وقفة لا بد منها في ظل الملفات الساخنة

بقلم: عباس الجمعة


في ظل الكثير من الملفات الساخنة ، لا بد من وقفة خاصة في ملف القضية الفلسطينية امام الكثير من المتغيرات التي تدعونا الى قراءة ما يجري باعتبار هذه القضية هي من الملفات الساخنة في منطقة الشرق الاوسط .
امام هذا المشهد ما زال الشعب الفلسطيني يرزح تحت نير أبغض احتلال عرفه التاريخ، والقضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية قد بلغت منها قذارة الاحتلال الإسرائيلي مبلغا غير مسبوق في تاريخ هذه القضية التي أصبحت تتراكم عليها النكبات وتأتيها من كل حدب وصوب، نتيجة سياسات الاحتلال الإسرائيلي وسياسات ما يوصف بالمجتمع الدولي ومنظماته ومؤسساته الشرعية منها والحقوقية التي تتجاهل قراراتها وتحاول من منع فلسطين بالحصول على مقعد في الامم المتحدة .
ان سياسات النفاق الدولي التي تنادي بالديمقراطية للشعوب ، تتجاهل حقوق شعب ظلم على مدى التاريخ ، ولكن ما يزيد الحزن والألم ألما أن المعنيين من العرب بإعادة هذه القضية إلى واجهة الاهتمام وإعادة بريقها وتوهجها أصبحوا مثار ريبة وشك، ومبعث يأس وإحباط، قد ساهموا في إضعاف مراكز قوة القضية الفلسطينية عمدا أو دون قصد، وكأن حال الجسد العربي في حالة موت سريري لا يشعر بما يجري من جرح نازف جراء الخنجر التي طعنت بها خاصرة الجسد والأمتين العربية والإسلامية، يوم أن غدر الاستعمار وعبث بالأرض العربية، ومن ثم سرقها ليقوم اللص الذي لا يملكها بتسليمها لمن لا يستحقها، من خلال تقديمه لمحتل عنصري ارهابي اسمه الكيان الإسرائيلي ليغتصب ارض فلسطين ويطرد سكانها قسرا ويستولى على ممتلكاتهم بعد ارتكاب العصابات الصهيونية مجازر مروعة راح ضحيتها عشرات الآلاف ليقيم على أنقاض فلسطين التاريخ والحضارة والهوية العربية والإسلامية كيان محتل يتسلح بأعتى صنوف الأسلحة المحرم منها دوليا ، ويتمتع بدعم سياسي وعسكري واقتصادي مفتوح وغير محدود، جعله فوق القانون الدولي، التي داس عليه ، في حين تمارس الضغوط من كل حدب وصوب على القيادة الفلسطينية للعودة الى مفاوضات عقيمة من اجل ان ينطق بنو صهيون وغلاة قادة هذا الكيان المحتل، بإحقاق الحق ووضع موازين العدالة في موضعها، حين يتفوه الحماة والداعمون في الكونجرس الأميركي ، و الأمم المتحدة التي يقال إنها ملاذ المظلومين والمسحوقين على وجه الارض، بينما ينتظر الفلسطيني ما سيحققه له المجتمع الدولي.
ان فلسطين هي علامة فارقة في تاريخ الشعوب وصورة مجسدة للمأساة العربية ـ الفلسطينية، وإلى اليوم لا تزال الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني تتعرض لمؤامرات مستمرة مصدرها هذا الكيان الإسرائيلي الغاصب الذي يسعى مع حليفته الولايات المتحدة الى تعميم الفوضى الخلاقة وفكفكة المنطقة لمصالحهم ، من خلال سياسات النفاق وبيع الوعود الجوفاء.
ان ما يسمى "ثورات الربيع العربي"، التي كان من المؤمل أن تكون قوة دفع إلى الأمام للقضية الفلسطينية، فإذا بها هي التي تحتاج إلى قوة دفع لانتشالها من مآزقها، إلا أنه مع ذلك يبقى الرهان على الشعب الفلسطيني صاحب الحق في ما عرف عنه من إرادة صلبة وعزيمة لا تلين في كسر كل القيود المفروضة على قضيته وعلى حريته نحو استرداد حقوقه الوطنية المشروعة وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
ان استعراض الاحداث والوقائع على الارض الفلسطينية المحتلة، يؤكد بأن العدو استغل المستجدات والمتغيرات التي تعصف بالعالم العربي، لتنفيذ مخططاته وخططه الاجرامية، بعد ان تراجعت القضية الفلسطينية على أجندة الاشقاء، واصبحت كل العيون مفتوحة لما يجري في دول الجوار، وهذا وعدم ايلاء القضية الفلسطينية، الاهتمام والدعم اللازم .
ان المشروع الأمريكي للمنطقة يقتضي ضرب استقرارها وإعادة ترتيبها من جديد، وفق سايكس بيكو ورسم حدود المنطقة من جديد، بتفتيتها وتجزئتها أكثر وأكثر، بما يحقق مصالح أمريكا، وإذكاء نار الصراع والخلافات الطائفية والعرقية والقبلية والمناطقية في العالم العربي، لتهيئة وتبرير التجزئة، بما يخدم أمن الكيان الصهيوني من جهة، ويحافظ على سيطرة الولايات المتحدة عليها لقرن قادم من جهة أخرى.
ومن هنا نرى الان ان العرب يعيشون مسرحية هزلية ذات فصول مأساوية لم تكتمل بعد ، البعض ينظر للمستقبل بأمل، والبعض الآخر بوجل وخوف ، ولكن تبقى الحقيقة أن العرب يعيشون الآن مخاضاً قد ينسجم في أعراضه مع الأهداف المضمرة لدعوة الولايات المتحدة المبكرة إلى تبني نهج “الفوضى الخلاقة” كمدخل للتغيير في العالم العربي .
وغني عن القول كنا نتطلع الى ثورات التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بروح عالية لانها ستعمل من اجل التطوير والاصلاح وعدم الدخول بلعبة الدم ، ولكن الأمر الخطير هو أن تؤدي تلك الثورات إلى الإطاحة بالنظام العربي السائد واستبداله بنظام جديد قد لا يكون عربياً بل جديداً فقط وذا ملامح مجهولة وأهدافاً تبعث على الشك والريبة أكثر مما تبعث على الارتياح والطمأنينة و يوصل الأمور إلى حضيض التجزئة والتشرذم وبما لا يترك مجالاً لإعادة بناء الوطن الواحد الموحد على أسس من الديمقراطية والشفافية وتكافؤ الفرص .
ومن هنا كان حرص الفلسطينيين على سياسة النأي بالنفس وعدم الدخول في الشؤون العربية حرصا على القضية الفلسطينية ، كما الان دورهم بالحفاظ على سياسة النأي بالنفس في سوريا حافظا على وحدتها ووحدة شعبها، والحفاظ على ممتلكاتها ومؤسساتها وثرواتها، والحفاظ على الشعب السوري المعطاء، وضرورة وقف نزيف الدم الغالي والبريء على أرضها، هذا الموقف الفلسطيني الجامع بالحياد الايجابي حتى لا ندخل في معمعان الأزمة الداخلية في سوريا، ومن هنا يلعب الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله دوراً هاماً وايجابياً في انقاذ الجرحى ومعالجتهم، وفي مد يد المساعدة لكل السوريين دون النظر الى أي اعتبار آخر.
امام كل ذلك نرى أن بعض العرب لا يريدون للقضية الفلسطينية أن تحل، لأن حلها يعني إغضاب إلكيان الصهيوني ووضعها بحدود واتفاقيات، الأمر الذي ترفضه حكومة الاحتلال جملة وتفصيلا لأنها لا تريد سلاما ولا تريد اتفاقيات بل تريد نهب واحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، لذلك فإن هناك من العرب من ينتابه الخوف من غضب الكيان الاسرائيلي، لذلك لم يتخذوا إلى الآن موقفا حاسما وحازما حول القضية الفلسطينية، بحيث لو كانوا يوظفون أوراق القوة التي لديهم وما أكثرها ولو لمرة واحدة، مثلما يحاولون الآن توظيف بعضها في الثورات العربية.
ونحن اليوم ننتظر من لجنة المتابعة العربية ومن الجامعة العربية تنفيذ ما اتفقوا عليه من اجل دعم الطلب الفلسطيني التوجه إلى الأمم المتحدة، حتى فعلا يعتبر خير سند ودافع للمطالب الفلسطينية المشروعة، ودعم صموده على ارض وطنه .
ان التهرب من تطبيق اليات اتفاق المصالحة وادارة الانقسام بعيداً عن مقتضيات الحوار الوطني الشامل وتعزيز الوحدة الوطنية، انما يدل ان البعض ما زال يراهن على مشهد الاسلام السياسي ، الذي لا يتناقض مع السياسات الامريكية، من خلال تغيب المصالح الحيوية لشعبنا، لحساب المصالح الأنانية تحت يافطة غزة محررة بما سيدفع إلى مزيد من التقاطع أو التوافق والخضوع لشروط التحالف الامبريالي الاستعماري الذي يستهدف فلسطين من خلال السعيي لبناء الشرق الاوسط الجديد ، ولهذا يجب على كافة الفصائل والقوى ان تستفيد لتحريك الشارع الفلسطيني من اجل الضغط لتطبيق اليات اتفاق المصالحة و استعادة تاريخ هذه القوى وروحها الثورية ومن ثم صياغة رؤيتها وبديلها السياسي والكفاحي والديمقراطي والالتحام مع جمهورها الذي ينتظرها بشوق لمواجهة المخاطر الكارثية التي تحيق بقضيتنا وحقوقنا التاريخية ومستقبل شعبنا.
وبقليل من المصارحة والمكاشفة، نسأل لمصلحة من استمرار الانقسام: كيف وهل استمرار الانقسام يخدم فلسطين شعباً وحقوقاً وكفاحاً، ما الذي تفعله حركة حماس بالتهرب من تطبيق اليات اتفاق المصالحة وهل بذلك تستعيد فلسطين عمقها القومي من بوابات الشارع المشرّعة للريح لا من النوافذ الضيقة و المراسم والبروتوكولات،نسأل ما هو مصير شعاراتكم عن المصالحة واستنهاض طاقات شعبنا والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية، هل طواها النسيان وأغرقتها جداول المواعيد والزيارات البروتوكولية المزحومة بالترتيبات ،يبدو أن القادة على سفر دائم.
إن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يقفا على مفترق طرق جديد في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي بالمصادرة والاستيطان والقتل والاعتقال، وفي ظل إصرار البعض على التمسك بنهج المفاوضات والاخر بغزة محررة رغم الإحباطات التي تعيشها القضية، وفي ظل التجاذبات الإقليمية والدولية.
إن كل ذلك أصبح يشكل مصدراً لتحديات خطيرة تهدد القضية الفلسطينية، وتستلزم استشراف الآفاق والفرص للمساعدة على بلورة خيارات فلسطينية واقعية وجادة للمحافظة على القضية من جهة، ولحماية الشعب الفلسطيني من جهة ثانية، ولدحر الاحتلال من جهة ثالثة.
ختاما : لا بد لنا من التأكيد على اهمية المصالحة وتطبيق قرارات واتفاقات الحوارات الوطنية والتمسك بخيار المقاومة بكافة اشكالها والصمود والتمسك بالحقوق باعتبار ذلك هو الذي يستجلب الدعم لشعبنا وحقوقه .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت