من لحصار القدس ؟

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي

الحصار جريمة إنسانية وسياسية بكل المعايير ، وما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني بشكل عام تجاوز في مدلوله مصطلح الجريمة حتى أصبحت الجريمة سلوكا طبيعيا في تعامله مع الشعب الفلسطيني أمام صمت المجتمع الدولي والتواطؤ الواضح مع السياسة الإجرامية الإسرائيلية – اللهم إلا من بعض الأصوات الخجلى من بعض أطراف المجتمع الدولي - ، وليس غريبا صمت القوى المتآمرة على شعبنا فهي تقف منذ إعلان قيام الكيان الإسرائيلي على أرضنا الفلسطينية موقفا داعما ومدافعا عن كل السلوك العدواني للكيان الإسرائيلي ولكن الأسف الحقيقي هو على الدول التي ترفع شعارات المساندة والتأييد لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة ولكنها لا تقوم بذات الجهد وقوة التأييد في المحافل الدولية التي تقوم بها الدول الداعمة للكيان الإسرائيلي .

والأسف يشتد عندما لا يقوم أصحاب القضية الأساسيين وهم أبناء الشعب الفلسطيني بما يجب القيام به تجاه السياسة الإسرائيلية وفضح ممارساتها ، لقد نجح الشعب الفلسطيني في مواجهة الحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة من خلال إعلام موجه ومركز ومخاطبة كافة فئات وشرائح المجتمع الدولي وتحركت المنظمات الشعبية والغير حكومية في مختلف الساحات العربية والإسلامية والدولية وتشكلت لهذا الغرض العديد من المجموعات والتجمعات الفاعلة والنشيطة لفضح الحصار المفروض على قطاع غزة ، ونجح هؤلاء النشطاء بإمكانياتهم المحدودة في كسر الحصار بحرا وبرا على قطاع غزة ، وأصبح اسم قطاع غزة لامعا في سماء الإعلام الدولي بل وطغى في أحيان كثيرة على اسم " فلسطين " وأصبح هناك حضور بارز وقوي لقطاع غزة في كل الساحات الدولية وكان هذا النجاح دافعا وضاغطا على الكثير من قادة دول العالم للتعامل الإيجابي مع قضية حصار قطاع غزة بل أصبح التضامن مع قطاع غزة سببا لجلب التأييد الشعبي للمتضامن وشرفا له بين أبناء شعبه في كل مكان ، ولا ينكر هذا النجاح إلا جاحد للحقيقة ، ونجح شعبنا في كسر الحصار عن قطع غزة أو تخفيف حدته ولم ينجح الكيان الإسرائيلي في تنفيذ مخطط تركيع أهل قطاع غزة ، ووجد قطاع غزة كل الدعم والتأييد من كل أطراف المجتمع الدولي .

وإذا كنا نسجل نجاح الفعل الفلسطيني في معالجة قضية حصار قطاع غزة ، فهل هذا النجاح سيجعلنا نسكر به لدرجة نسيان الحصار الأخطر الذي يواجه قضيتنا ومستقبلنا ؟ أليس من الحكمة والإبداع دراسة تجربتنا في التعاطي مع حصار غزة والعمل على تطويرها وتنفيذها في مواجهة الحصار الأخطر وهو ما تتعرض له زهرة المدائن القدس ؟

القدس تتعرض منذ سنين لأخطر حصار ظالم على سكانها وأرضها ومقدساتها ، ولعل الحصار وصل الى ذروته في هذه الأيام والصمت المطبق على ما يجري في القدس زاد من طمع الاحتلال الإسرائيلي وفتح شهيته لتنفيذ مخططاته القديمة ضد القدس وأهل القدس ، لماذا لا تتحرك كل الجهود الفلسطينية وتتوحد لكسر الحصار عن القدس وتعزيز إعلامنا وتحركنا تجاه مقدساتنا بالكلمة والممارسة على الأرض ؟ لماذا لا ندعوا كل من يستطيع الوصول الى القدس أن يزورها وكل من يتمكن من السكن فيها والإقامة على ترابها أن يفعل ذلك ؟ لماذا لا تتحرك القوافل الشعبية من كل العالم للتضامن مع أهل القدس ومقدسات القدس وكسر الاحتكار الإسرائيلي ؟ لماذا لا تتكرر تجربتنا الرائدة في مواجهة الحصار في قطاع غزة في التعاطي مع حصار القدس ؟ ستجد محبين لقطاع غزة ولكن ستجد القدس في قلوب الملايين من أحرار ومؤمني العالم ولاشك أن مكانة القدس وتاريخها ستكون دافعا للملايين - إذا وضعنا الخطط القوية القادرة على تحريكهم – ليكونوا رأس الحربة في فضح الممارسات الإسرائيلية وسيكون هؤلاء الملايين من شعوب العالم قوة حقيقية ضاغطة على صناع القرار في بلادهم للتحرك لوقف السياسة الإسرائيلية تجاه القدس والمقدسات .

لا يمكن أن يغفر التاريخ لكل من تقاعس عن التحرك من أجل رفع الحصار عن القدس ، الوقت لن يرحم كل القادة القادرين على فعل شيء على أرض الواقع لا يكاد يمر يوم دون أن يستغله الكيان الإسرائيلي في فرض وقائع جديدة في المدينة المقدسة وفي ذات الوقت لا توجد حركة حقيقية مضادة للسياسة الإسرائيلية ، القدس ليست مجرد مدينة فلسطينية تتعرض للتهويد بل القدس هي عنوان الوجود العربي الفلسطيني على هذه الأرض ، القدس ليس مجرد عاصمة للدولة الفلسطينية بل هي التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل لهذه الأمة ، القدس ليست مجرد أرض تحت الاحتلال بل القدس تمنح لمن يحكمها السيادة على المنطقة وتمنح من يسكن فيها العزة والكرامة لأنه تمنحه الحياة والتاريخ والوجود ، والحقيقة الناصعة أنه لا مكان لمن هو خارج القدس لأنها هي سيدة المكان في هذا العالم .

هل يمكن أن نستيقظ من سكرتنا ونستشعر ما يحيط بنا ولا نكتفي بنجاح مجزوء هنا أو هناك ؟
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت