منذ استيلائه على السلطة عام 1979 دأب النظام الإيراني بعد إسقاط نظام الشاه على اتخاذ يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس يخصصه لإطلاق الشعارات البراقة التي تمس عواطف الجماهير وتستقطب مواقفها لكسب تأييدها له ، وتهدف إلى تكريس نظامه الاستبدادي الجائر ، والاتجار بقضية القدس والمسجد الأقصى المبارك وفلسطين ؛ هذه القضية العادلة التي تحتاج وحدة الأمة الإسلامية واعتصامها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتزامها بالحديث النبوي { تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي } ؛ وما ذاك إلا للتغطية على دوره في تمزيق وحدة الأمة بنشر فكره المرتكز على سب الصحابة وأمهات المؤمنين وإنكار الأحاديث النبوية الصحيحة ، فالقدس قضية مركزية للأمة تجتمع عليها لأنها جزء من عقيدتها ، فهي قبلتها الأولى ومسرى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ، فتحها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 15 هـ واختصها من بين المدن التي فتحت في عهده بأن ارتحل إليها وتسلم مفاتيحها بنفسه ، ولما خضعت لاحتلال الفرنجة حررها الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، فهي تفتقر اليوم إلى أمثال هؤلاء لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي الغاصب ، وهي في غنى تام عمَّن يشتمون فاتحها ومحررها أن يطهروها من دنس محتلها وأن يكسروا قيود أسرها .
إن مشاركة النظام الإيراني في القتل المباشر للآلاف من أبناء الشعب السوري الثائر على الظلم والجبروت ، وتقديمه الدعم العلني الكامل لنظام الأسد عسكرياً وسياسياً يؤكد ساديّته وتعطشه لإراقة الدماء المسلمة ، فالنظام السوري الذي يزعم هو الآخر أن القدس وفلسطين قضيته المركزية لا يبالي بقتل الفلسطينيين بالجملة في مخيم اليرموك وغيره من المخيمات الفلسطينية ، ويطلق الشعارات الجوفاء بأنه يمثل المقاومة والممانعة لتغطية سوءاته ومظالمه بقتل الآلاف من أبناء شعبه أطفالاً ونساء وشيوخاً ، وبتدميره البيوت على أهلها وبقطع الماء والكهرباء عن الصائمين وباغتصاب النساء والرجال ، إن القدس هي رمز عزة وكرامة الأمة وشرفها ، وهؤلاء ومَنْ وراءهم خارجون عن الأمة ولا يأبهون لعزتها وكرامتها وشرفها ، فجل اهتمامهم توطيد دعائم نظامهم الدكتاتوري .
إن المتتبع لجرائم النظام الإيراني الإرهابي الذي يحكم باسم الإسلام ـ والإسلام منه براء ـ يرى أنه قد انتهك حقوق الإنسان في إيران على نطاق واسع ، فقد أزهق أرواح وسفك دماء مئات الآلاف واعتقل ما لا يعد ولا يحصى من المعارضين له من منظمة مجاهدي خلق وغيرها ، فالإسلام يحافظ على حقوق الإنسان ويحرم انتهاكها ، يضاف إلى ذلك تواطؤه مع النظام العراقي ضد اللاجئين العزل من الإيرانيين في مخيم أشرف ونقلهم إلى معسكر ليبرتي الذي لا يتوفر فيه الحد الأدنى من متطلبات الحياة الإنسانية ، فقد قام بقتل العشرات منهم وجرح المئات في عدة مجازر ارتكبت ضدهم والآن يتم التآمر عليهم للتخلص منهم في انتهاك صريح لتعاليم الإسلام ومخالفة للقوانين والمواثيق الدولية ، ليس لسبب إلا لأنهم يريدون الحرية والديموقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان وتحقيق الوحدة الإسلامية كما أرادها الله سبحانه وتعالى وليس كما يريدها نظام الملالي الظالم في طهران ، ولأنهم يسعون إلى تطبيق الإسلام بمفهومه الصافي بعيداً عن الفهم المشوه الذي يتبناه هذا النظام وأمثاله .
إن من ينتصر للقدس التي تمثل قضية المسلمين الأولى هو من يلتزم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم { لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم } ، وبقوله أيضاً { حرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة } .
فالقدس تحتاج المخلصين الشرفاء من أبناء هذه الأمة لتحريرها وليس الاتجار باسمها للتغطية على الاستبداد والجرائم الإرهابية التي تخدم أعداء القدس والمسجد الأقصى المبارك والشعب الفلسطيني بقتل نخبة أبناء هذه الأمة الذين رفضوا الظلم والعبودية ، ويتطلعون إلى زوال هذه النظم الدكتاتورية لتحقيق وحدة الأمة أولاً والحرية والعدالة والديموقراطية ثم تحرير القدس بعمل جاد بعيداً عن الشعارات والمسيرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وإنما تستهدف فقط التغطية على جرائم تلك الأنظمة الفاشية .
الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي/ قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً
رئيس مركز القدس للدراسات وحقوق الإنسان
القدس ـ فلسطين
الجمعة 29 رمضان 1433هـ
الموافق 17/8/2012م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت