بعد خمس سنوات على انقلاب حماس على منظمة التحرير والسلطة وحدوث الانقسام، يحق للمرء أن يتساءل لماذا حدث الانقسام وتصير انقساما جغرافيا ؟ ولماذا فشلت كل محاولات المصالحة الفلسطينية ؟ ولماذا تراجعت الجهود الجادة تجاه المصالحة الفلسطينية بعد وصول الإسلاميين للسلطة في أكثر من بلد عربي ؟ ولماذا لم تبذل جماعة الإخوان المسلمين ودول مثل إيران وتركيا جهودا جادة لرأب الصدع الفلسطيني؟،وإن كانت نخب وأطراف فلسطينية مستفيدة من الانقسام وتُعيق كل محاولة للمصالحة ،فهل هذه النخب والأطراف تشكل وحدها العائق أمام المصالحة أم هي مجرد أدوات صغيرة في لعبة أكبر ؟. الجواب في ظني أن المصالحة فشلت لأن الانقسام الفلسطيني جزء من مخطط إعادة ترتيب وضع المنطقة أي إنه مرحلة مبكرة وانجاز متقدم من (الربيع العربي)،ولأنه كذلك فإن الدول والجماعات الفاعلة في المعادلة الشرق أوسطية الجديدة معنية باستمرار الانقسام.
إن كان ما يسمى الربيع العربي الذي تُعرف بدايته - يناير 2011 – ولا تُعرف له نهاية ، استحضر تاريخ العلاقة بين جماعات الإسلام السياسي المعتدل - وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين- والغرب، وربط صعود الإسلاميين بإستراتيجية واشنطن للشرق الأوسط الكبير لاستيعاب الإسلام المعتدل وإعادة رسم خريطة المنطقة بما يضمن الهيمنة الإستراتيجية الأمريكية،فإن البداية الحقيقية لتنفيذ هذا المشروع لم تبدأ في تونس ومصر بل في فلسطين عام 2004 ولكن ضمن تطبيق يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الفلسطينية من حيث عدم وجود دولة ونظام سياسي سيادي فلسطيني والواقع الجغرافي المجزأ لمناطق السلطة.
كانت واشنطن تدرك تماما بأنه لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية إن أرادت إنجاح مخططها لمواجهة التطرف الإسلامي وإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة،وهنا التقت السياسة الأمريكية لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة مع السياسة الإسرائيلية التي تريد الانقلاب على التسوية ومشروع حل الدولتين والتخلص من ياسر عرفات . لأنه لا يوجد في فلسطين دولة ونظام سياسي مستقل كبقية الدول العربية ،ولأن أسلوب تحريض الشعب على السلطة للخروج إلى الشارع والمطالبة بإسقاط النظام كما جرى في الدول العربية مرفوض إسرائيليا حيث تخشى إسرائيل أي حراك شعبي فلسطيني كما أن الشعب الفلسطيني يرفض الدخول في مواجهة مع السلطة في ظل وجود الاحتلال،ولأن في فلسطين ازدواجية سلطة وانقسام سياسي وإيديولوجي طرفاه السلطة ومنظمة التحرير من جانب وحركة حماس من جانب آخر ،فقد قررت إسرائيل وبدعم واشنطن أن الأسلوب الأنجع لتحقيق مصلحتهم المشتركة بـ (إسقاط النظام ) في فلسطين يتمثل في تطبيق خطة موجودة مسبقا تقضي بالانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة مما يؤدي لفصل غزة عن الضفة،وإفشال إمكانية قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة بقيادة منظمة التحرير ورئيسها أبو عمار ،وخلق فتنة فلسطينية داخلية – فوضى خلاقة كما تريد واشنطن- .
لم تكن إسرائيل تريد إنهاء سلطة أبو عمار لأنه إرهابي أو يدعم المقاومة بل لأنه يريد تطبيق اتفاقية السلام بحذافيرها بما يسمح بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل أراضي الضفة وغزة،ومن هنا عملت إسرائيل بتشجيع من واشنطن التي اعتبرت أن أبو عمار عقبة في طريق
السلام ومن أنظمة عربية تخلت عن أبو عمار وهو محاصر في المقاطعة ، عملوا على تغيير الواقع القائم في مناطق السلطة من خلال خلق أوضاع في قطاع غزة مختلفة عما هي في الضفة وتهيئ قيادات فلسطينية للقيام بادوار وظيفية منفصلة في غزة والضفة.كان التوجه الإسرائيلي والأمريكي بإسناد أمر قطاع غزة للرجل القوي في غزة آنذاك محمد دحلان .من يتابع مجريات الأحداث في قطاع غزة تحديدا خلال المرحلة المسماة بالانفلات الأمني الممتدة من 2004 إلى حين انقلاب حماس سيلاحظ ،انتشار حالة الفوضى الأمنية وانتشار السلاح وتشكيل جماعات وميليشيات مسلحة خارج الأجهزة الأمنية الرسمية للسلطة وحتى للأحزاب،وكانت الأصابع تشير إلى محمد دحلان كمسئول عن ذلك، كان لدحلان من الأتباع والمؤيدين في القطاع أكثر من أي مسئول آخر حتى أطلق البعض على قطاع غزة أسم (دحلانستان).في تلك المرحلة طفا على السطح خلاف حاد بين الرئيس أبو عمار ودحلان ووقف إلى جانب دحلان في هذا الخلاف قادة الأمن الوقائي وقادة بعض الأجهزة الأخرى وسياسيون ناقمون على أبو عمار ،وشهدت هذه المرحلة ظهور التحالف الثنائي بين أبو مازن ومحمد دحلان في مواجهة الرئيس أبو عمار – العباسية في مواجهة العرفاتية – أيضا أسند لدحلان وليس لغيره رئاسة اللجنة المكلفة بالإشراف على عملية الانسحاب من القطاع.
لأن العقيدة السياسية التي تحكم واشنطن وإسرائيل والغرب عموما تقوم على مبدأ (لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة) ،وحيث أن مصالحهم وكما نصحتهم مراكز التفكير الاستراتيجي تكمن في التحالف مع الإسلام المعتدل وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين ،فلم يكن لديهم مانع من التخلي عن حلفاء قدامي إن كان في ذلك خدمة لإستراتيجيتهم الجديدة.بداية تم التخلي عن أبو عمار لصالح محمد دحلان وأبو مازن في إطار دور وظيفي في معادلة سياسية لتنفيذ خطة الانسحاب أحادي الجانب من غزة وتصفية المشروع الوطني وحل الدولتين،وأخيرا ومع تبني مشروع الشرق الأوسط الكبير عام 2004 والتوجه نحو التحالف مع الإسلام السياسي تم التخلي عن محمد دحلان (مؤقتا) لصالح حركة حماس التي أدركت مبكرا ومن خلال حلفائها وخصوصا قطر أن إسرائيل لن تنسحب من الضفة الغربية وأن قطاع غزة أقصى ما ستعطيه إسرائيل للفلسطينيين.واليوم نلاحظ الحملة التي تشنها إسرائيل ضد الرئيس أبو مازن ليس لأن أبو مازن لا يريد السلام أو أن مواقفه وطنية متطرفة بل لأن دوره الوظيفي انتهى ولأن هناك معادلة جديدة تحتاج لشخصيات جديدة بسقف سياسي أقل من السقف السياسي لأبي مازن والسلطة مع أن مواقف وسياسات أبو مازن تواجه بانتقادات كبيرة في الساحة الفلسطينية لكونه ذهب بعيدا في المفاوضات وفي مراهنته على عملية التسوية.
نلاحظ أن نفس الدور الذي تقوم به اليوم قطر وواشنطن فيما يسمى الربيع العربي قامتا به في فلسطين منذ عام 2004.وهكذا التقى المخطط الإسرائيلي مع المخطط الأمريكي من خلال وعد حركة حماس بسلطة في قطاع غزة مقابل التزامها بشروط أهمها أن توقف عملياتها الاستشهادية داخل الخط الأخضر وداخل الضفة والقدس وأن يقتصر نشاطها العسكري على قطاع غزة ،وكان عراب هذا التفاهم وزير خارجية قطر الحالي،الدولة التي استضافت عندها قيادة حركة حماس و سخرت فضائيتها ومالها وعلاقاتها لنجاح هذا المشروع.وعلينا أن نلاحظ أن قرار حماس بدخول الانتخابات البلدية عام 2005 بعد سنوات من الممانعة بل اعتبار الانتخابات خيانة وطنية ومحرمة شرعا،جاء تزامنا مع بداية مشاركة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية
رسميا بتفاهمات بين واشنطن وأنظمة الحكم العربية ،ففي نفس العام شارك الإخوان في الانتخابات التشريعية لأول مرة في كل من مصر والأردن وبعدها بعام في المغرب ثم العراق! .
وهكذا حرضت واشنطن وإسرائيل و جماعة الإخوان المسلمين حركة حماس على السلطة ودفعوها للانقلاب عليها بعد أن شجعوها على الدخول في لعبة السلطة من بوابة المشاركة في الانتخابات .إن من يتابع مجريات الأحداث منذ 2004 سيلاحظ كيف أن شارون طرح خطته للانسحاب من قطاع غزة في 2 فبراير 2004 ونشرت رسميا آنذاك في صحيفة هأرتس الإسرائيلية ،وانسحبت إسرائيل بالفعل في سبتمبر 2005 ،ومباشرة قررت حركة حماس وقف عملياتها العسكرية داخل الخط الأخضر ثم أوقفتها في الضفة والقدس،وفي نفس العام قررت المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت في ديسمبر ،ثم في الانتخابات التشريعية في يناير 2006 ،وتلا ذلك الانقلاب في يوليو 2007 في ظل صمت إسرائيل المطبق وسكوتها على الهجوم الحمساوي لأيام على مواقع السلطة حيث كان مقاتلو حماس يطاردون رجال السلطة حتى الحدود مع إسرائيل دون أن تفعل هذه الأخيرة شيئا. وهكذا تم تمكين حماس من السلطة في غزة بتعاون أو تواطؤ بعض رجالات السلطة الفلسطينية. ولا نستبعد أن يكون دحلان وبعض قيادات السلطة العسكريين والسياسيين لعبوا دورا غير مباشر في تمكين حماس من حكم عزة ،مقابل وعد واشنطن وإسرائيل لدحلان بدور قادم في غزة بعد انتهاء الدور الوظيفي لحركة حماس ،ومن هنا نفهم سبب العداء الشرس بين حماس ودحلان والمساعي التي لا تكل لدحلان للعودة لغزة.
انطلاقا مما سبق فإن الانقلاب العسكري الذي قامت به حركة حماس منتصف يوليو 2007 لم يكن تصحيحا لمسار السلطة أو حسما عسكريا ضد متمردين على شرعية صناديق الانتخابات وليس استنهاضا أو إنقاذا للمشروع الوطني ،لو كان الأمر كذلك لباركنا خطوتها لأن أوضاع السلطة كانت تحتاج لتغيير حقيقي، إلا أن ما قامت به حركة حماس كان انقلابا على المشروع الوطني برمته وتدشينا لمشروع إسلام سياسي يبدأ من قطاع غزة،وليس عبثا أن يقف القيادي في حماس عبد الفتاح دخان في ذكرى انطلاق حماس في السنة الموالية للانقلاب ويطلب من جميع الوقوف في المهرجان وكان على رأسهم كل قيادات حركة حماس ليقسموا قسم الولاء للإخوان المسلمين ،وليس عبثا أيضا أن يرفض قادة من حماس الوقوف للنشيد الوطني الفلسطيني أو حتى تحية العلم الفلسطيني،وليس عبثا أو مصادفة أن يعلن السيد إسماعيل هنية أن انتصار مرسي في الانتخابات المصرية انتصار لفلسطين وتنطلق احتفالات ومظاهر فرح عارم في غزة ،فيما القدس تُهود والاستيطان يلتهم غالبية الضفة والمقاومة متوقفة والانقسام يتعاظم يوما بعد يوم .
لم يكن الحشد والتأييد المالي والإعلامي لحكومة حماس في قطاع غزة ولرفع الحصار عن القطاع ،الذي قامت به جماعات الإسلام السياسي عبر العالم مدعومة بفضائيات لدول عربية حليفة لواشنطن وخصوصا فضائية الجزيرة ،ببعيد عن هذا المخطط،فقد كلن دعما وتأييدا لنقطة انطلاق مشروع إسلامي مدعوم أمريكيا يبدأ من غزة حتى وإن كان على حساب المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية ،كان شعار لبيك غزة ورفع الحصار عن قطاع غزة وتضخيم حالة الفقر والجوع في القطاع الخ ،كلها آليات وأدوات لإنجاح مشروع إسلام سياسي وليس إنقاذ
مشروع وطني أو دعم منطقة محررة للانطلاق منها لتحرير فلسطين كما روجت حماس ومناصروها ،وكما حاول بعض المشبوهين كمحمد رشيد الدفاع عن دولة غزة بالقول بأنه يتوافق مع قرار المجلس الوطني لعام 1974 الذي دعا (لقيام سلطة وطنية مقاتلة على أي قطعة أرض يتم تحريرها أو تعطى لنا ).
كان أمرا غريبا بالنسبة للبعض أن يتوجه كل اهتمام الإسلام السياسي لقطاع غزة ويتجاهل المعركة الرئيسة في الضفة والقدس وكأن غزة في نظرهم أهم من القدس وفلسطين،فلم يفكر الإسلام السياسي وحلفاؤه كقطر وغيرها ،بما لهم من قوة ونفوذ عبر العالم في عمل شيء من أجل مواجهة المخططات الاستيطانية في الضفة والقدس وتركوا أهلنا هناك يواجهون الاحتلال لوحدهم،ولو قدم الإسلام السياسي ومن معه ربع الأموال التي تدفقت على غزة لأهلنا في الضفة والقدس على وجه التحديد ما ضاعت القدس وما تغولت إسرائيل على أهلنا هناك. حتى تركيا لم تكن بعيدة عن المؤامرة حيث تجاهلت المعركة الحقيقية في فلسطين والقدس وافتعلت معركة رفع الحصار عن غزة وهي معركة خدمت تركيا وإسرائيل معا ولم تخدم الفلسطينيين وإن خدمت النخبة النافذة في غزة. إيران أيضا تتقاطع مع هذا المشروع في صالح توظيف القضية الفلسطينية لصالح مشروعها القومي الفارسي الشيعي،وقد انخدع فلسطينيون كثيرون بإيران وشعاراتها،ولكن يبدو أن إغراء المال كان أكثر تأثيرا من توافق الرؤى والأيديولوجيات.،وقد بانت حقيقة الموقف الإيراني في الدعوة المشبوهة التي وجهتها إطراف إيرانية لإسماعيل هنية رئيس وزراء الحكومة المقالة لحضور قمة طهران نهاية الشهر الجاري – أغسطس 2012- فهذه الدعوة ،حتى وإن كانت من مستويات دنيا ، اعتراف بوجود كيانيين سياسيين فلسطينيين وبالتالي بدولة غزة ،وكانت بالون اختبار لو نجح لتوالى توجيه الدعوات لحاكم غزة وبالتالي توالت الاعترافات بكيان غزة .
لا شك أن غزة بوطنية أهلها وروح المقاومة عندهم والعمليات التي كانت تنطلق منها كانت تشكل حالة إزعاج لإسرائيل ،إلا أن انسحاب شارون لم يكن فقط بسبب المقاومة في غزة ولكن لأهداف إستراتيجية أبعد،ولو كان الانسحاب بسبب المقاومة لاستمرت المقاومة من غزة بل وانتقلت إلى الضفة لتحريرها كما تم (تحرير غزة )،إلا أن الذي جرى أن المقاومة المسلحة بدأت تسير في منحى تراجعي وبات انشغال حماس بتعزيز إمارتها في القطاع أهم من انشغالها بتصعيد المقاومة ونقلها لبقية فلسطين. السُذج فقط يعتقدون أن سبب توقف العمل العسكري لحركة حماس في الضفة وداخل الخط الأخضر بعد سيطرتها على القطاع يعود للتنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل ،فمن يطلب الشهادة لا يمنعه تنسيق أمني أو غيره ،والتنسيق الأمني كان موجودا قبل هذا التاريخ بل كان الجيش الإسرائيلي متواجدا في قطاع غزة، ومع ذلك كانت تحدث عمليات عسكرية داخل الخط الأخضر والضفة والقدس.لا يعني ذلك تبرئة السلطة والتنسيق الأمني من مسؤولية وقف المقاومة أو حصارها ، بل المقصود عدم تحميلهم كل المسؤولية عن وقف حماس وبقية الفصائل لعملياتها العسكرية،وعلى كل حال لو كانت حماس جادة بالاستمرار بنهج المقاومة فلا يوجد تنسيق أمني في قطاع غزة يمنعها من القيام بعمليات عسكرية انطلاقا من القطاع ،والتهدئة القائمة في القطاع تؤكد ما قلناه من مخطط مرسوم منذ 2004.لم تكن خطة شارون خروجا من غزة فقط بل إخراجا لغزة من مربع المقاومة ومن ساحة المواجهة مع إسرائيل وبالتالي من المشروع الوطني التحرري.
منذ الانقسام 2007 ومحاولات حثيثة تجري لاستكمال عناصر ومقومات دولة غزة ، ويبدو أن منظمة التحرير والسلطة والرئيس لم يعد لهم حول ولا قوة فيما يجري في غزة، والبعض في السلطة والمنظمة لا يمانع هذا المصير لغزة،وقد سمعنا بعض الأصوات المشبوهة في السلطة تُحمل قطاع غزة مسؤولية الأزمة المالية للسلطة مما يولد حالة كراهية بين أهلنا في الضفة وأهلنا في غزة،وآخرون تحدثوا عن نوع من الكونفدرالية بين كيان غزة وكيان الضفة . للأسف فإن من يلهثون وراء دولة غزة أو يسكتون عن قيامها ينسون الثمن الباهظ الذي تدفعه القضية الفلسطينية وخصوصا الضفة والقدس ،والذين يلهثون وراء دولة أو إمارة غزة يعتقدون انه بمجرد فتح معبر رفح البري للبشر والبضائع أو إقامة منطقة حرة بين مصر والقطاع ،سينتهي الحصار على غزة وتقوم الدولة العتيدة ! وهؤلاء يجهلون وقد يتجاهلون أن لا دولة دون سيادة والسيادة لا تُجزأ ،وبالتالي لن تُكتمل الدولة والسيادة حتى على مستوى دولة غزة إلا من خلال السيادة على فضاء غزة وبحر غزة وهو أمر بيد إسرائيل وليس مصر مهما كان حاكمها،وإسرائيل في ظل أوضاعنا الراهنة لن تسمح بسيادة جوية وبحرية لغزة إلا بثمن باهظ ستأخذه في الضفة والقدس.
من الآن ولحين الإعلان رسميا عن دولة غزة ثم الاعتراف بها، سيدفع أهل غزة ثمنا باهظا من أمنهم واستقرارهم ،لأن من يمنح يمنع وللأدوار الوظيفية غير المستندة على حرية وإرادة الشعب نهاية .هناك ثمن ستدفعه القضية الفلسطينية بشكل عام و أهل غزة بالخصوص حتى يتم رفع الحصار نهائيا .ولأن للدور الوظيفي لحماس في غزة نهاية، وما دام الآخرون -حركة فتح وفصائل منظمة التحرير وبقية القوى السياسية – لن تمكنهم إسرائيل من دولة في الضفة فقد يتجه التفكير لدفعهم لمشاركة حماس في حكم قطاع غزة أو يحلوا محلها وخصوصا وقد مرت ست سنوات على حكم حمساوي متفرد ؟ .ومنطقيا نتساءل إلى متى ستستمر حماس تحكم غزة لوحدها ؟.لم يعد خطاب المقاومة بدون مقاومة ،ولا الحديث عن شرعية صناديق الانتخابات التي تجاوزها الزمن ،ولا التعديلات الحكومية الشكلية ،تقنع أحدا بشرعية ما يجري في قطاع غزة ،كما أنها لا تغير من الحقيقة شيئا ،حقيقة أن غزة محكومة بسلطة شمولية لحزب واحد.
الصغير والكبير في فلسطين وخارجها بات يشعر اليوم بأن دولة غزة قادمة في صيغتها وحدودها الحالية أو في صياغات وحدود أخرى،وقد كتبنا وتحدثنا عبر وسائل الإعلام كثيرا محذرين من هذا المصير للقضية الفلسطينية،لذا نقول لأولئك الذين يطالبون بالاعتراف بدولة غزة كأمر واقع أو يبرروا ويُجَمِلوا حالة الانقسام أن يتوقفوا عن التذاكي وعن الفذلكات السياسية والبحث عن موقع ودور فشلوا في الحصول عليه قبل الانقسام .هناك فرق بين أولئك المتحذلقين والمنافقين الذين يعتبرون صيرورة غزة دولة انتصارا ويعملون على تكريس هذه الحالة و تجميلها وتبرير سلوكيات من أشتغل عليها من جهة ،وأن نعتبر دولة أو كيان غزة أمرا واقعا جاء نتيجة مؤامرة وممارسات خاطئة وعلينا العمل لتجاوزه ،من جهة أخرى.إن كان محمد رشيد يدافع عن دولة غزة ليبعد الأنظار عن ملفات الفساد التي يُتابع بشأنها ويحاول كسب تأييد حماس في مواجهة الرئيس أبو مازن وحركة فتح التي نبذته،فإن آخرين يدافعون عن دولة غزة ويبررون الأمر الواقع يقومون بذلك ممالأة لحركة حماس وحكومتها بحثا عن موقع في التركيبة السياسية الجديدة،وللأسف كثير من كبار تجار السياسة وتجار الأنفاق وتجار الأراضي ،
وبعض العائلات الكبيرة ،يؤيدون دولة غزة أو يسكتون عن قيامها المُدَمِر للمشروع الوطني حفاظا على مصالحهم .
3-9-2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت