مسامير وأزاهير 303 ... قلع لمسمار جحا الصهيوني!!!.

بقلم: سماك العبوشي


فرعنة "إسرائيلية" تمثلت بردة فعل متشنج إزاء قرارات الرئيس المصري الأخيرة والخاصة بتغيير جوهري في قيادة الجيش المصري، وكأن سيناء العربية المصرية الأصيلة عبرية الجذور والتاريخ، والتي تعطفت الدولة العبرية يوما ما فأهدتها لمصر عن طيب خاطر في ظل شروط لها أشبه ما تكون بتلك الشروط التي تفتق ذهن جحا يوما فوضعها حين أراد بيع دار له، "مع فارق التشبيه بالطبع فالأمثال تضرب ولا تقاس"، فاشترط جحا على المشتري أن يبقي مسماراً كان قد ثبته على جدار إحدى غرف الدار، فوافق المشتري دون أن يفطن لدهاء جحا والغرض من شرطه ذاك، وكـُتب عقد البيع كما أراد جحا، وما هي إلا أشهر مضت، فإذا بجحا يطرق باب من اشترى الدار منه، فلما سأله جاره عن سبب الزيارة أجاب جحا: جئت لأطمئن على مسماري!!، فما كان من المشتري إلا أن رحب به، واستضافه في داره وأطعمه، فإذا بزيارة جحا تطول، واستمر مكوث جحا عند الرجل حتى جنّ الليل، فإذا بجحا وسط ذهول الرجل يخلع جبته ويفرشها أرضاً قرب المسمار وتهيأ للنوم، فلم يطق المشتري صبرا فسأله: ماذا تنوي أن تفعل يا جحا!؟، فأجابه جحا بهدوء: سأنام في ظل مسماري!!.


ما أن صدرت القرارات الرئاسية المصرية الجريئة الأخيرة والخاصة بإجراء تغييرات جوهرية موسعة في قيادات الجيش المصري، حتى سيطر الذهول والانزعاج على دوائر تل أبيب، فراح مسئولون عسكريون صهاينة رفيعو المستوى يهددون مصر بالويل والثبور وعظائم الأمور بكل وقاحة وصلف ويتوعدونها بالتدخل في سيناء وفرض سيطرة أمنية على الحدود المشتركة في حال لم تعمل القيادات المصرية الجديدة بالتنسيق مع حكومة تل أبيب، هذا كما ونقلت القناة العاشرة للتليفزيون العبري وصف مسئول أمني صهيوني - لم يكشف النقاب عن اسمه- تلك القرارات الرئاسية المصرية بـ "الصدمة المطلقة, وأنها استمرار للأحداث الكبرى التي تمر بها مصر"، منوهاً بأن "الرفاق!!" من كبار القادة العسكريين المقالين لا يردون على الهاتف!!.


تساؤلات تفرض نفسها في ظل ما صدر من إنزعاج وردة فعل صهيونية متشنجة إزاء تلك القرارات السيادية المصرية، فكيف سنفسر تلك الأنباء التي تناقلتها وسائل إعلام صهيونية عن اهتمام ومتابعة حكومة تل أبيب وقادتها السياسيين لما يجري في مصر لحظة بلحظة!؟، بل كيف سنقرأ ذاك الذهول المقترن بالانزعاج والتشنج الذي سيطر على دوائر تل أبيب، وما أبدوه من وقاحة قل نظيرها متمثلة باشتراطات وتهديد لمصر بالتدخل في سيناء وإعادة فرض سيطرتهم الأمنية على الحدود المشتركة في حال لم تعمل القيادات المصرية الجديدة بالتنسيق والتشاور مع الكيان الصهيوني!؟، ثم ما الذي يمكن أن يستشف من تصريح لمسئول صهيوني رفض الإفصاح عن اسمه نقلته القناة العاشرة العبرية جاء فيه وأقتبسه نصاً: "إن هذا التغيير قد يؤثر سلبًا على المدى البعيد على استمرار التنسيق بين الجيشين في كلا الاتجاهين"!!.


إننا لن نجد صعوبة تذكر في رحلة بحثنا عن الإجابة الشافية الوافية التي تميط اللثام عن تساؤلاتنا تلك وغيرها، لمعرفة أسباب تلك العنجهية والفرعنة الصهيونية، والتهديد والوعيد، إذا ما تذكرنا جملة حقائق لا تغادر بأجمعها السيادة المجروحة لسيناء، وكيف أن الأخيرة كانت لعقود طويلة أعقبت كامب ديفيد ومازالت رهينة أسيرة جريحة في قبضة وسيطرة الكيان الصهيوني، هذا في وقت لم يمارس كبار قادة الجيش المصري الذين طالهم التغيير بتلك القرارات الثورية الرائعة أي دور ضاغط لتصحيح "العوار!!" الكامن بتلك المعاهدة سيئة الصيت ولسنين طويلة وارتضوا السكوت والخنوع وطأطأة الرؤوس برغم السيادة المجروحة في سيناء، حتى جاءت ثورة 25 يناير المباركة فأطاحت بنظام المخلوع اللامبارك، الذي لطالما صدّع لنا رؤوسنا تبجح فارغ عن سيادة مصر الكاملة على سيناء، ولطالما برر التضييق والخناق وحصار غزة وتقتيل وتجويع أبنائها من خلال عرقلة سير قوافل المساعدات الإنسانية "شريان الحياة" المتجهة إلى غزة عبر سيناء "المحررة!!" ومنعها من إتمام خط سيرها المرسوم بذريعة الأمن القومي المصري ومنع انتهاك سيادة مصر، فيما سيادة مصر في حقيقة أمرها منتهكة في سيناء بشكل خطير حيث فرضت "إسرائيل" شروطها المذلة على مصر العروبة فجردتها من الثكنات والقوات العسكرية، مما تسبب بإهمال سيناء وأهلها ومنع عنها التطور العمراني والزراعي!؟، ثم لتكمل تلك الثورة المباركة بعدها بسنة ونيف باجتثاث كبار قادة الجيش المصري الذين تركوا سيادة مصر منقوصة لسنوات طوال، ليغدو الباب مفتوحاً على مصراعيه للمطالبة بتحرير تلك الرهينة الغالية ومداواة جراحات سيادة مصر!!.


كيف لنا أن ننسى قافلة شريان الحياة 3 ودعابة الأمن القومي المصري والسيادة المصرية الناجزة!!، وهي لعمري قافلة إنسانية كان قد نظمها مواطن بريطاني لا عربي، نصراني لا مسلم متبجح !!، قد قطعت آلاف الكيلومترات وهي محملة بالمساعدات الإنسانية مارة بالكثير من الدول الأوربية التي ما اعترضت سبيلها، فإذا بتلك القافلة التي انتظرها أبناء غزة بفارغ من الصبر تصطدم باشتراطات نظام حسني اللامبارك المخلوع التي وضعتها على منظميها وتتلخص بأن يتم دخول القافلة عن طريق ميناء العريش تحديداً متذرعين بدواعي ( الأمن القومي المصري )!!، ليخرج علينا أبو الغيط – وزير خارجية ذاك النظام - ليبرر بأن دخول تلك القافلة لابد أن يتم عن طريق ميناء العريش تحديداً دون "نويبع" التي كانت قد وصلتها فعلاً وذلك لدواعي الأمن القومي المصري والسيادة المصرية!؟، فهل أن الأمن القومي المصري قابل للتجزئة فيذكر إذا ما ذكر الحديث عن غزة وحصارها، ولا يذكر الأمن القومي والسيادة المصرية بالمطلق بما يخص حدود مصر مع الكيان الصهيوني وسيادة مصر المجروحة في سيناء!؟.


لقد ألقت الدوائر الصهيونية باللائمة والتقصير على القوات المصرية المسلحة والأمنية عقب أحداث رفح المأساوية، في وقت تناست أو تغاضت تلك الدوائر لحقيقة سيادة سيناء المجروحة، وكونها رهينة مكبلة باتفاقيات كامب ديفيد سيئة الصيت، والتي سكت عنها طويلاً كبار ضباط الجيش المصري، في وقت أوضح مقال خطير ورائع للسيد محمد سيف الدولة بعنوان "السيادة المجروحة لسيناء – أرقام وحقائق" حقيقة أوضاع سيناء وما تعانيه ، حيث أشار وبشكل تفصيلي إلى الملحق الأمني في اتفاقيات كامب ديفيد، وتحديداً تلك القيود التي قيدت حجم وتوزيع وقدرات القوات المصرية في سيناء الغالية، مقارنة بالقوات الصهيونية، فبين فيه بوجود خطين حدوديين دوليين بين مصر وفلسطين، وليس خطاً واحداً، الأول يمثل الحدود السياسية الدولية المعروفة وهو الخط الواصل بين مدينتي رفح وطابا، أما خط الحدود الدولي الثاني فهو الخط العسكري أو الأمني وهو الخط الواقع على بعد 58 كم شرق قناة السويس والمسمى بالخط (أ)، ولقد قسمت سيناء تحديداً من الناحية الأمنية إلى ثلاث شرائح طولية سميت من الغرب إلى الشرق بالمناطق (أ) و(ب) و(ج)، أما المنطقة (أ) فهي المنطقة المحصورة بين قناة السويس والخط (أ) المذكور عاليه بعرض 58 كم، وفيها سمح لمصر بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة تتكون من 22 ألف جندي مشاة مصري مع تسليح يقتصر على 230دبابة و126 مدفعاً ميدانياً و126 مدفعاً مضاداً للطائرات عيار 37مم و480 مركبة، ثم المنطقة (ب) وعرضها 109 كم الواقعة شرق المنطقة (أ) وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة، ثم المنطقة (ج) وعرضها 33 كم وتنحصر بين الحدود الدولية من الشرق والمنطقة (ب) من الغرب و لا يسمح فيها بأي تواجد للقوات المسلحة المصرية وتقتصر على قوات من الشرطة (البوليس)، بالإضافة إلى 750 جندي حرس حدود سمحت بهم "إسرائيل" عام 2005 لمراقبة حدود غزة، هذا ولقد حظر إنشاء أي مطارات أو موانئ عسكرية في كل سيناء، وفي مقابل هذه التدابير في الجانب المصري، فإن الاتفاقية قد قيدت "إسرائيل" فقط في المنطقة (د) التي تقع غرب الحدود الدولية وعرضها 3 كم فقط، وحدد فيها عدد القوات بـ 4000 جندي!!!.


إن أكثر ما يثير الرعب في حكومة تل أبيب قيام قيادة مصر السياسية المنتخبة ديمقراطيا وشعبيا بتصحيح مسار مصر وانتهاج سياسة قومية حقيقية، وتطهير مؤسسات مصر من بقايا رموز نظام عملت على تقزيم دور مصر القومي والإسلامي والأفريقي والدولي- ومنها ولاريب رموز عسكرية ارتضت الخنوع والسكوت على جريمة انتهاك سيادة مصر في سيناء فطال بقاؤها-، مما ستدفع بحكومة تل أبيب مضطرة إلى إجراء تغيير كبير في نظرية الأمن الصهيوني، مما يعني خسارتها المؤكدة لمكاسب كبيرة كانت قد جنتها طيلة ثلاثة عقود، تمثلت:
1- بتقليص عدد قواتها العسكرية!!.
2- إجرائها تخفيضاً لجيل الإعفاء من عمليات تجنيد الاحتياط!!.
3- تخفيضها لميزانية الأمن وتخصيص مواردها الاقتصادية بشكل أكثر إلى أهداف اقتصادية واجتماعية!!.
4- خسارتها الكبيرة لجهود نظام مصري كان له الفضل الأكبر بإجهاض محاولات لملمة الشأن الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني وتعطيل جهود المصالحة الوطنية، علاوة على دوره المشبوه والمستنكر جماهيرياً بتشديد حالة الحصار الجائر والظالم بحق غزة وأبنائها المرابطين!!.


إنه الإحساس إذن بزعزعة الأرض تحت أقدام الكيان الصهيوني، وشعورها بقرب انفلات مصر من قيود طال زمنها، وعودتها من جديد بإذن الله تعالى لتتبوأ مكانتها وريادتها في العالمين العربي والإسلامي، ولا يحلو ختام المقال إلا بالاستشهاد بذكر آيات بيـّنات من القرآن الكريم، أُسَطـِّرُها بحق كل من ارتضى لنفسه المهانة حين أجرم بحق مصر وخانها، قولاً أو فعلاً أو صمتاً، وعمل بذلك على إجهاض دورها العروبي والإسلامي، حيث قال الله تعالى في محكم آياته: "ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ"...(الأنفال:51).


سماك العبوشي
14/ 8 / 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت