ثورة النمل

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


طلبت ملكة النمل من رئيسة حكومتها دعوة أعضاء الحكومة لإجتماع طاريء وعاجل معها، وذلك لبحث احتجاجات شعبها ومطالبهم، وأسباب التظاهر، وانعقد الإجتماع في مقر الملكة ببيت النمل تحت صخرة في العراء.
الملكة مخاطبة وزيرة الداخلية: هل حضرت تقريراً عما يجري بالبلاد
وزيرة الداخلية: نعم سيدتي، كل شيءٍ جاهز لعرضه على جلالتك وعلى الشعب إن سمحت بذلك.
الملكة مخاطبة وزيرة الإعلام: هل حضرت نفسك لإذاعة محاضر ومداولات الإجتماع على الشعب
وزيرة الإعلام: نعم يا صاحبة الجلالة، كل شيءٍ على ما يرام.
وعندئذِ أشارت الملكة لوزيرة الداخلية بالبدء في تلاوة التقرير وعرض الوقائع المصورة عن الإحتجاجات وأعمال الشغب والإصابات بين المتظاهرين.
وزيرة الداخلية: كما تعلمين جلالتك فقد طال فصل الشتاء هذا العام، ولم تعد المؤونة المخزنة تكفي لإطعام الشعب، وحدثت مجاعة في ظلال بطالة الشتاء وشح الموارد في تلك المواسم، مما حدى بالطبقة العاملة الكادحة من الشعب للخروج من المملكة في فصل الشتاء بحثاً عن مؤونة في خشاش الأرض التي تغمرها المياه، وقد قضى كثير منهم في عملية البحث التي كانت مغامرة شجاعة وتضحية في سبيل الأوطان، فخرج الكثير منهم ولم يعد، فمنهم من سحبته السيول ومنهم من مات من البرد ومنهم من قضى بوعورة الطريق، ومنهم من داسته أقدام البشر بدون رحمة أو هوادة، وسرت أنباءٌ وشائعات بين طبقات الشعب الكادحة وانتشرت كانتشار النار بالهشيم، ولاقت صدىً عميقاً في نفوس الناس، مفادها بأن تحالفاً واتفاقاً جرى بين تجار المواد الغذائية (هوامير البلد) وبعض المسئولين في الحكومة وعلى رأسهم وزيرة التموين وطاقمها في الوزارة، وبعض المسئولين في وزارة التجارة، مما أدى الى احتكار السلع الضرورية كالقمح، وبيعها بأسعار عالية لم يكن بمقدور عامة الشعب الحصول عليها، وقامت طبقة المجتمع المخملية بشرائها وتكديسها بمخازنهم خوفاً من نفاذها من السوق، وصار ما يكبونه في حوافظ القمامة كفيلٌ بإطعام الكثير من الجياع من عامة الشعب. فثارت ثائرة الشعب وأهالي الضحايا، وقاموا بالتظاهر، واستغلت المعارضة هذه الأحداث واندست بين المتظاهرين وعاثت خراباً بمقدرات الشعب من الخدمات العامة، واضطرت قوات الأمن الى ايقاف هؤلاء عند حدهم، وحدثت اصابات متوسطة في أوساط المتظاهرين، ولم تحدث وفيات إطلاقاً.
وهنا قاطعت الملكة وزيرة الداخلية ، ووجهت حديثها الى وزيرتي الإقتصاد الوطني والتخطيط الإستراتيجي وقالت:
ألم تحسبوا لذلك حساباً، وكيف تضعون خطة اقتصادية لفصل الشتاء دون الأخذ بعين الإعتبار أسوأ الإحتمالات وهي أن يطول زمن الشتاء عن المعدل العام.
وزيرة الإقتصاد: سيدتي لقد وضعنا الخطة لتغطي شهراً كاملاً بعد انقضاء فصل الشتاء، والأرقام لدينا تثبت ذلك، حيث زادت كمية المخزون لهذا العام عن العام المنصرم بحوالي عشرين بالمئة، ونحن نجزم بأن الكمية كانت كافية لا بل تزيد عن حاجة عامة الشعب بكل طبقاته، ولكن يبدو أن الفساد استشرى في البلد، وهذا ما لم نحسب حسابه في يوم من الأيام عند وضع الخطط، فقد تعودنا على مجتمع محب لوطنه ومخلص في عمله. وتربى تربية وطنية صالحة، ويحمل ضمائراً حية. وللأسف يبدو أننا كنا مخطئين، والحقيقة والمنطق يا سيدتي أن لا نحسب للفساد حساباً، بل نعمل على اجتثاثه من جذوره فوراً بدون انتظار، قبل أن يستفحل في مجتمعنا، وحينها يصبح الفساد هو القانون السائد في البلاد.
وهنا التفتت الملكة الى وزيرة التربية والتعليم وقالت:
يبدو يا معالي وزيرة التربية والتعليم أن الأمور لديك لم تعد تحت السيطرة، فالمناهج التعليمية والوسائل التربوية أصبحت قاصرة عن تلبية الحاجة الوطنية وتحقيق الأمن الوطني، وصحيح أن للسن أحكامه وقوانينه، فبحكم سنك المتقدم وتقادمك في الوزارة، لم تعودي تتمتعي باللياقة الوطنية، ولم تعودي متابعة لكل حديث وجديد وتطور يطرأ في عالم التربية والتعليم، ولم يعد التنسيق بينك وبين وزيرة التخطيط الإستراتيجي قائماً، فقد آن الأوان لكي تستريحي، وأن يشغل مكانك من يستحق المنصب. نحن بحاجة الى طاقة شبابية خلاقة، وبحاجة الى البحث العلمي والإختراع والإبداع في مجال العلوم والصناعة والتصنيع، مجتمعنا بحاجة للعلماء والمبدعين. وينطبق ما قلته بخصوصك على وزيرة الثقافة والشباب، فقد غابت عن المجتمع الثقافة الوطنية الحقة، وغلبت عليه الثقافة الفردية والمصالحية الشخصية الضيقة، فأرجو أن تقدما استقالتكما فوراً بعد انتهاء الإجتماع.
والتفتت الى وزيرة الداخلية وسألتها: ماذا كان يرفع المتظاهرون من شعارات ويافطات وبماذا كانوا يهتفون.
وزيرة الداخلية: شعارات يا سيدتي كلها تركزعلى ضرورة إدارة عجلة التنمية والتطوير في كل المجالات، واللحاق بركب دول النمل المتحضرة والمتقدمة، مطالب بتنمية اقتصادية وتعليمية وتربوية وصناعية وزراعية واجتماعية ونهضوية تهدف كلها الى زيادة الإنتاج، وتوفر العدالة في توزيع الثروات، والتمتع بالحريات، وشعارات تندد بالفساد والمفسدين، وتطالب بحكومة تكنوقراط مهنية متخصصة لا حكومة وجهاء ومخاتير ومحاصصة حزبية، حكومة وطنية من اعضاء مشهود لهم بالوطنية والحيوية والنشاط والإخلاص بالعمل، حكومة نخبوية في مجلات تخصصها ومبدعة في الخلق والتطوير ونقل المجتمع الى مصاف المجتمعات المتطورة.
صمتت الملكة قليلاً ثم قالت للمجتمعين على مسامع شعبها:
لقد فهمت الآن شعبي، ولطالما لم يمسسني بشعاراته، سوف انحني له احتراماً، لصغيرهم قبل كبيرهم، وسوف أعمل على تحقيق مطالبهم كلها، وأسخر سلطاتي التي منحني اياها شعبي لخدمة هذا الشعب، فنحن شعب النمل قدوة لكل الشعوب في الجد والإجتهاد والحيوية والنشاط والتنظيم والتخطيط والتدبير، ولو سمعت أن شعاراً واحداً رفعه الشعب يريد فيه اسقاط نظام حكمي لقدمت استقالتي فوراً بدون تردد، ولهجرت السلطة دون رجعة، ولأن شعبي منحني ثقته، فإنني أقسم بالله العظيم أن أكون عند حسن طنه بي، وسأعمل على كل ما يجلب الخير للصالح العام. وبناءً عليه فقد اتخذت القرارات التالية:
اولاً: إحالة رئيسة الحكومة الحالية والتي لم تستطع إدارة حكومتها لمصلحة البلاد والعباد، والتي سمعنا على زمنها بالفساد، وكذلك ينطبق الأمر على كل من وزيرة التموين ووزيرة التجارة والصناعة ووزيرة العدل ووزيرة العمل ووزيرة التربية والتعليم ووزيرة الثقافة والشباب ووزيرة الإعلام ورئيسة المخابرات العامة الى التحقيق والقضاءلإثبات التهم الموجهة اليهم أو نفيها بإثبات البراءة منها. وبذلك تعتبر الحكومة الحالية بكامل أعضائها في حكم المستقيلة.
ثانياً: سوف أطرح على الشعب أسماء ثلاثة مرشحات لرئاسة الحكومة الجديدة، بناءً على توصية من لجنة الحكماء والمستشارين من نخب الشعب، وأطلب منهم انتخاب رئيسة للحكومة الجديدة من بين الثلاثة. وستقوم الرئيسة الجديدة بعرض تشكيلتها الحكومية على مستشاري الملكة من حكماء المجتمع الذين لهم حق الطعن في أي مرشح لمنصب حكومي.
ثالثاً: تخضع الحكومة الجديدة لفترة تجريبية مدتها سنة، حيث تخضع تجربتها للتقييم من واقع نصوص برنامج العمل المقترح لها والتطبيق على أرض الواقع، وذلك من قبل لجنة الحكماء والمستشارين، وإن أثبتت جدارتها في ادارة شئون البلاد فستمدد فترة حكمها لتكمل الخمس سنوات من تاريخ تشكيلها.
رابعاً: حل مجلس الشعب واعتبار كافة أعضائه مستقيلين، وسحب كل التسهيلات التي حصلوا عليها بموجب المنصب وعودتهم الى المناصب والمواقع التي قدموا منها ليظلوا مستمرين على ملاكها دون خسارة لمدة الخدمة في المجلس. والإعداد لقانون انتخابات جديد يضمن وصول الأكفاء لقبة البرلمان والذين يعبرون عن الإرادة الشعبية. ويعملون على خدمة الشعب لا أن يعمل الشعب على خدمتهم. فقد لوحظ أن من يسعى لهذا المنصب من طبقات المجتمع المخملي أو القبلي أو الحزبي يكون هدفه بالمقام الأول هو التفاخر والرياء والمباهاة، وخدمة المصلحة الشخصية أو القبلية أو الحزبية، وليس الرغبة في خدمة الشعب والسهر على مصالحه العامة.
خامساً: سوف يتم اتخاذ قرارات وطنية أخرى وسيعلم بها الشعب فور صدورها، وأطلب من وزيرة الداخلية القيام بتسيير الأعمال نيابة عن رئيسة الحكومة، وإحلال من حولوا الى التحقيق مؤقتاً بأشخاص أكفاء، وتنفيذ ما اتخذ من قرارات بشكل عاجل. كما وأطلب من رئيسة الديوان الملكي التنسيق مع الثوار لتشكيل لجنة من عشرة أشخاص، لتتحدث بإسمهم وتمثلهم تمثيلاً حقيقياً للقائي سريعاً بالقصر وفي أي وقت يحددونه هم، وسوف أكون باستقبالهم بغض النظر عن أي ارتباط آخر.
سادساً: سأعمل على تشكيل لجنة من خبراء القانون والسياسة ومن حكماء البلد ونخبها الفكرية، لإعادة صياغة الدستور والقوانين المحلية المتقادمة، كقانون العمل والعمال وقوانين تشكيل النقابات والإتحادات الطلابية والجمعيات الخيرية وغير الخيرية ليتناسب الدستور والقوانين مع التغير المتسارع الذي يطرأ في عالم النمل، ومع مطالب الشعب الكريم، وستعرض اسماء اللجنة على الشعب للإستفتاء عليها وإقرارها كما هي أو تعديلها.
سابعاً: سأعمل على تشكيل دائرة للتفتيش والرقابة العامة، ودائرة لمكافحة الفساد، وهاتان الدائرتان سوف تتبعان لي مباشرة، وسيكون لديهما صلاحيات بفتح تحقيق مع أي شخص أو جهة مشتبهة بالفساد والتحويل الى القضاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التوقيع
ملكة النمل الثائر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت