في فلسطين هناك شيء مفقود على صعيد الخدمات الإنسانية، بما أن جمعيات المجتمع المدني لم تترك فئة إلّا قدمت لها خدمات ومساعدات ممّا يصل المجتمع الفلسطيني الذي يرزخ تحت نير الاحتلال والفساد، فالاحتلال يضيق الخناق على أبناء شعبنا عامة بما فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة، ويحاول قدر المستطاع ابتذال المجتمع الفلسطيني، والتضييق عليه سياسيًا واقتصاديًا، والفساد ينهش ما تبقى من سبل العيش بكرامة للمواطن الفلسطيني المحتاج الذي لا زال يسعى جاهدًا للعيش بكرامة – على أقل تقدير- في زمن أصبح به المتكرشون يتخندقون خلف شهواتهم ورغباتهم وتكرشهم، وأساليب الفساد التي جلبوها كثقافة مع استقدام أموال الدول المانحة، واستحلاب مصادر الثروات الفلسطينية التي يعتبر مصدرها الوحيد – جيب المواطن – أي الضرائب التي تدفع للصرف على المفسدين وأصحاب الفساد وأبنائهم، وأصحاب الواسطات والمحسوبيات ممن يمتلكوا نفوذ ما في موطن مضطهد من الجميع.
هناك من يمتلك كلّ فرص الحياة والفعل كيفما يشاء فتارة تجده في وظيفة هنا لا تعجبه سرعان ما تجده في وظيفة أكثر امتيازات بين عشية وضحاها وكلّ ما يكلفه الأمر مكالمة من موبايله الخاص أو من موبايل متكرش آخر، وهناك من يقاتل منذ سنوات لتوفير سبل الحياة دون أن يستطيع أو دون أن يجد من يقول له حقك في الحياة.
مصادفة سمعت هذه القصة لأب في بداية السبعينات من العمر؛ أي رجل ابتلاه الله فصبر على البلاء بأبناء وبنات ( أكفّاء) أربعة شبان وفتاة جميعهم أكفاء، دون أن يشكو مظلمته سوى لربه، والبحث عن وظيفة لهؤلاء الشبان والفتاة الذين يمتلكون علمًا وأخلاقًا، حيث أن جميعهم طلاب علم وخريجي جامعات، وتحدوا الظروف ولغة بريل معًا وأعتنقوا العلم سبيلًا للوصول إلى مبتغاهم بحياة كريمة، وعدم مدّ اليد، وانتظار حسنات الشؤون الاجتماعية ومنظمات وأحزاب المساعدات العينية الموسمية، فسعوا في الأرض باحثين لاهثين عن من يمد لهم يد الحياة وهذا أضعف الإيمان.
فكم نحن بحاجة ليد تعمل وتجتهد وتنتج فتأكل، لا نريد بطالة ذهنية وعقلية تشكل عبء على المجتمع، أي تأكل ولا تنتج، ولكن هل يد الفساد والواسطة والمحسوبية تريد ذلك؟
طلال محمد يوسف ربايعة من جنين يبلغ من العمر ثمانية وستون عام، لديه ستة أبناء وثلاث بنات، منهم أربعة شبان وبنت (أكفّاء) جميعهم متعلم ويحمل شهادات جامعية، ساح الوالد في الأرض بحثًا عمن يغيث هذه الأسرة التي تحاول السترة بحياة كريمة وعيش من انتاجها، حيث لم يترك بابًا إلّا طرقه، ولم يترك مسؤولًا إلّا استغاث به، ولكن شاء الفساد أن يفعل فعله كما يفعل دومًا ويضرب عرض الحائط بالإنسانية ولا يلتفت لهؤلاء.
يقول الأب( طلال) أنه تقدم بطلبات توظيف منذ سنة لديون الموظفين لأبنائه المتعلمين، وللأوقاف ثلاثة طلبات رغم أن أحد أبنائه مؤذن مسجد، والأخرى تحفظ القرآن وتُدرس وتُحفظ القرآن الكريم، إضافة لامتلاكها شهادة جامعية.
هل هناك من يغيث أسرة فلسطينية تريد العيش بسترة والاعتماد عليها... وهل يتنازل الفساد عن عرشه ويمنح أسرة فلسطينية العيش متنازلًا عن وظيفة لأحد زوجات السادة المتنفذين أو أبنائه أو على حساب من لا يستحق وظيفة.
سامي الأخرس
31/8/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت