إلحق طوشة

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

إلحق طوشة
قراءة في الواقع الاجتماعي مع آفاق الحلول

يبدو أنه منذ اللحظة الأولى من إعلان الانقسام ، وتحويل دعاة الجهوية والصنمية الحزبية الدم الفلسطيني من خط أحمر إلى خط مشاه ، بدأ التفكك في النسق القيم داخل المجتمع ، وأصبحت ثقافة التطاول ورفع السلاح بكافة أشكاله المتاحة ، سمه بدأت تهدد النسيج المجتمعي الفلسطيني ..

لاحظنا وبشكل غير معهود وخاصة في شهر رمضان المبارك ، ارتفاع عدد المشاكل الاجتماعية ، والتي تؤدى في أغلب الأحيان إلى العديد من القتلى والضحايا ، حتى بلغ الأمر أن الأخ يقتل أخيه والشاب يقتل ابن عمه ، وآخر يقتل زوجته وأمه وأبيه ، وكأن الأمر أصبح لكل امرئ في بلادنا شأنا يعنيه ، !!

في ظل غياب النسق القيمي والترابط الاجتماعي والحب والإخاء ، والروابط التي بنيت في المجتمع من مصادر متعددة أرقاها ديننا الحنيف ..


والخطير بالأمر أن كثرة الضحايا ناتجة عن استخدام سلاح الفصائل المتكدس ببيوت العديد من الشباب ، وخاصة المراهقين ، والكل يعلم سمات هذه المرحلة الحرجة في حياة الإنسان ، والتطور في مفاهيم الغضب والعنف والانفعال السريع ..


وفي حقيقة الأمر أن المشهد السياسي العربي والفلسطيني ، أفرز الكثير من المشكلات البنيوية والهيكلية والاجتماعية ، وبسبب هذه الأزمات، يلجأ الكثير إلى العنف للهروب السيكولوجي منها ، ولكن استخدام العنف وبشكل متزايد يزيد من حدة المشكلة.

العوامل والمحددات الرئيسة للعنف :

- الانغلاق السياسي :

من الطبيعي أن ينتهي إغلاق المجال السياسي أمام المجتمع، بإعمال القمع وتقييد الحريات وهضمها، إلى دفع هذا المجتمع إلى سلوك طرق أخرى للتعبير عن مصالحه وحقوقه، وإلى ممارسة الاحتجاج على التسلط والقمع الذي تمارسه مؤسسات الدولة.

- الضعف والمحسوبية في تطبيق القانون :
من المفترض أن القوانين والضوابط التي تحكم المجتمع تحد من عنف الأفراد، ولكن يبدو أن تلك القوانين والضوابط قد أصبحت ضعيفة بدليل أن منطق القوة أصبح هو السائد الآن، فكل فرد يريد أن يأخذ حقه بنفسه بعد أن فقد الإحساس بالعدالة خاصة في ظل بطء إجراءات التقاضي، وبصراحة نقول أن تجرأ البعض على القانون واعتقادهم أن صفتهم الحزبية والتنظيمية اكبر من القانون ، أدى إلى تمادى ظاهرة العنف والقتل والهجوم والتحدي وضرب القانون بعرض الحائط .

- غياب العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع :
والأمر الخطير هو نشوء ظاهرة الحقد الاجتماعي الذي يطلق عليها سياسيا ظاهرة الحقد الطبقي ، التي تعود إلى السياسات المنتهجة من قبل المؤسسات والجمعيات الحزبية التي لا تهتم بالفقراء ومعدومي الدخل، إلا بشروط تخضع لمنطق الولاء وممارسات تخضع للحزب وقادته ، خاصة بعد أن عجزت المؤسسات الرسمية عن حل مشاكل المواطنين، فأصبح منطق الكبت والتذمر والعنف هو السائد، وتوارت القيم والأخلاقيات جانبا لتفسح المجال للصراعات العنيفة والسلوكيات المرفوضة، تعبيرا عن كبت دفين .

- العنف الحكومي والمدرسي والأسري في معالجة المشكلات :

من المعروف انه كلما زادت حدة الضغوط أصبح رد فعل المواطن أكثر عنفا، وأمام إتباع الحكومات لأساليب البطش والشدة لقمع المواطنين، وكذلك الأمر حين يرى الشاب أسلوب أبيه في البيت مع أمه وإخوته ، عدا عن العنف في المدارس واستخدام أسلوب الضرب في طوابير الصباح وعقاب الطلاب الجماعي ، وأساليب الاهانة المستخدم من قبل مدراء مدارس ومعلمين غير مؤهلين تربيون ، كل هذا أدى إلى نتيجة خلق سلوك المواطن ليصبح أكثر عدوانية.

- الأسباب الاقتصادية والاجتماعية
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فلو تأملنا في وقائع العنف لاكتشفنا، أن إخفاقات التنمية والتفاوت الصارخ في مستويات المعيشة والبطالة وتدني مستويات الحياة والعيش الكريم، من الحقائق التي تساهم في بروز ظاهرة العنف في مجتمعاتنا.

لذلك نلحظ، بوضوح وفي العديد من الدول، أن القاعدة الاجتماعية التي تعتمد عليها جماعات العنف، وتوفر لها الكادر البشري والحماية، هي أزقة المخيمات المهمشه ،وأحزمة البؤس التي تضرب طوقاً رمزياً ومادياً حول المدن الرئيسة في بلادنا بشكل يشبه العشوائيات .
فلا يمكن أن نغفل الأسباب الاقتصادية والعوامل الاجتماعية في بروز ظاهرة العنف؛ وذلك لأن آليات العنف تتحرك صعوداً وتصعيداً بالتناسب مع هبوط مؤشرات التنمية وارتفاع نسبة الفقر المدقع وتدهور معدلات التوازن في توزيع الثروة!

فالتدهور الاقتصادي يقود إلى تصدعات اجتماعية خطيرة، وبدورها (التصدعات الاجتماعية)، توفر كل مستلزمات بروز ظاهرة العنف في الفضاء الاجتماعي. فليس مستغرباً أن تتحول حالات التهميش الاقتصادي إلى قنبلة قابلة للانفجار في كل لحظة . فماذا ننتظر من شباب ليس لها إلى جدران المنازل ليستندوا إليها صباحا ومساءا ، هؤلاء الشباب الذين لا يملكون أدنى متطلبات الحياة حياته والرعاية الاجتماعية وفرص العمل والتدريب

-البطالة والعنف
تؤكد الدراسات العلمية أن نسبة المشاركين في جرائم جنائية بنسبة أكثر من 30% هم من العاطلين عن العمل ، وبالرغم أن الإجرام ليس صفة أصيلة في شخصية العاطل عن العمل ما عاذ الله ، لكن ما نشهده اليوم من تزايد فكرة العنف هو مجرد هروب من الحياة اليائسة التي يعيشها، بعد أن فقد الأمل في الحصول علي وظيفة، والمؤشر الخطر هنا ، أن استمرار حالة الفقر المدقع في مجتمعنا وتكدس طوابير البطالة ، ينذر بظهور فئة جديدة من المجرمين الجدد وهم (العاطلون) .


ما المطلوب

في ظل التدهور الخطير والانزلاق في عالم المشاجرة والجريمة ، نرى أن نضع مجموعة من التوصيات للمؤسسات الحكومية والاجتماعية عسى أن تنفع الذكري :

- المطلوب نزع السلاح من كافة المنازل واحترام سلاح المقاومة ووضعه واستخدامه في زمانه ومكانه الحقيقيين .



- البعد عن المحسوبية الحزبية الفئوية الضيقة في التوظيف واتباع منهج الشفافية ..

- إيجاد فرص عمل وتدريب متواصل لآلاف الشباب للخروج من حالات الفراغ المتزامن مع حالات العنف ..

- على الحكومة إيجاد ملاعب ومسابح مجانية لممارسة العاب رياضية ملائمة لكل الفئات العمرية والشرائح الاقتصادية ، ولا تكون حكرا للفصيل ، والأثرياء من القوم ...
د ناصر إسماعيل اليافاوي الأمين العام لمبادرة المثقفين العرب لنصرة فلسطين (وفاق)

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت