المحتل. كما يعني في الوقت نفسه الوقوف ضد من يعمل أو يسعى لتقسيمها وتحطيم وحدتها الداخلية أو ذر الفتن الطائفية أو تسعير أجواء الاقتتال الداخلي على أرضها وبين عموم مكونات الشعب السوري. كما يعني الوقوف الى جانب الشعب السوري الشقيق الوفي للشعب الفلسطيني، في تطلعاته العادلة ومطالبه في تحقيق المزيد من مناخات الانفراج الداخلي والحرية والمساواة والعدالة، والديمقراطية والتعددية السياسية، وتحقيق الاصلاحات الجذرية التي طالب بها الناس في الشارع .. الخ.

ان الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يكون في نهاية المطاف الا مع سوريا ومع الشعب السوري بكل فئاته وأطيافه، وهو الشعب الشقيق صاحب اليد البيضاء على الشعب الفلسطيني، الذي استقبل جزءاً كبيراً من الشعب الفلسطيني عام النكبة، وعاملهم معاملة المواطن من حيث الحقوق والواجبات. وعليه فلن يكون الشعب الفلسطيني جاحداً أو ناكراً لجميل كبير ولموقف قومي ووطني لسوريا وشعبها منذ العام 1948 وحتى اللحظة الراهنة.

ان حرص الفلسطينيين على سوريا وعلى وحدتها ووحدة شعبها، والحفاظ على ممتلكاتها ومؤسساتها وثرواتها، والحفاظ على الشعب السوري الطيب المعطاء، وضرورة وقف نزيف الدم الغالي والبريء على أرضها، يشكل المدماك الأساسي في فلسفة الموقف المعلن للفلسطينيين بالحياد الايجابي في معمعان الأزمة الداخلية في سوريا. ولنأخذ مثالاً تبسيطياً لمقاربة الأشياء حيث لعب التجمع الفلسطيني في مدينة حمص والمسمى بمخيم العائدين دوراً هاماً وايجابياً في انقاذ الجرحى ومعالجتهم، وفي مد يد المساعدة لكل السوريين دون النظر الى أي اعتبار آخر، فشكل مخيم العائدين بمدينة حماه جزيرة خضراء أمام عموم المواطنين السوريين الذين طالتهم شرور الأزمة.

استهداف للزج

ان المحاولات الحثيثة لزج الفلسطينيين بالمعادلة السورية الداخلية أمر ليس في صالح أي من الأطراف المعنية، سوى الأطراف التي لا تريد للفلسطينيين ولا للسوريين أي خير، وتريد في الوقت نفسه ادامة النزيف المتواصل في الجرح السوري.

فزج الفلسطينيين بالمعادلة السورية سيكون بكل تأكيد عامل تعقيد جديدا، وعنصرا استخداميا لا أكثر ولا أقل للفلسطينيين في بيئة بات فيها الصراع الدولي والاقليمي على سوريا في قمة ذروته.

ومن هنا فإن الاستهداف المتعمد لجنود وضباط جيش التحرير الفلسطيني هو استهداف مدروس ومبرمج، ويصب باتجاه ادخال هذا الجيش كعنصر فاعل في الأزمة السورية الداخلية، وهو الجيش المنتشر فوق الأرض السورية، في مواقعه على جبهة الجولان في مواجهة العدو الاسرائيلي أو في مواقعه الادارية والتدريبية داخل سوريا، ولاعلاقة له على الاطلاق (لا من بعيد ولا من قريب) بتفاعلات الأزمة السورية الداخلية.

لقد كان جيش التحرير الفلسطيني في سوريا بتشكيلاته المعروفة (قوات حطين، قوات القادسية، قوات أجنادين) وانطلاقاً من كونه جيشاً وطنياً تابعاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان على الدوام قوة عسكرية ضاربة قاتلت في كل معارك سوريا الوطنية ضد العدو الاسرائيلي على جبهة الجولان منذ تأسيس هذا الجيش عام 1964 فقد شارك جيش التحرير الفلسطيني في حرب عام 1967 وأبلى فيها بلاءً حسناً على جبهة الجولان، كما شارك في حرب عام 1973 وقام بدوره الكبير في الانزالات الجوية لقوات حطين بالحوامات السورية على المواقع الاسرائيلية في جبل الشيخ وتل الفرس وتل الشحم.. والتي تم تحريرها في الساعات الأولى من الحرب. كما خاضت قوات القادسية التابعة له معارك طاحنة في القطاع الجنوبي لجبهة الجولان في منطقة وادي الرقاد وصولاً لبحيرة طبريا.

وفي لبنان، فقد كانت قوات جيش التحرير الفلسطيني في سوريا إياها والتي كانت موجودة في لبنان (قوات حطين، قوات القادسية) القوة الضاربة الأساسية التي صنعت أسطورة ومجد الصمود في بيروت صيف العام 1982 الى جانب اللواء (85) التابع للجيش العربي السوري وباقي القوى الفلسطينية واللبنانية المنضوية في اطار ما كان يُعرف بالقوات المشتركة، حيث لم تستطع قوات الغزو الصهيوني أن تتقدم خطوة واحدة باتجاه بيروت الغربية بفعل وجود قوات حطين والقادسية. وقد جربت قوات الاحتلال التقدم نحو بيروت الغربية لكنها كانت ترتد بخسائر كبيرة، كان أضخمها على الاطلاق في منطقة المتحف في بيروت صباح الثالث والعشرين من أغسطس 1982 عندما أبادت سرية من قوات حطين وخلال دقائق معدودة كامل القوة الاسرائيلية التي حاولت فتح ثغرة في منطقة المتحف الواقعة بين شطري بيروت للازدلاف نحو بيروت الغربية.

ان جنود وضباط وأبناء هذا الجيش الوطني، جيش التحرير الفلسطيني لا يستحقون التصفية والإبادة بطريقة بشعة على أيدٍ خسيسة وغادرة ما زالت مجهولة كما جرى لسبعة عشر جندياً منهم مؤخراً عند مغادرتهم مركز التدريب العام من بلدة مصياف قرب مدينة حماة الى مخيمي النيرب وحندرات قرب مدينة حلب. فهم كانوا على الدوام جنود أوفياء لسوريا ولفلسطين، وأصحاب يد وطنية تقبض الزناد ولا تطلق النار إلا على عدو الشعبين السوري والفلسطيني.
صحيفة الوطن القطرية

الأربعاء 18/7/2012

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت