منذ احتلال الضفة وقطاع غزة عام 1967، واجهت سلطات الاحتلال الصهيوني مقاومة شعبية وعسكرية متواصلة ومستمرة لم تهدأ اطلاقا، فكانت العمليات العسكرية التي ينفذها الفدائيون داخل الاراضي الفلسطينية من ابناء الداخل او من خلال تجاوز الحدود من الدول العربية المجاورة لفلسطين وتنفيذها لعمليات سجلت بتاريخ الثورة باسطر عريضة، العديد منها عمليات نوعية هزت الكيان الصهيوني بالعمق، كما تميزت تلك الفترة باضرابات ومظاهرات ومسيرات شعبية يقوم بها طلاب المدارس والجامعات الفلسطينية وقطاعات واسعة من جماهير الشعب الفلسطيني التي كانت تأتي ردا على ممارسات الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني، كما تمكنت الجماهير الفلسطينية بالداخل الفلسطيني من تسجيل تاريخ 30 اذار يوم الارض الفلسطيني، وتمكنت هذه الجماهير ايضا من تسجيل انتفاضاتها الكبيرة التي انطلقت بالثامن من ديسمبر عام 1987، حيث منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المنظمة كان لها دورا اساسيا بالتعبئة الحماهيرية وقيادتها.

هذا قبل مجيء السلطة الفلسطينية واوسلو، اما ما الذي تغير بعد مجيء السلطة وعودة القيادة الفلسطينية الى ارض الوطن بعد توقيع اتفاق اوسلو؟
لقد اكدت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على الالتزام بامن الكيان الصهيوني والاعتراف به على الجزء الاكبر من الاراضي الفلسطينية، من خلال توقيعها على اتفاق اوسلو ومن خلال رسائل الاعتراف المتبادلة بين الطرفين، حيث عملت السلطة الفلسطينية وقيادة المنظمة على تفريغ العملية النضالية الشعبية والمسلحة من مصطلحات العمل الوطني، فرغم عودة المقاومة المسلحة والشعبية بعد فشل مباحثات السلام بكامب ديفيد، تمكن الكيان الصهيوني من توجيه ضربات قوية للقيادة الفلسطينية وكان اغتيال قيادات ( ابو علي مصطفى، احمد ياسين، وابو عمار) دليلا ساطعا على تنكر هذا الكيان للعملية السلمية اولا، وتنكره للحقوق الفلسطينية على جزءا من الارض الفلسطينية، وان لغة العنف هي اللغة الوحيدة التي يتحدث بها هذا الكيان لفرض شروطه على الطرف الفلسطيني.

ما نشهده اليوم على الصعيد الفلسطيني هو غياب العمل الجماهيري وغياب مؤسسة منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية التي يقع على عاتقهما قيادة العمل الجماهيري، فحتى حركة حماس التي فازت بانتخابات عام 2006 بالمجلس التشريعي سقطت بنفس المستنقع الذي وقع به الاخرون، سواء المنظمة او الفصائل الفلسطينية، وهذا ما يبرر حالة الشرذمة والترهل التي تصيب الجسم الفلسطيني، فنادرا ما يصدر بيانات تدعو الى اضراب شامل ردا على مصادرة اراضي وبناء مستوطنات او تهويد القدس او ردا على اجراءات او ممارسات عنصرية صهيونية.

الملاحظ للممارسات والاجراءات الصهيونية على الاراضي الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني، يكتشف انها تمر دون اي مقاومة وان الرفض هو شكلي سواء من قبل القيادة الفلسطينية بكل فروعها او من قبل الفصائل الفلسطينية، فها هو الكيان الصهيوني يصادرالعشرات من الدونمات من الاراضي الفلسطينية، ويقطع ويحرق اشجار الزيتون، ويستمر ببناء الوحدات السكنيه لمستوطنيه، ويواصل تهويد القدس وبناء الجدار ويفرض حصاره على قطاع غزة والضفة باشكال مختلفة ومتعددة وغيرها من الممارسات اليومية التي ترتكب بحق ابناء شعبنا الفلسطيني بالضفة والقطاع والسجون، كل هذا واكثر من هذا دون اي رد فعلي ملموس على الارض الفلسطينية، بظل غياب الدعوة الى اضراب جزئي او شامل على هذه الممارسات والاجراءات الصهيونية، او الدعوة الى مسيرات لمواجهة هذه الممارسات الصهيونية كحد ادنى، وهذا ان دل انما يدل على حالة العحز التي وصلت اليها المؤسسة الرسمية الفلسطينية وكافة الفصائل.

اتفاق اوسلو وملحقاته وكافة الاتفاقيات التي وقعتها قيادة م.ت.ف مع الكيان الصهيوني، والرهان على امكانية التغيير في سياسة الكيان الصهيوني اتجاه عملية الصراع من اجل اقرار الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، حتى هذه اللجظة اثبتت كلها فشلها وعدم جدواها، لم يستفيد منها الشعب الفلسطيني وانما الحقت بالشعب الفلسطيني مزيدا من التفكك والاحباط، فبدلا ان تكون حركة الشعب الفلسطيني بالداخل ضد الاحتلال وممارساته فهي تتوجه اليوم اتجاه السلطة الفلسطينية التي تقوم بحملات اعتقال متواصلة، وعجزها عن ضمان توفير متطلبات الحد الادنى، وعجزها عن معالجة ازمة السلطة المالية، وعجزها عن امكانية بناء قاعدة اقتصادية منتجة تحت الاحتلال، فالسلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية شكلت وما زالت وتمكنت من منع كامل لكافة اشكال المقاومة والمواجهة مع الكيان الصهيوني الشعبية والعسكرية، واعتقلت المئات بل الالاف من الفلسطينين الذين دخلوا سجون السلطة على قاعد معاداة اسرائيل والصهيونية ومنهم من استشهد تحت التعذيب، فالسلطة كانت جدارا اخرا امام الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، فهذا الواقع اليوم يضع علامات استفهام حول امكانية السلطة والمنظمة وفصائل العمل الوطني من قدرتها على تحريك الجماهير الفلسطينية للتعبير عن مواقفها من استمرار مصادرة الاراضي وبناء المزيد من الوحدات السكنية وتهويد القدس وغيرها من ممارسات الكيان الصهيوني، فلا اعتقد ان الانجازات ممكن تحقيقها بدون ضمانة مشاركة الجماهير التي تعتبر اساسا باي معركة تحرير ومواجهة مع العدو.

الابتعاد عن الجماهير الفلسطينية، وعدم قدرة الفصائل والمؤسسات الجماهيرية والتمثيلية من القيام بدورها التعبوي والتنظيمي لتكون هذه الجماهير حامية للمشروع الوطني هي عملية انتحارية تقدم عليها فصائل العمل الوطني،والتي تترك بصماتها على مجمل القضية الفلسطينية، فالاقتراب من الجماهير والعمل من خلالها هو المخرج للمازق الفلسطيني على طريق المواجهة مع هذا العدو لاقراره بالحقوق الوطنية والشرعية والتاريخية للشعب الفلسطيني، فمطلوب من الفصائل الفلسطينية جرأة اكثر بعلاقتها مع الجماهير الفلسطينية، هذه الجرأة يجب ان تتمثل من خلال انخراط الكوادر بالعمل الجماهيري وبالصفوف الامامية من خلال توعية الجماهير وتنظيمها والتصدي لكافة المحاولات التي تهدف الى المساس بالاهداف الاساسية للنضال الفلسطيني، تنظيم الجماهير واحياء مؤسساته هي الكفيلة باحباط كافة المحاولات الرامية الى تقسيم الشعب الفلسطيني على طريق تصفية القضية الفلسطينية.
جادالله صفا – البرازيل
28/08/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت