بعد ظهر يوم الجمعة الحادي والثلاثين من شهر آب للعام ألفين واثنا عشر، تناقلت شاشات التلفزة صور نساء كفر قدوم، وهنَّ يتحدين جنود الاحتلال الإسرائيلي المدججين بالسلاح حيث تقدمن الصفوف في المسيرة الأسبوعية لمقاومة الجدار، دفاعاً عن الأرض والعرض، ليقدمن نموذجاً فذاً من نماذج المقاومة الشعبية التي يسطرها الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال وإجراءاته العدوانية المستمرة وخصوصاً في مواجهة جدار الفصل العنصري، تلك الصورة هزت المشاعر، وأيقظت الوجدان، لما حملته من مضامين التحدي والصبر والصمود، إنهن الأمهات، والأخوات، والخالات، والعمات، والجدات، إنها المرأة الفلسطينية التي وقفت دائماً في مقدمة الصفوف إلى جانب زوجها وابنها وشقيقها وحفيدها دفاعاً عن الأرض والعرض، دفاعاً عن الحق المشروع في العيش بكرامة وأمن وسلام في وطنها وطن الأباء والأجداد في أرضها، وفي بيتها في مدينتها وقريتها، هاهنّ نسوة فلسطين يتقدمن الصفوف ويطاردن جنود الاحتلال حماة الاستيطان والجدار وكل الإجراءات العنصرية والفاشية التي تمارسها سلطات الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني، جدار الفصل العنصري الذي تقيمه سلطات الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة والذي يسعى لسرقة الأرض الفلسطينية وضمها لكيانه الغاشم، والذي يهدف لسرقة وضم أربعة آلاف دنم من الأراضي الزراعية لقرية كفر قدوم الفلسطينية، ليجردها من مصادر رزقها ومن مجالها الحيوي، ويدفع بسكانها للهجرة والبحث عن مكان آخر... دون مراعاة لأي من مبادئ وحقوق الإنسان أو مبادئ وقواعد القانون الدولي وفي مقدمتها اتفاقات لاهاي واتفاقات جنيف بشأن حماية السكان وحقوقهم وممتلكاتهم زمن الحرب أو تحت الاحتلال، هذا العدو المارق والذي لا يقيم وزناً لأبسط مفاهيم الشرعية الدولية، يواجههُ الشعب الفلسطيني نساءً ورجالاً شباباً وشيوخاً بإرادتهم الصلبة وعزيمتهم التي لا تلين وإيمان راسخ على استمرار التمسك بحقهم في العيش في وطنهم، في قراهم ومدنهم في مزارعهم ومشاغلهم ومصانعهم، إنها إرادة الشعب الذي لن يقهر والذي مارس جميع أشكال النضال والتحدي عبر أكثر من ستين عاماً، صمود أسطوري يرعب الآلة العسكرية لقوات الاحتلال، سينتصر هذا الصمود آجلاً أم عاجلاً على سياسات وإجراءات الاحتلال وعلى عساكره المدججين، وسيزول الجدار، جدار سرقة الأرض، جدار الضم والعدوان، جدار الفصل العنصري، هذا الجدار الذي حكمت محكمة العدل الدولية بعدم شرعيته، وضرورة إزالته، سوف يزول بصمود شعب فلسطين وتنامي ثورته الشعبية يوماً بعد يوم، ودعم وتضامن الأشقاء والأصدقاء الذين يشهدون على جرائم هذا المحتل الغاشم، وسيزول الاحتلال بكل صوره وأشكاله.
إنهن مناضلات عظيمات نساء كفر قدوم، حين تقدمن الصفوف ظهر يوم الجمعة في مسيرة مواجهة الجدار، عظيمات وهن يصرخن في وجه جنود الاحتلال، عظيمات وهن يرشقنهم بأحذيتهن، غير مباليات بما يلحق بهن من أذى من جنود الاحتلال، عاشت نساء كفر قدوم، نموذجاً للمرأة المكافحة من أجل استرداد الحقوق وحماية الأرض ومن أجل الحرية والكرامة، نعم إنها صورة المرأة الفلسطينية المناضلة والصابرة والصامدة، لقد وجهن أبلغ رسالة إلى أمتهن العربية والإسلامية، والى المجتمع الدولي وفي مقدمته الأمم المتحدة كي تتحرك لإنقاذ الشرعية المذبوحة في فلسطين، والى الولايات المتحدة التي تقدم نفسها اليوم أنها راعية وداعمة لحرية وكرامة الشعوب في وجه الاستبداد، فأولى لها أن تدعم حرية وكرامة وحقوق الشعب الفلسطيني في وجه أخر احتلال بغيض على الأرض، الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، كي ينال الشعب الفلسطيني حقه في العودة والعيش في وطنه بكرامة وحرية واستقلال أسوة بكل الشعوب.
د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
E-mail: pcommety @ hotmail.com
الرياض 01/09/2012م الموافق 14/10/1433هـ
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت