قامت السلطة الوطنية الفلسطينية بحكومتها ومجلسها التشريعي ومؤسساتها على ارض فلسطين بناءا على توقيع اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) عام 1993 وتوقيع رسائل الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، فالتنازل التاريخي قد تم آنذاك، وكلمة تنازل قد قالها الرئيس ابومازن بأكثر من لقاء صحفي واصفا اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل بأنه التنازل الوحيد الذي قدمته الثورة الفلسطينية مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشريف على الأراضي المحتلة عام 1967، وحل عادل لقضية اللاجئين، وقد تم ذلك واعترض من اعترض وأيد من أيد، وكل سجل موقفه ولكن في النهاية اقر ذلك المجلس الوطني الفلسطيني، ومبادرة السلام العربية قد أقرت قبولها بالاعتراف بإسرائيل ولكن بعد قيام الدولة الفلسطينية بكامل حقوقها على أراضي الـ67.
أما اليوم فقد كرر الرئيس ابومازن تأكيد اعترافه بحق إسرائيل بالوجود أمام رجال الدين اليهود، وذلك كما ورد على بعض وسائل الإعلام، فبغض النظر عن مدى دقة الخبر، وبغض النظر عن المصطلحات التي استخدمها في تعبيره والتي في نهاية تعبر عن الاعتراف الحاصل لإسرائيل، ودون الخوض في سبب ذلك التصريح مع التنويه باننا مقبلين على خوض معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن اللافت للانتباه هو ردة فعل البعض التي اوحت وكأنهم أول مرة في حياتهم سمعوا بأننا قد اعترفنا بإسرائيل من خلال منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي وبقيادة الشهيد الرمز ياسر عرفات. ألم يقرؤوا البند الأول في وثيقة الاعتراف والذي ينص حرفيا " تعترف منظمة التحرير بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن جديد، وتقبل المنظمة قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338 " ؟ والبند الرابع الذي ورد فيه "... منظمة التحرير تؤكد أن بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود وبنود الميثاق التي تتناقض مع الالتزامات الواردة في هذا الخطاب، أصبحت الآن غير ذات موضوع ولم تعد سارية المفعول...". ؟
فهؤلاء الذين وصفوا تصريح الرئيس بالصادم الفاجع الخارق الحارق ألم يقرؤوا رسائل الاعتراف المتبادل ؟! الم يعلموا بها قبل دخولهم مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية القائمة على اتفاقية أسلو، وخصوصا من دخلها منهم ومن أوسع أبوابها؟!
نتفهم أن يسجل البعض تأكيده على رفض الاعتراف بإسرائيل وان ذلك ضروري وصحي لنضالنا، ولكنني استغرب من استغراب هؤلاء المستغربين من حقيقة الاعتراف الذي تم، فبدلا من ركوب موجة الوطنية ومهاجمة الرئيس ووضع نفسهم في خانة من صان الحقوق ولم يفرط وهم بنفس الوقت يتنعمون بإفرازات أوسلو ومكتسباتها، ويطيرون من بلد إلى آخر ويمشون على السجاد الأحمر وهم يحملون جوازات السفر الفلسطينية الدبلوماسية الحمراء المدون في أول صفحاتها بأنه صادر بناءا على اتفاقية أوسلو، أليس كان لهم من الأولى آن يقفوا إلى جانب الرئيس ويكرروا رفضهم للاعتراف ولكن بمبادرة قائمة على نصح الرئيس بسحب الاعتراف مالم تقم الدولة الفلسطينية، دون تمثيل دور الاستغراب. الم يستطيعوا ان يمارسوا دور النقد البناء بدل اللعب على وتر إطراب الجماهير بتصريحات وخطابات الممانعه والمقاومة التي أطربنا بها بشار الأسد وأبيه لعقود من الزمن ومن ثم تحول إلى مجرم يُدعى عليه في المساجد من نفس هؤلاء الذين مدحوه وصوره لنا ببطل الأبطال. ولكن للأسف لدينا جمهور واسع تطربه خطب المقاومة الهوائية الرنانه، وقصير الذاكرة، فنصيحتي للرئيس ابومازن إذا كان يفضل أن يعمل لصالح حركة فتح واستقطاب الجماهير قبل مصلحة فلسطين، ألا ينسى هذا الجمهور ويطربه بما يرغب من الكلام، كلام في الهوا، فعلى رأي المقولة المصرية ( الجمهور عاوز كده).
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت