العبادةُ عبادتكم ، والعيدُ عيدكم...

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل

العبادة عبادتكم ربكم الواحد ، بالتوحيد و الإسلام والتعبد لله ، لا إله إلا هو سبحانه عن الشريك والولد ، فقد أطعتم ربكم سبحانه ، واتبعتم رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فعظمتم شهر رمضان ، شهر الصبر والغفران ، فصمتم نهاره وقمتم ليله ، ورحمتم الفقير والمسكين ، ووصلتم الأرحام ، وبررتم الآباء ، وأدبتم الأبناء ، وأحسنتم إلى الجيران ، ألا فرحمكم الرحمن ، ووصلكم ببره ، وأسكنكم دار كرامته ، وحَسُنَ الثوابُ ثوابُكم ، فالجزاء من جنس العمل ، فالشهر شهركم ، والعبادة عبادتكم ، والعيد عيدكم ، عيدنا نحن المسلمين لا كأعياد المشركين ، عيدنا تعبدٌ لله تعالى ، وتعظيمٌ وتقديس ، وتجملٌ وتوسعٌ في بعض اللهو المباح ، ليعلم الناسُ أن في ديننا فسحة ، وفي إسلامنا سماحة ، لا رهبانية وانقطاع عن الدنيا ، ولا كهنوت ، بل ذكرٌ وفكرٌ ، ورحمةٌ وبرٌ وصلة ، وفرحٌ وسرور ، فرحٌ بإنقضاء العبادة ، وسرورٌ بتناول المباحات ، فللصائم فرحتان ، الأولى عند فطره ، والثانية عند لقاء ربه ، وقد حُقَّ لك أيها الصائم أن تفرح ، فالفرح التمام إنما يكون بتمام النعم ، والصيام لله نعمة عظيمة ، وقد تمَّ لنا صيامُ رمضان ، فنسأل الله القبول ، ولكنّ كثيراً من الناس لا يعملون ، والله تعالى يقول في سورة يونس : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) } .
وقد روى الإمام البخاريُّ واللفظ له ومسلمٌ والنسائي وابن ماجه وأحمد قال البخاري : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ ، وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا ، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " اهـ .
يقول الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتابه [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان] : ( ..فنعمةُ الدين المتصلةُ بسعادة الدارين، لا نسبة بينها وبين جميع ما في الدنيا، مما هو مضمحل زائل عن قريب. وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود ، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم ) أهـ .
يا عباد الله ما أحسنَ ما قال أحدُ الدعاة إلى الله في الفرح يوم العيد : (.. ولكنه الفرح الشرعي الذي لا يدعو إلى أشرٍ ، ولا يجرُّ إلى خيلاءٍ وكبرٍ وبطر، فرحٌ لا إسراف فيه ولا تبذير، ، فرحٌ لا غفلة فيه، لا إضاعة للصلوات، لا نظر فيه إلى المحرمات ، فرحٌ لا إقبال فيه على العصيان ، إن المؤمن يفرح ولكن لا ينسى ذكر الله عز وجل ، والذاكر لا يغفل ولا يبطر ولا ينسى مصاباً بفاقة ، إن المؤمن الذاكر شعاره في عيده ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر) إن المؤمن يذكر قول الله بعد آيات الصيام في كتابه: { وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } البقرة 185 ) اهـ.
اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ، لا إله إلا الله ، واللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، ولله الحمد ،
عباد الله ، أيها المؤمنون : يشرعُ في هذا اليوم وقبل الصلاة صلاة العيد أداءُ زكاة الفطر إلى أصحابها ، حيث ثبت الأمر من الله ورسوله صلى اللّه عليه وسلم وعمل المسلمين ، فقد جاء قول الله تعالى في سورة الأعلى :{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى(14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} ، وقد ذكر القرطبي عن عطاء وأبي العالية أنها نزلت في صدقة الفطر. وعن ابن سيرين {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} . قال : خرج فصلى بعد ما أدى. وقال عكرمة : كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي. فقال سفيان : قال اللّه تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} . وروي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر : أن ذلك في صدقة الفطر ، وصلاة العيد. وكذلك قال أبو العالية ، وقال : إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ، ومن سقاية الماء. وروى كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قال : "أخرج زكاة الفطر" ، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} قال : "صلاة العيد" . وقال ابن عباس والضحاك : {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} في طريق المصلى {فَصَلَّى} صلاة العيد ) .اهـ .
اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ، لا إله إلا الله ، واللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، ولله الحمد ،
و الحكمة من شرعية صدقة الفطر يا عباد الله ليطهر صيامنا من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، ولا يجوز تأخيرها ، وقد روى أبو داود وابن ماجة واللفظ لأبي داود قال :
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمْرَقَنْدِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ وَكَانَ شَيْخَ صِدْقٍ وَكَانَ ابْنُ وَهْبٍ يَرْوِي عَنْهُ حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ مَحْمُودٌ الصَّدَفِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ ) اهـ .
وحكمُ صدقة الفطر أنها واجبة ، وفي صحيح البخاري قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ ) اهـ .
اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ، لا إله إلا الله ، واللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، ولله الحمد ،
عباد الله ، يا أهل التوحيد : لتعلموا عباد الله أن السنة في زكاة الفطر من رمضان مقداراً ونوعاً عن كل فرد من المسلمين أن تخرج صاعاً من الطعام أو صاعاً من الأقط ، أو صاعاً من الشعير ، أو صاعاً من التمر أو صاعاً من الزبيب ، والصاع أربعة أمداد (حفنات ) بمد الرجل المتوسط يحفن بيديه جميعاً غير باسطهما ولا قابضهما ، وهذا بلا خلاف بين أهل العلم ، وأما إخراج القيمة ؛ وكذا إخراج النقود فقد أجازه بعض العلماء ، ولكنَّ موافقة السنة أحبُّ إلينا ، وهي ما أجمع عليه أهل العلم وأولى وأحرى .
وجاء مصداق ذلك في صحيح البخاري ومسلم وباقي الستة ومسند أحمد وموطأ الإمام مالك وسنن الدارمي واللفظ لمسلم قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا دَاوُدُ يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ إِنِّى أُرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلاَ أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ) .
و أما وقت أدائها فتؤدى قبل صلاة العيد في صبيحة يومه ويجوز تقديمها بيومين أو أكثر على أقوال عند أهل العلم ، وتؤدى عمن يمون الإنسان من أهل أو خدم أو عيال ، وتصرف إلى المساكين والفقراء لإغنائهم عن السؤال في يوم العيد .
اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ، لا إله إلا الله ، واللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، ولله الحمد ،
إخوة الإسلام ، يا عباد الله : سبحان الله فهو من أحل الحلال ، وسبحان الله فهو من حرم الحرام ، يوم أمس كان الفطر حراما ، وكان الصوم فرضاً واجبا ، وأما اليوم فالصوم هو الحرام والفطر هو الفرض الواجب ، ونحن في كلا الأمرين نتعبد لله ربنا ، ونتبع سنة نبينا ونعمل بعمل المسلمين ، ونسأله جل وعلا أن يحيينا على الإسلام والسنة ، وأن يميتنا على الإسلام والسنة ، وأن يبعثنا في زمرة أهل الإسلام والسنة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الله أكبر عدد ما صام صائم وأفطر، الله أكبر عدد ما هلل مهللٌ وكبر، الله أكبر عدد ما الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله الله، أكبر الله أكبر ولله الحمد. الحمد لله الذي سهل للعباد طريق العبادة ويسر، وأفاض عليهم من خزائن جوده التي لا تحصر، وجعل لهم عيدا يعود في كل عام ويتكرر، نقاهم به من درن الذنوب وطهر. ، أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصر، وأشكره وهو المستحق لأن يحمد ويشكر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فقدر، ودبر فيسر. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحب اللواء والكوثر، نبي نصر بالرعب مسيرة شهر حتى إنه ليخافه ملك بني الأصفر، نبي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك قام على قدمه الشريف حتى تفطر. اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه ما لاح هلال وأنور، وسلم تسليما كثيرا. وبعد ، فيا إخوة الإسلام :
طوبى لك أخا الإيمان يا من عرفت ربك ووحده عبدته ، وعرفت رسولك ووحده اتبعته ، وعرفت شهرك فصمته ، عرفت حدوده فحفظته . بشراك فقد جاء في الحديث فيما روى البيهقي في السنن الكبرى وأبو يعلى الموصلي واللفظ له قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يحيى بن أيوب ، عن عبد الله بن قريط ، عن عطاء بن يسار عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ، فَعَرَفَ حُدُودَهُ ، وَحَفِظَ مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْفَظَ مِنْهُ كَفَّرَ مَا قَبْلَهُ. "
ووالله يا شهر رمضان غير مودع ودّعناك، وغير مقليّ فارقناك، كان نهارك صدقة وصياماً، وليلك قراءة وقياماً، فعليك منا تحية وسلاماً.
سلام من الرحمن كل أوان……على خير شهر قد مضى وزمان
لئن فنيت أيامك الغر بغتة……فما الحزن من قلبي عليك بفان
اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ، لا إله إلا الله ، واللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، ولله الحمد ،
أيها المسلمون يا عباد الله :إن نعمة الأمن لا تحققها قوى مادية، ولا قوى عسكرية، ولكن يحققها تحكيم شريعة الله، فالأمن مرتبط بالإيمان، قال تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا } النور:55 ، الأمن مسؤولية كل فرد منا، فتلك نعمة نتفيَّأ جميعًا ظلالها، فهي مسؤولية كل فرد، أن نكون يدًا واحدةً لتحقيق هذه النعمة واستقرارها واستمرارها بتوفيق من الله، وأن لا يسعى أي منا فيما يقوّض هذه النعمة أو يضعف شأنها.
أمة الإسلام، إياكم والاغترار بالإعلام الكافر الكاذب، الذي يحاول أصحابه من خلاله زعزعة الأمة عن دينها، زعزعتها عن عقيدتها، يحاولون من خلاله تشكيك الأمة في ثوابتها، وفي نعمة الله عليها، إعلام جائرٌ ظالم كاذب، إعلام يقلب الحقائق، إعلامٌ قائم على الزور والكذب والبهتان، إعلامٌ إجرامي، إن بلادنا وما تتمتع به من هذه النعمة التي منّ الله بها علينا، وهيأ لها الرجال الصادقين، الذين جعلهم الله سببًا لاستمرار هذه النعمة وبقائها، يجب أن نكون يدًا واحدة معهم، يجب أن نشد أزرهم، وأن نعينهم، وأن نكون يدًا واحدة معهم، نصيحة ورأيًا سديدًا، وتعاونًا على البر والتقوى، لأن اجتماع الكلمة ووحدة الصف قوة للأمة، فمتى كانت الأمة على قلب رجل واحد، يسعى كل فرد منها، فيما يحفظ على الأمة كيانها وأمنها، وفيما يغلق على الأعداء كل الطرق حتى لا يجدوا ملجأ يلجؤون إليه، لأن استقامة الأمة وانتظامها وراء قيادتها، وشدّها أزر قيادتها، تلك من النعم العظيمة التي يعيش المجتمع فيها أمنًا واطمئنانًا، قال سبحانه : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأمْرِ مِنْكُمْ } النساء:59، وقال : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ }آل عمران:103.
أمة الإسلام، دين الإسلام كامل في عقيدته، كامل في نُظُمه ومبادئه، جاء ليحقق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة، دين الوسطية فلا غلو ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط، دين حفظ للمجتمع كيانه وقوته إنِ الأمة تمسكت به، واعتصمت به، حفظ للأفراد حقوقهم إنْ هم حكّموه وتحاكموا إليه، دين العدل والوفاء، واحترام الحقوق والمواثيق والقيام بذلك.
أمة الإسلام، أعداء الإسلام بالأمس هم أعداؤه باليوم، وعداوتهم قديمة ليست وليدة اليوم، وقد حذّرنا الله من مكائد أعدائنا الساعين في التفريق بيننا، وتشتيت شملنا، حذرنا الله من مكائدهم: قال سبحانه : {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ } البقرة:217، إنهم يحاربون هذا الدين، ويحاربون قيمه وفضائله تحت مظلة مكافحة الإرهاب أحيانًا، وتحت مظلة حقوق الإنسان أحيانا، وكذبوا والله، ما قصدهم إلا الشر والبلاء، إن الإرهاب الإسلام بريء منه، والإسلام بريء من الإرهاب والظلم والجور، فمبادئه العدل في كل الأحوال، قال جل شأنه : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى } المائدة:2.
اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ، لا إله إلا الله ، واللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، ولله الحمد ،
عباد الله :
نحن إذ نودع رمضان الحبيب المرتحل ندعو بدعاء السلف ،وقد كانوا ( يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ! ثم يدعون ستة أشهر أن يتقبل منهم ).
وقال يحيى بن أبي كثير (رحمه الله) : (كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان ، وسلم لي رمضان ، وتسلمه مني متقبلاً ) .
ويا أيها الإخوة المسلمون قد ودعتم بالأمس شهر رمضان واستقبلتم اليوم العيد، فلا تودعوا بوداعكم شهرَ رمضانَ الصيام وقيام الليل وقراءة القرآن والإحسان والبر وسائر أعمال الخير. واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما أخرجه أصحاب السنن عن أبي أيوب رضي الله عنه : ((من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله)) .
فاحرصوا على صيامها واحرصوا بعدها على صيام الأيام المسنونة عن رسول الله : كصيام الأيام البيض، والاثنين والخميس، وغيرها، واجعلوا من قيامكم ليالي شهر رمضان توطئة لتعودكم على قيام الليالي في بقية الشهور. واجعلوا من قراءتكم لكتاب الله تعالى صباحًا ومساءً منطلقًا للعزم على دوام تلاوته وتدبره وفهمه والعمل به واجعلوا من اعتيادكم الإحسان والبر سببًا لاستدامة سائر أعمال الخير التي كنتم عليها حريصين. دوموا على ما تعودتم عليه في هذا الشهر الكريم ولا تعودوا إلى التقصير وإلى سابق العهد فإنه كثيرًا ما يحل بنا هذا الشهر الكريم ونحن نعزم عزمًا أكيدًا فيما بيننا وبين ربنا على أن نُصلح وعلى أن نتوب وعلى ألا نرجع إلى ما كنا عليه عاكفين من المعاصي ولكن ما إن يبعد العهد بشهر رمضان حتى تعود النفوس إلى سابق عهدها من التكاسل والتواكل بل والوقوع مرة أخرى إلى سابق المعاصي والمخالفات، فإياكم وإياها أيها الإخوة المسلمون واعزموا على توبة نصوح أكيدة لا عودة بعدها أبدًا إلى الضلال والمعاصي واتقوا الله راقبوه في سركم وعلانيتكم فإن ربكم الذي أقبلتم على طاعته في شهر رمضان هو حري أن يُتقى ويُستغفر وأن يُناب إليه، وأن يُحب وأن يقبل عليه في سار العمر لا في شهر رمضان فحسب.
ألا يا عباد الله ، يا أهل فلسطين : على الله وحده فتوكلوا ، وبه سبحانه فثقوا ، وإياه فادعوا ، واعلموا أن النصر مع الصبر ، فيا إخوة الإسلام : الصبر الصبر ، والثبات الثبات ،والطاعة الطاعة ، لله ولرسوله العروة الوثقى في هذه الأيام العصيبة ،التي نمر بها في فلسطين وفي العالم الإسلامي كله ، فلنتماسك ولنمسك بالسنة والكتاب وطاعة أولياء الأمر في طاعة الله ورسوله ،فما كان فيه أولياء الأمر طائعين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛نحثهم عليه ونؤيدهم فيه ، ونقف معهم فيه ، وما كانوا فيه مخالفين ندعوهم ، ونذكرهم ، ونبين لهم ، ونرجوهم ، وندعو الله لهم أن يقيموا فينا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نطلق فيهم لساناً ولا نغدر بهم من خلفهم ، فنحن يا عباد الله : في وقتٍ حرج ، وقتٍ عصيب ، فلنمسك ولنتماسك ولا نفعل ما تقر به أعين أعدائنا ،الذين يريدون تمزيقنا وإخراجنا من بلادنا ، وإخراجنا من بيوتنا وإلقاءنا في غياهب الصحراء يريدون ذلك ولكن الله سبحانه وتعالى رحيم رحيمٌ ورحمته قريب ٌ من المحسنين ،فعلينا أن نحسن فيما بين أنفسنا ، أن نحسن مع الله في عبادته ، وأن نحسن فيما بين أنفسنا حتى يرحمنا الله ،ويشملنا برحمته وحفظه إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

خطــبة عيد الفطر
غرة شوال 1433 هـ الموافق 19/8/2012 م
بمســجد الحـــمد – خان يونس
لفضيـلة الشــيخ ياســين الأســطل
الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة
بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت