قال تعالى في سورة هود ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد 105 ) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ 108 )
حال الشقي من الناس
هو من حرم نفسه من خيرات أعدها الله سبحانه وتعالى له في جنات ونهر وحرم حياته الدنيوية من التلذذ بطيبات ما وهب الله بالحلال وراحة البال والسكن بالقرب من الرحمن .
الشقي من ظن أن السعادة تكون بجمع المال بأي الطرق كانت وبالوصول لأعلى درجات الدنيا ولو على حساب حقوق الأخريين وظلمهم ومن عاش كالبهائم يتراكض وراء الشهوات والأهواء يتنقل من واحدة لأخرى دون مراعاة لحدود الله ولا إلزام النفس وربطها بالتقوى والخشية من الله .
الشقي من لم يسجد لربه طوال حياته سجدة واحدة ولم يطرق بابه ليطلب منه السؤال ولم يتوكل في حاجاته إلى ربه ولم يستشعر ضعفه وفقره إليه فامتلأ الغرور والكبر قلبه ليستولي على وجدانه فأصابه بالمرض الشديد الذي أصبح من الصعب عليه الشفاء واستجابته للدواء .
الشقي من لم يتخلق بأخلاق القرآن ومنهج السماء ومن لم يتبع خطوات نبيه ولم يتخذه له معلماً ولا مربياً ومن اتبع أهل الضلال والفساد والإغراء ظناً أن السعادة والقيم الراقية تأتي من هؤلاء الظالمين لينال العزة والشرف منهم وما العزة إلا لله و لا تنال إلا من عنده سبحانه .
الشقي من عاش لنفسه فقط ولم يراوده إحساس الانتماء والبناء والمشاركة مع غيره والمساهمة في بناء مجتمعه ومن لم يحب الخير إلا لنفسه وكره رؤيته في يدي غيره وتمنى زوال النعمة والفضل عنه وأصابه الحسد والغل ليقتل نفسه ويحرقها لما رأى في يدي غيره ومن لم يسعى ولو خطوة واحده نحو البناء والعمارة في الأرض ووضع جذور الإصلاح فيها وإسعاد الناس، بل كل همه انحصر في السعي نحو مطامع نفسه ولهوها وإشعاعه الفوضى والفساد والدمار في الأرض .
الشقي من مات وهو على إلحاد ومعصية كبيرة مع الله ومن ظلم العباد وأكل حقوقهم ولم يعتبر من دنياه ولم يتراجع عن كبره وغيه وظلمه فأخذه الموت بغتة وفقد فرصته بالعودة والتوبة إلى الله فيكون مما يقول يا ليتني كنت ترابا عندما تتكشف له الحقائق عند الرحمن فلا ينفعه الندم ساعة وقوع الحق اليقين .
أما السعيد من الناس
من اهتدى لطريق النور والإيمان واستدل على معرفة ربه والتقرب إليه من كل شيء أحاط به ومن تدبر آياته المقروءة والمنظورة في الكون فحركت فيه مشاعر الإيمان والمعرفة .
السعيد من علم أن له رب يتوب عليه كلما وقعت منه زلة أو معصية ومن يسارع لباب رحمته والانكسار والذل بين يديه لطلب العفو والصفح ويعلم أن ربه لا يرده أبدا صفر اليدين ولا خائبا من طلبه على بابه .
السعيد من ألزم نفسه برباط الخوف والخشية والرجاء من الله ومن علمها كيف تكون الطاعة إليه بالحب والشوق إليه في كل حال ومن ألبس نفسه لباس التقوى والاحتراس من كل ما يغضب الله ويوقعه في مهالك الردى .
السعيد من عرف حدود ربه ووضع له حدودا لا يتجاوزها ولا يخرج عنها فأخذها من منهج ربه وكتابه وسنته ومن تبع الهدى بخطوات القرآن الذي يتلوه تدبراً وعلماً وعملا ومن تعرف على خُلق نبيه واتبع خطواته وأخلاقه ليتخذه له قدوة ومعلماً ومن عاش على سنته في كل حركات حياته لتكون له المدرسة الدائمة التي يتعلم منها بكل تفاصيل حياته .
السعيد من لم يعش لنفسه فقط وعاش لأجل الآخرين وأحب الخير لهم وان ينالوا السعادة التي تنعم بها فأحبها إليهم كما أحبها لنفسه ومن تمنى أن يرى جميع أفراد مجتمعه على صلاح وتقوى وإيمان صادق وخلق رفيع يُستمد من منهج الله ومن سعى ليقدم كل ما يستطيع ويقدر عليه لأجل أن يضع لمسات يديه على الأرض التي خلق عليها ليعمرها بما يريد الله ويبني فيها الحضارة والعمران والمدنية الراقية القائمة على أخلاق السماء والتي تُذهل العالم الأخر فتدفعه نحو الإيمان به واللحاق في ركب مسيرته .
السعيد من حظي بفرصة العودة والإنابة والرجوع مهاما عظمت ذنوبه فمنّ الله عليه قبل أن يرحل عن دنيا بتوبة صادقة جلت القلب من أثر كل معصية وأنارته بنور الحب والشوق للقاء الله والطمع بالرحمة والمغفرة والثواب العظيم .
الله سبحانه وتعالى عدل مع عباده وخلقه ما اختار لهم الشقاء والسعادة ابتدءاً ولكنه جعل العبد مخيراً بإرادته الحره ليختار ما يشاء إما أن يكون سعيداً فيتبع منهج وسلوكيات السعادة التي توصله بالفوز والنجاة والنعيم الخالد في جنات عرضها السموات والأرض، وإما أن يختار بإرادته الحرة أن يتبع طريق ومنهج الشقاء بإتباع خطوات الهوى والشيطان فتؤدي به إلى عذاب النار الأبدي فتكون أنفاسه بين زفير وشهيق من لهب جهنم وحر لظاها الذي لا ينتهي إلا أي يشاء الله سبحانه وتعالى .
والله سبحانه وتعالى يعين العبد على الطريق التي يختارها إن رأى منه الإصرار والتمادي والصدق فيها فهو يعين السعيد على الاستزادة من طريق سعادته ويهيأ له كل ما يسعده في الدنيا والآخرة وأما الشقي الذي تمرد وأصر على شقائه وعناده يعينه الله على طريق شقائه والتي في ظاهرها تبدو له أنها طريق سعادة ولكنها لا تحمل له إلا كل شقاء وتعاسة في الدنيا والآخرة وستؤدي به لأسوء المصير
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت