استطيع ان اجزم ان بدولنا العربية ساد الفساد والوساطة، بظل غياب قاعدة اقتصادية ناتجة يكون بامكانها ان تفتح فرص عمل لملايين العمال العرب ولملايين القدرات المهنية والمتخصصة من اجل بناء مجتمع منتج، وغياب هذه الفرصة حصر العمل بالدول العربية من خلال الوظيفة الحكومية، وتقاسم باقي الوطن العاطلين عن العمل والطبقة الكمبرودارية، ساد الجوع والفقر والقهر والعبودية قطاعات واسعة من شعوب الدول العربية، ولم تتخلى اطلاقا كافة الحكومات العربية عن ابداء رايها برغبة هذه الدولة او تلك بالتحضير للوقت المناسب لتحرير فلسطين، حيث كانت فلسطين هي السوط الذي تجلد بها اصحاب الاصوات الحرة التي تنادي بالحرية والديمقراطية، وكأن الانسان رأى بفلسطين عبأ لمزيد من المعاناة الى جانب الجوع والفقر لقطاعات واسعة من الشعوب العربية.
جاءت الثورات العربية او الحراك العربي او الربيع العربي، فليسميه من يشاء ما يشاء، جاءت بعد تراكمات على مدار عقود، جاءت وهي تتحدى الخوف اولا وتتحدى الحاكم ثانيا، لتقول ماذا تعني الحياة باستمرار الجوع والفقر والبطالة والقهر والظلم والاهانات اليومية وتكميم الافواه؟ لا معنى لحياة بدون كرامة وبدون انسانية، فاشتعال انتفاضة تونس بعد ان قام بوعزيزي واشعل النار بنفسه نتيجة صفعة من شرطية تونسية مثلت بهذا التصرف البذيء حجم دور النظام واجهزته الامنية باهانة الانسان العربي، حيث هذه الحالة غير مقتصرة على تونس بمقدرا ما هي ممتدة بالمنطقة العربية ودولها من المحيط الى الخليج.
لا اريد ان اخوض بتفاصيل مجريات الامور، ولكن سانتقل الى مانتج عن هذه الحركات ببعض الدول العربية وما انتجته، ففي تونس ومصر وصلت الى الحكم قوى اخرى مختلفة جذريا عن الحكومات السابقة التي كانت تحكم بهذه الدول، احزابا وحركات كانت معروفة بعلاقاتها وتحالفاتها بالماضي مع الغرب ضد الاحزاب اليسارية والقومية والوطنية، وكانت هذه القوى المحلية على حالة تصادم متواصلة خلال العقود الماضية، والسؤال الذي يطرح نفسه بظل تفاقم الازمات الاجتماعية بدولها ووصولها الى ما وصلت اليه من فقر وجوع وقهر بظل شح الموارد الاقتصادية واعتماد الدول على المساعدات الاقتصادية الغربية والراسمالية، السؤال هو: هل هذه الحكومات الجديدة قادرة على التغلب على كافة التناقضات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الداخلية من اجل استقلال فعلي لهذه الدول ام ستبقى هذه الدول رهينة المساعدات الاقتصادية من الدول الغربية ومرتبطة معها؟ فلا اعتقد ان هذه الحكومات الجديدة قادرة بالمرحلة الحالية على معالجة كافة القضايا التي ورثتها عن الانظمة السابقة خلال فترة قصيرة، لانها بواقع الحال ليس لديها قاعدة اقتصادية منتجة كي تعتمد عليها خلال السنوات القادمة، وهذا بطبيعته يجعلنا نحن كفلسطينين ان لا نراهن على هذه الحكومات بافضل من سابقاتها اتجاه القضية الفلسطينية، لانها حكومات ستواحه ضغوطات اقتصادية غربية لانتزاع تنازلات سياسية ولان تركيبتها الطبقية وقدراتها العسكرية والاقتصادية لا تسمح لها بالوقوف امام الضغوطات الغربية والاسرائيلية.
الرهان بالمرحلة الحالية على هذه الحكومات اتجاه القضية الفلسطينية بانها ستلعب دورا ايجابيا من اجل القضية الفلسطينية لا يكون مختلفا بطبيعة الحال عن الحكومات السابقة، لانها ستهتم اولا بقضاياها الداخلية، نتيجة ضعف البنية الداخلية المرشحة لمزيد من التناقضات والتناحرات، نتيجة ما افرزته المرحلة السابقة من تعصب وتيارات متطرفة، ولكن الامور اعتقد انها ستأخذ منحى اخرا، وهو موقفها من الحركات الجماهيرية او التمردات بالدول التي تشهد تحركات باتجاه اسقاط الانظمة القائمة من اجل دعمها لان هناك دعما واضحا من الدول الغربية وبالاخص الامبريالية الامريكية لدعم هذه الحركات لاسقاط هذه الانظمة واستبدالها بانظمة جديدة، ولا يمكن ان توافق الادارة الامريكية ان تنتج اي ثورة بالدول العربية حكومة تكون معادية لها، وهنا ارى اهتمام الغرب والادارة الامريكية بسقوط هذه الانظمة وعلى راسها اقرب حلفائها كحسني مبارك التي لم توفر له اي غطاءا له وموقفها الحالي من العمل على سقوط نظام الاسد بسوريا الذي يعتبر نظام ممانعة، والموقف الرسمي التونسي واضح اتجاه الاحداث بسوريا والذي يتلاقى كاملة مع الموقف الامبريالي الغربي المعادي اصلا للعرب، فما الذي تغير بين الموقف التونسي بعهد زين العبادين والموقف التونسي اليوم؟
الفلسطينين عليهم الاستعداد للمرحلة المقبلة في حال سقوط نظام الاسد بسوريا، حيث غاب عن قيادتها الموقف من المؤامرة على الوطن العربي، فالقضية الفلسطينية هي المستهدفة اصلا من ما يجري لتصفيتها، فليس المطلوب من الفلسطينين ان يكونوا على الحياد من الموقف الغربي اتجاه ما يجري بالمنطقة العربية، الموقف الفلسطيني يجب ان يكون واضحا كالشمس، لا للتدخل الغربي ولا لامريكا، ولتكن الحركات الجماهير العربية والثورات العربية لاقتلاع القواعد الامريكية من المنطقة واقتلاع الصهيونية من الاراضي الفلسطينية، هكذا يكون الموقف الفلسطيني واضحا وتعبويا، كذلك غاب هذا الموقف عن كافة القوى العربية التي ترى بالامبريالية العالمية عدوة للشعوب العربية، فهل فات الاوان لمراجعة المواقف واتخاذ قرارات صائبة لتصب بطريق الحرية والديمقراطية بدلا من تدمير دولا ومدنا باسلحة غربية عدوة؟
جادالله صفا – البرازيل
17/08/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت