ثورة النمل الجزء الثاني

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


قام المحتجون من النمل باختيار ممثليهم للإجتماع بالملكة لسماع مطالبهم، واجتمع ممثلوا الشعب فيما بينهم عدة مرات قبل لقاء الملكة، واتفقوا على توحيد المطالب في قائمة واحدة تأخذ بعين الإعتبار مطالب الجميع العادلة والمنطقية والمتسقة مع الواقع، وكذلك تم الإتفاق فيما بينهم على اختيار متحدث رسمي بإسمهم، وتقرر موعد الإجتماع وتم انعقاده في القصر الملكي برئاسة الملكة. وقام سكرتير الديوان الملكي بتسجيل محضر الإجتماع واليكم ما دار فيه:
الحضور نيابة عن المحتجين:
ممثلون عن نقابة العمال والحرفيين ، نقابة المعلمين ، نقابة أساتذة الجامعات والمعاهد المتوسطة، اتحاد طلبة الجامعات ، اتحاد طلبة المدارس ، نقابة الأطباء بكل فروعها ، نقابة المهندسين بكل فروعها ، نقابة الصيادلة ، نقابة الفنانين، الإتحاد النسائي ، أحزاب الوسط، أحزاب اليمين، أحزاب اليسار، اتحاد المعوقين ، نقابة المزارعين، العاملين في القطاع العام، العاملين في القطاع الخاص، وجميع التنظيمات والهيئات والتجمعات والجمعيات الوطنية.
من جانب القصر: الملكة ولجنة الحكماء والمستشارين وطاقم الديوان الملكي.
القت الملكة كلمة ترحيبية بالوفد، وافتتحت الجلسة، وطلبت منهم التحدث بصراحة وعفوية والتعبير بشفافية عن حديث الشارع، وقالت لهم "تحدثوا بصدق وأمانة وتجرد، كما يمليه عليكم الضمير الوطني الحر، ولا يحوشكم عن ذلك لومة لائم، أو انتقام متسلط ومتجبر.
بعد أن أنهت الملكة كلمتها، قام الناطق الرسمي باسم الوفد، والذي تم اختياره بالإجماع والتوافق فيما بينهم، وهو (ممثل نقابة أساتذة الجامعات والمعاهد المتوسطة)، وبدأ بإلقاء كلمته التي تمت الموافقة عليها من كل الأعضاء والتي تعبر عن ملخص إجمالي لمطالب الجميع وبشكل عام دون التفاصيل:
سيدتي صاحبة الجلالة،
في البداية اتقدم اليك نيابة عن زملائي وبالأصالة عن نفسي بالشكر الجزيل على اتاحة الفرصة لنا للتعبير عن مطالبنا وعن فلسفة ثورتنا وعن نهجنا المقترح للتغيير، هذا التغيير الذي بات ملحاً نظراً لجمود الوضع الحالي وتصلبه الذي ربما يؤدي في النهاية الى انكساره وتدمير الدولة ومؤسساتها لا سمح الله، مما ألقى بظلاله السوداء الكالحة على أحوال وظروف كافة أطياف المجتمع، فانعدم الأمن والأمان، وانتشر الحسد والحقد والكره بين الناس نظراً للتفاوت الكبير بين مستويات الحياة المعيشية، وباتت معه الحياة قاسية وصعبة، تنذر بالتفكك والإنحلال المجتمعي، وتفتقر الى العدالة الإجتماعية، وصار فيها التمايز بين طبقات المجتمع كبيراً، مما وسع الهوة بين أطياف المجتمع وطبقاته، وأصبحنا في حالة شد عنيف بين طبقتين من المجتمع إحداهما في القمة وأخرى في القاع، وأنعدم الوسط والوسطية التي اوصى بها ديننا الحنيف، والتي كانت كفيلة بإمساك العصا من المنتصف لتحفظ التوازن، وصرنا كجسد برأس ومؤخرة فقط، بدون صدر يحتضن قلباً ورئتين، وبدون بطن يحتضن جهازاً هضمياً، فصارت عقولنا في رؤوسنا تتغذى من مؤخراتنا - وأرجو عدم المؤاخذة يا سيدتي على هذه الألفاظ ولكنك طلبت منا التعبير عما يدور في الشارع-. وبذلك أصبحنا نقف على حافة الهاوية، وصارت نذر الإنقسام والتفكك والإنحلال تطرق أسماعنا بشدة، وانقسم مجتمعنا عمودياً قسمة جيوسياسية واضحة للعيان. وصارت الدولة على وشك التفكك والإنهيار والدخول في حالة من الفوضى وانعدام الوزن وبالتالي انعدام الأمن والأمان.
وبهذه المناسبة لا بد من التأكيد لك على التفافنا حول قيادتك، لأنك أنت تمثلي الشرعية التي لا نختلف عليها، وأنت رمز للوحدة الوطنية لكل أطياف المجتمع. ولا ننسى تاريخك وتاريخ أجدادك النضالي من أجل الإستقلال، ولن نسمح لطيف أو طائفة أو حزب الإستئثار والإستفراد بالحكم، والإمساك بكل خيوط السلطة وتلابيبها، لأننا شعب متنوع الأطياف. ولكننا نطلب منك تسخير سلطاتك التي منحها لك شعبنا في دعم مسيرتنا نحو التغيير، وتبني نهجنا في التغيير، واعتناق فلسفتنا في الثورة التي صارت مطلباً ملحاً للخروج من الوضع الساكن المتجمد الحالي.
نحن يا سيدتي لا نطالب بإسقاط النظام أو تغيير الحاكم، مطالبنا أعمق من ذلك بكثير، فإن تحققت الأماني من الثورة فسوف يتغير النظام الحاكم تلقائياً وبدون تغيير شخص الحاكم، فالمشكلة في النظام وليس الأشخاص، وما الفائدة من تغيير الوجوه الحاكمة ما دامت عجلات التنمية والتطوير جاثمة على الأرض، وتحتاج الى تعبئتها بالهواء لنستطيع تحريك مركبتنا على الأرض والتقدم للأمام. وما الفائدة المرجوة من تغيير أشخاص كانوا حاكمين بأشخاص كانوا معارضين من أجل المعارضة فقط وذلك طمعاً بالسلطة ولا شيء غير السلطة. وسوف يمارس الحاكم الجديد على من كان يعمل في ظل النظام السابق وسائل الإنتقام. وسيدوس على كل الشعارات التي كان يرفعها، ويمضي بنفس الطريق الذي سلكه سلفه، ولكن بالإتجاه المعاكس في عكس عقارب الساعة، ليطمر ما تم حرثه في الأرض في عهد من سبقه دون أن ينثر في باطنها بذورالتنمية، ودون أن يشق طرقاً جديدة للتنمية والتطوير.
ثورتنا يا سيدتي هي ثورة الإنسان ورسالته التي كلفه بها الخالق، وهي ثورة عمادها الفكر والتفكر، والقلم والعلم، والتطبيق بالسعي والعمل، هي ثورة لاستغلال الأرض وما عليها من مخلوقات من أجل الصالح العام للبشرية، هي ترسيخ للمعاني الإنسانية والأخلاق في جسور التعاون بين البشر. وكل ممثل من أعضاء الوفد لديه برنامج وطني شامل في اختصاصه، وبهذه المناسبة فإننا نطلب المزيد من جلسات الحوار معك وعرض برامجنا للإصلاح الشمولي على جلالتك.
مجتمعنا يا سيدتي بحاجة الى حزم من الثورات في كل الميادين، تبدأ في ميدان التربية والتعليم، التربية الأسرية والمدرسية، وتأهيل الرعاة ليكونوا مسئولين أمناء على رعاياهم، وثورة في مناهج التعليم المدرسي والجامعي، فمناهجنا التعليمية اليوم تعتمد التلقين والحفظ وتفتقر الى التطبيق مما يجعلها أقرب الى الخيال منها الى الواقع، فتخرج الأكاديميين النظريين، وأصبحنا نتعلق بالنظرية وننسى التطبيق، فصرنا شعوباً وقبائل ترفع الشعارات ولا ترقى الى التطبيق، فأصبحنا بحق أمة الخطب والتصفيق للجهابذة من الخطباء دون أن نرى النتائج المتحققة على الأرض. وصرنا أمة الوظائف المكتبية والمناصب، وأمة الجاه والمشيخة بمقاييس اندفاع الكروش الى الأمام. وغابت من مجتمعنا طبقة الحرفيين والمهنيين والفنيين الميدانيين، وصرنا نستورد العمال والحرفيين والمهنيين من مجتمعات أخرى، فصارت مصالحنا الخدمية بأيدي الغرباء يتحكمون بها وبنا، ولا ندري إن تعرض الوطن لعدوان كيف سندير الخدمات ونوفرها لشعبنا.
ونحن بحاجة الى ثورة في ميادين الفكر والمعتقد والعقيدة والثقافة الدينية، تلك الميادين التي تلوثت بالجانب السالب من تقنيات العولمة والحضارة، ومن الغزو الثقافي والفكري للأعداء، فأنتجت تلك الثقافة الدينية في مجتمعاتنا محورين من الشباب على طرفي نقيض، محور التعصب والتطرف الفكري والأيدلوجي الحاد، ويقابله في اتجاه معاكس محور الرخاوة والميوعة المنفتحة السافرة والمنفرجة بدون حدود بلا حياء أو خجل، وانعدمت فيما بين المحورين الوسطية والإعتدال. وانقسم الشباب ما بين متطرف متعصب ومنفتح مرتخِ الى حد الإنفراج التام.
ونحتاج الى ثورة في ميادين البحث العلمي والإختراع للنهوض بالإقتصاد في كل مناحيه، المنحى الصناعي والزراعي والتجاري والتكنولوجي وذلك للوصول الى حالة الإكتفاء الذاتي والإعتماد على النفس وتوطين الوظائف والحرف والمهن دون الحاجة الماسة للخبرات الأجنبية.
ونحن بحاجة الى ثورة إجتماعية ونفسية، نظراً للرواسب والعقد التي خلفتها إعتداءات الأمم الأخرى علينا نظراً لضعفنا وهواننا، وشعورنا بالرخص وقلة القيمة، وذلك لاحتلالها لأراضينا ومقدساتنا، وقمعها وإذلالها لمواطنينا، وتمتعها بخيرات بلادنا بينما نحن نقف منها متفرجين عليها ومحرومين منها نظراً لقلة خبرتنا في استخراجها وتصنيعها. ولن يتحقق ذلك الا بوحدتنا الوطنية وبتحرير الأرض من الغاصب والمحتل، وهذا يتطلب منا برامج مقاومة وطنية نجمع عليها كلنا بمختلف أطيافنا السياسية والفكرية والحزبية والعقائدية، ونفعِّل في حدود تلك البرامج مقاومة جادة بالتوازي مع نضالات سياسية محددة الأهداف والثوابت، ولا بد من زيادة أوراق الضغط على المعتدي. بالتركيز على مواطن القوة عندنا ومواطن الضعف عند الأعداء.
ونحتاج الى ثورة في ميادين السياسة التي تخدم المصالح الوطنية العليا، فالسياسة التي إنتهجتها حكوماتنا المتعاقبة دأبت على خدمة المصالح الشخصية الضيقة على حساب المصالح العامة، مما أدى الى التقاء مصالح السياسيين الشخصية مع مصالح الرأسماليين الشخصية، وتحالفهما في معسكر معاكس ومعاد لعامة الناس. فغابت الحريات وساد القمع والكبت وامتلأت المعتقلات بالسياسيين الشرفاء، والباحثين عن الحرية، علاوة على اكتظاظها بلصوص الليل الشرفاء الباحثين عن لقمة خبز جافة ليسدوا بها رمق أبنائهم الجياع المحرومين، إذ اصبحت لصوصية النهار التي تنهب خيرات البلاد حلالاً لا يعاقب عليها القانون. وصارت لصوصية الليل جريمة يعاقب عليها القانون، والقاضي والحكم فيها لصوص النهار. وساد بيننا قانون الغاب الذي يأكل فيه القوي الضعيف.
تلك هي بالمختصر مطالبنا العامة بدون تفاصيل، ولا يوجد بينها مطالب شخصية لأي فئة أو طيف، كلها مطالب عامة تهدف الى خدمة الوطن والمواطن. والتفاصيل في جعبة كل عضو من الأعضاء.

سيدتي صاحبة الجلالة:
نقولها بكل صراحة ووضوح ، أنت بحاجة يا سيدتي الى تغيير البطانة السيئة التي تحيط بك، تلك البطانة التي تحولت الى طفيليات، ونمت وكبرت مصالحها الشخصية باستغلال السلطات التي منحت لها، وتكلست هذه البطانة في القصر، وحدّت من حركتك وحريتك وطموحاتك في قيادة بلد نموذجي، وصرت رهينة لهم ولقراراتهم، - اعذريني سيدتي بهذه المكاشفة الجريئة التي ربما تكون مؤلمة- ، فإن كانت الحقيقة مرة عليك وعلينا، فلا بد من تجرع الدواء المر من اجل العلاج، والخلاص من الألم والإلتهاب. وسوف نساعدك يا سيدتي في تفتيت وكسر وتحطيم هذا التكلس الذي تجمع حول القصر، وتحول الى حاجز بين قصر الحكم والشعب، فتم فصلك وعزلك عن شعبك المعطاء الوفي، وسندعمك ونسندك بكل طاقاتنا وإمكاناتنا الشعبية الهائلة التي لا يستطيع الوقوف أمام مدها أي سلطة أو قوة أو منصب أو جاه على وجه الأرض.
وبعد أن أنهى الناطق الرسمي كلمته، طلبت الملكة من سكرتير الديوان الملكي إعداد جدول زمني للقاء كل عضو من أعضاء الوفد على حدة، للإطلاع على مطالب من يمثلهم، وعلى البرنامج الوطني المقترح للإصلاح في كل مجال.
انتهى الإجتماع بمأدبة غداء أقامتها الملكة على شرف المدعوين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت