كترت التصريحات في الآونة الأخيرة حول مستقبل قطاع غزة السياسي وما يرتبط بهذه القضية من إجراءات وتوابع في كافة المجالات ، وربط الكثير من المراقبين في تحليل مواقفهم بما يجري من تغيير للسلطة في مصر واستلام رأس السلطة التنفيذية لمهام رئاسة الجمهورية المصرية الثانية وهو الدكتور محمد مرسي – من قادة جماعة الإخوان المسلمين – وربط ذلك بالحكومة القائمة والحاكمة في قطاع غزة برئاسة الأخ اسماعيل هنية – أحد قادة الإخوان المسلمين في فلسطين – ومدى ارتباط كلا القيادتين ببعضهما البعض سياسيا وأيدلوجيا وانعكاس ذلك على مستقبل العلاقة بينهما والمرتبط بشكل مباشر على مستقبل قطاع غزة بداية ومستقبل القضية الفلسطينية نهاية ، وانعكاس السيناريوهات القادمة على المصالحة الفلسطينية وإعادة اللحمة للكيان الفلسطيني والشعب الفلسطيني من جديد ومدى انسجام ما يحدث في قطاع غزة سياسيا واقتصاديا مع ما يحدث في الضفة الغربية والقدس .
ونحن نرى بعض المراقبين يضعون السم في الدسم عندما يبالغون في كل خطوة مصرية تجاه قطاع غزة وكأن معاناة أهل القطاع أصبحت قدرا لابد منه ويجب أن يتحملوا كل أصناف المعاناة من حصار وانقطاع للتيار الكهربائي واستمرار انهيار الوضع الاقتصادي وعدم البدء في أي خطوة تجاه إعمار قطاع غزة وبقاء مشكلة الوقود وغيرها من أصناف المعاناة المتعددة ، وطالما أن المعاناة موجودة وتتصاعد فهذا يعني أن الوطن بخير والمصالحة قادمة والقضية الفلسطينية تتقدم وإذا تم تخفيف بعض من تلك المعاناة مثل إدخال كمية إضافية من السولار لتشغيل محطة الكهرباء في قطاع غزة لتخفيف ساعات انقطاع التيار الكهربائي أو التخفيف من حدة معاناة معبر رفح للمسافرين أو البدء – ولو بشكل جزئي – في إعادة الإعمار تجد الصراخ والعويل على القضية الفلسطينية ومستقبلها ويبدأ مسلسل الاتهامات لتخويف الداعمين لقطاع غزة والتحذير من قيام " دولة غزة " وضياع القدس ومصادرة أراضي الضفة الغربية ، وكأن القضية الفلسطينية قائمة على استمرار معاناة أهل قطاع غزة ، وهذا التفكير يذكرني بأحد نواب المجلس التشريعي الأول عندما سمحت السلطة لسكان المخيمات في قطاع غزة بحريبة ترميم بيوتهم وإصلاحها حسب إمكانياتهم بعد أن كان يرفض الاحتلال الإسرائيلي لسكان المخيمات البناء طوال مدة حكمه لقطاع غزة إلا بصعوبة ، واعتبر هذا النائب المحترم أن إصلاح بيوت سكان المخيمات لتكون لائقة ومريحة لهم فإن هذا جزء من مخطط التوطين ودعا الى عدم السماح لسكان المخيمات بالبناء بحجة عدم شعورهم بالاستقرار فيها واستمرار مطالبتهم المتواصلة بحق العودة ، الغريب أن هذا النائب لم يكن من سكان المخيمات ولا يعرف معاناة السكن في المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة وهو من سكان المدن ولكنه يريد أن يناضل بمعاناة أهل المخيمات لتثبيت حق العودة ويصبح حق العودة في خطر إذا تحسنت حياة سكان المخيمات ، وهذا دفعني أن أصرخ في وجهه أن سكان المخيمات هم من أرقى فئات المجتمع الفلسطيني وأكثرهم تعليما وامتلاكا للشهادات العلمية ويتكلمون كل لغات العالم وأكثر فئات الشعب الفلسطيني تمسكا بقضيتهم لأنهم أكثر من يعاني وهم أكثر من ضحى من أجل قضيتهم العادلة ومن حقهم أن يتمتعوا بحياة كريمة مثلما يتمتع بها أهل المدن الأخرى وأن يتم توجيه الدعم لهم . قصة هذا النائب تذكرتها كلما استهجن البعض تخفيف الحصار عن قطاع غزة وهناك إمكانية تخفيف بعض ما يعانيه أهل قطاع غزة وربط ذلك بأوهام ليس لها وجود على أرض الحقيقة .
قطاع غزة اليوم يقف على مفترق طرق خطير ليس بسبب المتغيرات المصرية فحسب ولكن بسبب المعاناة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس وهذا مرتبط بشكل وثيق بالانقسام الذي لازال يضرب بجذوره في الأرض ويتعزز ويفرز وضعا سياسيا مأساويا وعدم قدرة - أو رغبة – القيادات الفلسطينية من تجاوز هذا المربع الأسود وكذلك الشلل الذي أصاب المجتمع الفلسطيني وأصبح الشك في كل تحرك هو سيد الموقف وغاب المنقذ القادر على التغلب على هذا الواقع وفرض القرار على الجميع ، وأصبح كل طرف يسعى لحل مشاكله بطريقته وأسلوبه وعلاقاته دونما انسجام أو ترابط بين القضايا ، فقيادة غزة تعمل جاهدة على حل مشاكل غزة بشكل مستقل عن القيادة في الضفة الغربية وكذلك القيادة في الضفة الغربية تواجه التحديات هناك بطريقتها وعلاقاتها وأسلوبها الخاص ، والقدس خارج نطاق السيطرة لأي منهما ، وكل طرف يصفق لكل إنجاز يحققه ويصنع منه نصرا كبيرا .
قطاع غزة لن يكون دويلة كما يقال ولكن طالما المصالحة مجمدة – كما يفخر بذلك كبار المفاوضين – وأصبح كل طرف يضع الشروط أمام الطرف الآخر فسيبقى الانقسام بين شقي السلطة ، وعمليا كل طرف يتصرف وكأنه يحكم دولة وهمية خاصة به وأجهزة ومؤسسات تنفذ له كل ما يريد ، وهناك أطراف إقليمية ودولية تعمل على إطالة هذه الحالة حتى يكتمل سيناريو الحل القادم والذي سيتم فرضه على أرض الواقع وسيجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين لقبوله – أو عدم القدرة على رفضه - لأنه لا خيار آخر أمامهم تحت شعار " إنقاذ ما يمكن إنقاذه " وهذا الحل كما هو مرسوم قديما في الذهنية الإسرائيلية هو استبدال أراضي بين قطاع غزة والضفة الغربية وإقامة الدولة الفلسطينية على مساحات مساوية تماما لمساحة فلسطين في حدود عام 1967 ، تكون أساسها قطاع غزة بعد توسيعه بشكل متفق عليه " الحل الإقليمي " وما تبقى من الضفة الغربية مناطق تابعة للدولة الفلسطينية واتفاق على مكانة القدس بين كل الأطراف ، وهذا الحل لن يكون مع حكومة غزة ومصر كما يروج البعض ولكن سيكون باتفاق فلسطيني واسع تشترك فيه القوى الفلسطينية الأساسية ، كل المؤشرات على أرض الواقع تؤكد هذا الخيار ما لم تحدث مفاجآت وأهم تلك المفاجآت صحوة قياداتنا وفصائلنا من غفوهم والاتفاق على استراتيجية فلسطينية تقلب الطاولة على كل تلك المخططات كما فعلها شعبنا في مراحل سابقة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت