طفل العيد مهند الزبن... سأكون ما أردت أن أكون

بقلم: عيسى قراقع


في سابقة لم تحدث في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة، يولد طفل من أب يقضي سنوات المؤبد خلف قضبان سجون الاحتلال، عندما استطاع الاسير الفلسطيني عمار الزبن من تهريب حيوانات منوية من داخل السجن لتتم زراعتها للزوجة، وتنجح المحاولات المتكررة للزراعة حتى يحقق الحلم، فيرى الطفل مهند الزبن نور الحياة في احتفالية غير عادية داخل المستشفى العربي التخصصي في نابلس.

النطفة المقيدة والمسجونة في زمن الجفاف الإسرائيلي، المخنوقة من كل أسباب الحياة هناك بين الحديد والأسوار الشاهقة، وداخل الجسد الاسير المحاصر المجرد من كل حقوقه الإنسانية، تنطلق رغم الإجراءات المشددة، وتحلق من سماء الحلم الاسير إلى سماء الحياة الرحبة، كأنها رسول للحرية، وفي صرخة ولادة هزت أركان الفضاء.

مهند المولود من الروح المتمردة، والمجبول بالأمنيات والملقح بماء السماء، يكسر الأغلال، ويثور على زمن السجن القاسي، يتكون وينمو في رحم أمه، محميا بصلاة الجماعة وبظلال ليلة القدر المهيبة وهي ترسل جميع الملائكة إلى الأرض المقدسة، معلنة أن عيد الفطر سيبدأ بالطفل مهند، ابن الغد، السلام والنهر والطائر، المولود من ظلمة وقطعة من برق وقمر.

الحق في الحياة الطبيعية والإنسانية، والحق أن يكون خلف الأسوار أطفالا يتأملون ويلعبون وينتظرون ويتذكرون ولا ينسون، هي حكاية الطفل مهند الزبن الذي جاء فجأة ، يبحث عن أبيه خلف ذلك الصدى، يتحول إلى وعد مبارك للصامدين والمرابطين، حتى اسقط برنامج الوقت في لائحة الاتهام ، وفتح الشباك، لتنتصر براءته على لغة النار وأبجدية السجن وجنون المحكمة.

طفل من ورد وحس ونشيد ، يختبئ في المستحيل ليكون ما يكون، تجاوز التفتيشات الوحشية لقوات نحشون القمعية ، فتح كل أبواب السجن وقفز عن الأسوار، لم تره أبراج المراقبة وأعين الحراس، حمل في فمه مفرداته الأولى وكلمات أبيه الدافئة، وليس معه الآن سوى التحية إلى رائحة المكان، وعشرون إصبعا وسيلا من الحليب، يصب عسلا في جسد الرضيع الصغير.

مهند الزبن يتفتح كالحنون، يلقي الفرح على الليل الذي طال، حملته أمه في أحشائها كرسالة حرية، مستعجلة إلى تدفقه قبل أن يأتي الجنود، فله موعد مع عمره القادم، وله اتصال مع عمر أبيه، متسلقا روحه، معلنا اكتمال الجسد والكلام والخروج إلى الحديقة والمدرسة.

سبحان الذي اخرج الحي من الميت والميت من الحي، وأعلن أن الجلاد الإسرائيلي لم ينتصر على إرادة الأسرى، لا زال هناك خصوبة في الحديد، ورائحة نعنع في الملح، وهناك نور وإيمان، وسرير لأطفالنا القادمين، ودولة وقدس وعاصمة وعيد.

مهند الزبن ابن الجوع الطويل، القادم إلى فلسطين من وسط الغاز والقمع والخوف والحصار ، ولد الآن على قشة من السحاب، قرر أن يخرج من حائط السجن حرا ، مغتسلا بضوء أمه وبصوت أبيه في دمه، المولود من نفسه والخارج من جسده بلا نسيان .

صباح الخير يا مهند : شكرا لأنك وصلت ، ورأيت خطى أبيك في شوارع جنين المذبوحة من الوريد إلى الوريد، دماء أصدقاءه الشهداء، أرواحهم في مذبحة المخيم،قهوة الموت في أفواه الكبار، عذابات أمهات الأسرى، لتنتصر الآن على أبجدية العدم، وتلملم الحكايات عن كل حجر، وتنطلق راكضا إلى حيث تناديك البراري والغزلان.

صباح الخير يا مهند، سيأخذونك إلى الهديل وأشواق المطر، هم الأسرى الذين كتبوك وأنطقوك وأرسلوك مكتملا ليقولوا للعالم: إننا أعطينا مهند فرصة للحياة وللمشترك في الإنسان، فلا تسمحوا للقناصة أن يقتلوه أو يقصفوه عن شجرة ، لا تجعلوه يغيب عن مقاعد المدرسة والنشيد، فهو سليل النهار في أحلام المعتقلين.

من صوت مهند يقترب البعيد
عن فرح آخر في يوم عيد
عن أسرى ومبعدين وليل شديد
لابد من نطفة وحبة قمح
لا بد من علقة
على فجر حر في صوت الشهيد

بقلم عيسى قراقع
وزير شؤون الأسرى والمحررين
18-8-2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت