قوة فلسطين بوحدتها

بقلم: عباس الجمعة


امام عشرات السنوات نتوقف ونتسأل اين اصبحت القضية الفلسطينية عن دعاة الديمقراطية ، هل تنتظر المفاجأت اما يتطلع الشعب الفلسطيني الى اين تتجه الظروف الاقليمية والدولية، بينما الاحتلال وقطعان مستوطنيه يستمرون في سياسة فرض الوقائع الارض .

ان ما اصاب الحالة الفلسطينية من تراجع على كافة المستويات تتطلب وقفة عامة من كافة الفصائل والقوى من اجل الحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني والتمسك بالثوابت الفلسطينية ووقف سياسة المراهنة على المفاوضات والعمل على نقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة من اجل المطالبة بتنفيذ قراراتها ذات الصلة ، والا ستكون هي جزء من المشروع الصهيو امريكي الذي يريد تعميم الفوضى الخلاقة في المنطقة ورسم شرق اوسط جديد وتفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية ، وبذلك تصبح القضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينيه في مهب الريح .

إن ما يقوم به الاحتلال من خلق وقائع على الأرض يجعل من هدف إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على أراضي الضفة والقطاع أملاً بعيد المنال في ظل تشبث الحكومات الصهيونية المتعاقبة على مواصلة الاستيطان الذي قضم الضفة الفلسطينية وحولها إلى مناطق منعزلة مسيطر عليها من قبل المستوطنات وساكنيها من غلاة المستوطنين، وتهويد القدس، وتغييب معالمها العربية الإسلامية، وإجبار أهلها بشتى الوسائل والطرق على مغادرتها تمهيداً لتفريغها من سكانها الأصليين لتسهيل جريمة تهويدها، وسرقة المياه، ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري توطئة لاتخاذ إجراءات من طرف واحد تكريساً لسياسة الاحتلال والضم، بينما تتوالى زيارة المبعوثين الامريكيين الى كيان الاحتلال والتي كان اخرها زيارة كلينتون من خلال اعطاء الضوء الاخضر للاحتلال باستمرار سياسته، والضغط لإجبار الطرف الفلسطيني العودة إلى مائدة المفاوضات، انطلاقاً من الرؤية الصهيونية التي تعي معنى خلق الوقائع على الأرض ومستعدة لإدامة أمد المفاوضات لعشرات السنين، فنحن أمام منطق صهيوني يكرس الاحتلال والقضم وصولاً للاعتراف بشرعيته كما يتصور الطرف الفلسطيني باعتباره الطرف الأضعف والذي تفتقر جعبته بفعل عوامل ذاتية وموضوعية لأي عناصر ضغط فاعلة على الجانب الصهيوني.

ولهذا نرى ان تصريحات قادة الاحتلال بان الحرم القدسي الشريف جزء لا يتجزأ من اراضي اسرائيل، تؤكد ان العدو الصهيوني ماض في تنفيذ خططه ومخططاته التوسعية العدوانية، رافضا الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وخاصة حقه في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس ، وحقه في العودة الى دياره وممتلكاته وفق القرار 194.

كل هذه المواقف والسياسات والممارسات تفرض على القيادة الفلسطينية والفصائل والقوى ضرورة أن يدركوا أن لا خيار امامهم سوى خيار الوحدة الوطنية وتطوير أدواتها الكفاحية والنضالية على قاعدة برنامج سياسي وطني يحدد الخيارات والبدائل على كافة الجبهات ولا يتركها رهينة وحبيسة أدراج التعويل على خيار ثبت عقمه وعدم قدرته على التقدم خطوة للأمام من أجل تحقيق إنجازات تمهد الطريق لانبثاق دور فلسطيني ديناميكي فاعل سياسياً ودبلوماسياً وكفاحياً بديل لعطالة استمرت طويلاً وكرست واقعاً لا زلنا نكتوي بنيرانه، من خلال انقسام مدمر وخيارات غير محمودة لمفاوضات كرست الاستيطان والجدار والحصار، وتحلل الاحتلال من واجباته التي يفرضها عليه القانون الدولي ، فلا مجال لنا سوى التقدم نحو خيارات العزة والكرامة، خيارات الوحدة الوطنية.

إن الواقع المعقد والمتشابك والمتحرك والمتنوع، كما هو تنوع المجتمع الفلسطيني، وتوزعه على تجمعات جغرافية متعددة لها خصوصيتها، أدى ويؤدي إلى تشابك النضال الوطني مع النضال الاجتماعي الديمقراطي ، وهنا تبرز ضرورة الانشداد للتناقض الرئيسي الناظم مع الاحتلال، وبين التناقضات الثانوية ضمن مبدأ التراكم والاستمرارية وتكامل العوامل، يفرض عمليا وموضوعيا ً تنوعا واضحا ً وحادا ً في الآراء والاجتهادات السياسية، وبالتالي يجب التعامل معه بصورة سليمة، ، وبما أن مواقف القوى السياسية تبعا لحركة مواقعها وخياراتها الطبقية والسياسية والفكرية ودرجة تطورها، فإن إطار الوحدة الوطنية لا بد وان يكون في حالة صعود وهبوط، وبما أن الصراع مستمر، والاشتباك مع الاحتلال ومشاريعه وسياساته وعدوانه المتواصل مستمر، فإن الوحدة الوطنية تصبح في كل مرحلة من مراحل الصراع هدفا وطنياً ومركزياً شرط توفر بيئة وممارسة ديمقراطية ، ومن هنا تتحدد جدوى الحوار الوطني الشامل ومهمته كضرورة موضوعية في واقع وحياة الفصائل والقوى والمجتمع الفلسطيني . وذلك انطلاقا ً من سؤال أين تكمن المصلحة الوطنية في كل لحظة من لحظات الصراع، وربطا بأن الحوار مشروط بالمسائل التي يعالجها وبالأهداف التي يسعى لتحقيقها، فإن المشكلة لا تعود للمشاركة أو المقاطعة، وإنما في فهم الحوار وهل يستجيب لمتطلبات العمل الوطني، ضمن ما هو قائم بموازيين القوى بوصفه آلية للوصول لقواسم مشتركة .

اذا كان التعامل مع هذه المتغيرات قد جاء من زاوية التفاعل معها، فإن هذا يفترض وجود قناعة لدى كل من فتح وحماس، بالاقلاع عن ممارسات سنوات الانقسام البغيض، وهذا يعني بالضرورة، ايمان كل منهما بمبدأ الشراكة السياسية في اطار الحركة الوطنية الفلسطينية بمكوناتها المختلفة، وبأن البحث في استعادة الوحدة الفلسطينية ينطلق بالدرجة الأولى، من ضرورة تمتين الوضع الفلسطيني برمته، فاذا كان الأمر هكذا فعلا، فلا ينبغي أن يستغرق التوافق على تشكيل الحكومة المؤقتة ورئيسها كل هذه الأسابيع، بل من الواجب التركيز على كل ما يضمن أن تقوم هذه الحكومة بمهامها التي حددها لها نص الاتفاق.

واذا كان الحديث جادا عن احترام الشراكة السياسية والتزاماتها، فمن الطبيعي والواجب أن تكون تشكيلة الحكومة ورئيسها، وغير ذلك من عناوين الاتفاق، موضوع بحث جميع مكونات القوى والفعاليات الفلسطينية، نقيضا لنهج ثنائية فتح- حماس سجالا بكل الوسائل في أجواءالانقسام، ومفاوضات ثنائية ماراثونية حول المحاصصة والاقتسام في أجواء المصالحة والوئام، بدلا من الحوارات الوطنية الشاملة، التي تسهل المهمة ولا تعقدها أو تطيل أمدها، لأن توافر القناعة الجماعية هو الذي يجسد مبدأ الشراكة الوطنية.

امام كل ذلك نرى ان اي جولة جديدة وبرعاية الاشقاء في مصر يجب ان تكون جدية وواضحة وكفى ان يبقى الشعب الفلسطيني ينتظر ، فالشعب لم يعد يتحمل هذا الانقسام ومفترض من حركتي فتح وحماس ان تعمل على ازالة كل العقبات التي تحول دون تحقيق المصالحة وتشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني و احترام الشراكة السياسية والتزاماتها، فمن الطبيعي والواجب أن تكون تشكيلة الحكومة ورئيسها التي تم التوافق عليها في اتفاق الدوحة هي الاساس ، اضافة الى كافة عناوين الاتفاقات التي وقعت بحضور كافة الفصائل والقوى والشخصيات والفعاليات الفلسطينية هي الحاضرة، من اجل ان تسهل المهمة ولا تعقدها أو تطيل أمدها، لأن توافر القناعة الجماعية هو الذي يجسد مبدأ الشراكة الوطنية واجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني .

لقد أفضت جلسات الحوار الوطني في غزة والضفة والقاهرة إلى مجموعة من التوافقات الوطنية التي يجب البناء عليها واستكمالها، ولعل اتفاق وإعلان القاهرة آذار 2005 وما تضمنته وثيقة الوفاق الوطني كوثيقة تطويرية لمبادرة الأسرى تشكلان أساسا صالحا للشراكة الوطنية في القرار والمنظمة وإدارة المجتمع الفلسطيني . من أجل تجاوز حالة الانقسام والتفرغ للاستحقاقات الكبرى في معالجة نتائج وآثار العدوان على غزة بالبدء بالإعمار ورفع الحصار الظالم،وتوفير المناخات الوطنية لإسقاط رهان المعسكر المعادي الذي يحاول استثمار الحالة الفلسطينية المتردية لفرض أجندته السياسية والأمنية على حسابنا، ونحن اليوم نواجه حكومة صهيونية عنصرية غير مستعدة لاحترام الاتفاقات البائسة الموقعة، ولا تريد تقديم إي حل سياسي يحفظ ماء وجه المفاوض الفلسطيني ونعيش وضعاً عربياً متردياً لم نعرف اين تصل نتائجه، وبموازيين قوى دولية مازالت تتحدث عن حرية الشعوب والديمقراطية بينما الشعب الفلسطيني يدفع الثمن .

أن ما اعلنته حركة حماس عن قطاع غزة جزءاً محرراً من الأراضي الفلسطينية ، فان هذا الحديث يشكل ضربة موجعه للوحدة بين الضفة وقطاع غزة باعتبارهما وحدة جغرافية واجتماعية واحدة ، وان هذا الموقف الذي يكرس الانقسام الجغرافي والسياسي والوطني للأرض الفلسطينية ، ويفتح شهية الاحتلال لمصادرة وتهويد ما تبقى من أراضي الضفة الغربية ، فاليوم لم يعد مقبولا ً حالة التفرد والفئوية والعبث بالمصير والقرار الوطني، وأن تبقى العربة الفلسطينية حاملة المشروع الوطني تقاد بأكثر من حصان، وبأكثر من استراتيجية، في غياب استراتيجية موحدة ووطنية جامعة تحمي إنجازات وتضحيات شعبنا وتحافظ على حق العودة وحقوق اللاجئين ( القضية المركزية ) التي كانت وراء قيام وتشكيل م ت ف ، وهذا يتطلب من حركة حماس بالسماح فوراً باستكمال عملية السجل الانتخابي تمهيداً لإجرائها كمدخل ضروري لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بكل مؤسساته ، والاتفاق على إستراتيجية وطنية موحدة تحدد بوصلة النضال الوطني ، فالمنطقة تتعرض لمخاطر وتعقيدات كبيرة ، والشعب الفلسطيني ما زال يعيش مرحلة تحرر وطني ، وليس أمامه إلا الوحدة والتماسك حتى تتحقق أهداف شعبنا في العودة والحرية والاستقلال ، وليس البحث عن تعميق الانقسام .

لقد عرفت كل تجارب وثورات الشعوب الوطنية المقاومة للاحتلال انتصارات تحقتت بوحدتها ومقاومتها بكافة الاشكال ، كما استطاعت م ت ف منذ تأسيسها بنضالات وكفاح الشعب الفلسطيني وتضحياته ان تحصل على اعترف العالم ، وقبلت فلسطين عضوا دائما ً وان كان مراقبا ً في الأمم المتحدة ، فيجب الحفاظ عليه ، وهذا يتطلب منا ان نعيد الاعتبار للإطار الجامع الوطن المعنوي للشعب الفلسطيني، إعادة الاعتبار للمشروع الوطني، فالاختلاف ضمن اطر المنظمة حق مشروع من اجل الوصول الى تحقيق الهدف ، وعلى العكس من ذلك فان استمرار المقاومة الشعبية بكافة اشكالها يخدم القضية الفلسطينية، خاصة في ظل المتغيرات الحاصلة في العالم العربي،و على الرغم من التراجع المؤقت لفكرة القومية العربية الا انها تبشر بولادة وعي سياسي واجتماعي جديد اكثر عقلانية سيقود إلى بناء الدولة المدنية اكثر من الالتزام بأيديولوجية معينة بحد ذاتها لكن دون التخلي عنها.
ختاما : ان نضال الشعب الفلسطيني وواقع حاله لم يكن معزولا عن واقعه العربي وموازيين القوى الدولية، فتباينت الرؤى والممارسة في التعاطي مع المنظمة ومؤسساتها من خلال قوى وأطياف الشعب الفلسطيني وخاصة فصائله الوطنية والإسلامية الحية، هو بهدف حماية منظمة التحرير الفلسطينية .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت