مواقف ليبرمان بطبعة شارونية مكررة

بقلم: ماجد الشيخ

تصدّر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، واجهة مشهد الهجوم على رئيس السلطة الفلسطينية والفلسطينيين في شكل عام، في صورة تذكر بمشهد الهجوم على الرئيس ياسر عرفات من قبل رئيس الوزراء في حينه آرييل شارون، وفي صورة تعبر اليوم وتلخص موقف الائتلاف الحكومي الإسرائيلي من الوضع الوطني الفلسطيني المتهالك والمهمل إقليميا ودوليا، وحتى داخليا؛ فهو وقد فقد العديد من مناعاته، يبدو في أسوأ حالاته، وبالتالي هو أعجز من أن يرد صاع ليبرمان، ومحاولة نتانياهو النأي بالنفس عن هجمات شريكه الائتلافي في اليمين المتطرف.
فعلى مدى يومين، أظهر ليبرمان في رسالته إلى الرباعية الدولية، وفي تصريحاته للإذاعة الإسرائيلية خلال شهر آب/أغسطس الماضي؛ مواقف غير مسبوقة من السلطة الفلسطينية، متجاوزا ذلك إلى الطلب من الرباعية الدولية المساهمة في تغيير قيادة السلطة، في اتجاه تستجيب فيه لما تطلبه الحكومة الإسرائيلية منها على طاولة المفاوضات وخارجها، ويأخذ على الرئيس الفلسطيني أنه "يبدو غير مهتم أو غير قادر على التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يضع حدا للنزاع". وكأن حكومة الشراكة الائتلافية قامت وتقوم بواجبات الاستحقاق التفاوضي، ولم يبق أمام الفلسطينيين سوى الاستجابة لما تتطلبه تلك العملية السياسية، مع أن ليبرمان وحكومته يعرفون جيدا من الذي يسعى إلى الغدر بالمفاوضات وخلق التعلات والمماطلات، في ذات الوقت الذي يجري فيه تغيير معادلات التفاوض على الأرض في القدس وفي الضفة الغربية، بحيث لم يتبق للدولة العتيدة – الفلسطينية – سوى الإسم فقط؛ إسم على غير مسمى؛ حتى باتت المناطق الفلسطينية الطابع مناطق مختلطة، جراء الاستيلاء على المزيد من أراضيها، في وقت تحرص الحكومة من جهة، والمستوطنون من جهة أخرى، لزيادة أعداد سكانها من المستوطنين في المستوطنات "القانونية" وتلك "غير القانونية" القابلة لقوننتها مع الوقت المنظور، لتحويلها إلى مناطق هيمنة استيطانية؛ ينافح الإسرائيليون عنها كونها من ممتلكات إسرائيل الاستيطانية منذ عهد الاحتلال الأول أو الثاني – لا فرق – ففي عرف اليمين واليمين المتطرف الحاكم اليوم في إسرائيل، لا فرق بين استيطان وآخر، أو بين احتلال وآخر.
وما يستدل من تصريحات ليبرمان اللاحقة، أن ما استهدفه ليس مجرد تسجيل موقف من السلطة الفلسطينية ورئيسها، بل هي حلقة في سلسلة مواقف يلخصها ليبرمان، وتعبر عن ضيق في موقف الائتلاف الحكومي مما يفترض أنه الشريك التفاوضي، ففي اليوم التالي واصل ليبرمان هجومه على الرئيس الفلسطيني، معتبرا إياه أنه يمارس "إرهاباً سياسياً" ضد إسرائيل، وخطره أكبر من الإرهاب المسلّح الذي تقوم به حماس والمنظمات الأخرى.
وفي اتجاه يعبر عن مواقف كثيرين في الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، في ظل الجمود الراهن في العملية التفاوضية وتعثرها منذ عامين، بل طوال الفترة التي أعقبت توقيع اتفاقات أوسلو، كتب ليبرمان: "حان الوقت لإيجاد حل مبتكر والتفكير بشكل غير تقليدي لتقوية القيادة الفلسطينية"، مشيرا إلى أنه "ينبغي تنظيم انتخابات عامة في مناطق السلطة، ونتأمل انتخاب قيادة فلسطينية جديدة وشرعية وواقعية".
وفي الرسالة التي هدفت إلى إظهار "حسن نية إسرائيل مع هدف إعادة جيراننا إلى طاولة المفاوضات المباشرة"، زعم ليبرمان أن إسرائيل قامت "بعدة بوادر مهمة" إزاء السلطة الفلسطينية في الأشهر الأخيرة. منها "تحسين نظام الضرائب التابع للسلطة وزيادة الإيرادات وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني". ومن البوادر التي ذكرها ليبرمان أيضا تحويل الأموال من أجل دفع رواتب الموظفين، واتفاق تشغيل مزيد من عمال البناء الفلسطينيين في إسرائيل، والتقليل من عدد الحواجز العسكرية وتطوير البنية التحتية في المناطق "ج" في الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة إسرائيل. وفي هذا الصدد تناسى أو تجاهل ليبرمان أن ما يسميه "الاقتصاد الفلسطيني" ليس سوى بنية تابعة للاحتلال وليست مستقلة عنه. وما البوادر التي يتحدث عنها ليست سوى لزوم ما يلزم لاستمرار تحمل السلطة الفلسطينية المزيد من أعباء الاحتلال، الذي يبدو احتلالا مرفها مقارنة بعديد الاحتلالات التي رأيناها عبر العالم.
بالطبع ليس لليبرمان أن يكون غيورا على مصالح وتطلعات الفلسطينيين، وإن بدا للحظات كذلك، فهو ينطلق من المصالح والتطلعات الإسرائيلية أولا، حتى وهي تحتم وجود قيادة فلسطينية قوية، تعمل من أجل تسهيل مهمة التفاوض الثنائي أولا، لتقديم صكوك براءة من الوضع الفلسطيني العام المأزوم، والعامل على استمرار الجمود والمراوحة والتواطؤ مع فوضى العنف، ومواصلة العمل العسكري غير المنظم وغير الملتزم استراتيجيات وتكتيكات الكفاح الوطني، لحركة تحرر وطني شاخت وتقاعدت قبل أوان إنجازها مهامها التحررية، أو قبل أن تقطف ثمار كفاحات شعبها وثورته طوال ما يقرب من خمسين سنة، تراجعت خلالها الحركة الوطنية الفلسطينية سنوات طويلة إلى الوراء، ليس بفعل ما أحاط ويحيط بها من عوامل عجز أو تآمر أو تواطؤ خارجية إقليمية أو دولية، بل ومن واقع تراجعاتها الذاتية، على وقع فقدان المناعات والحصانات القيادية واتجاهات وتوجهات "الأسلمة الدينية" لقسم من أقسام الحركة الوطنية التي تحولت إلى "ظهير سلطوي" ليس إلا، لسلطة تحاول إسرائيل ذاتها إفقادها مبررات وجودها العملي، من قبيل ما يجري على الأرض من استيطان ومصادرة للأراضي وتهويد للمناطق، ومن قبيل ما يدعو إليه ليبرمان، بطبعة شارونية مكررة، تضمر نوعا من توجهات تصفوية للقيادة الفلسطينية الحالية.
أخيرا ومهما قيل من أن مواقف ليبرمان لا تلزم نتانياهو، أو العكس، ففي الأخير؛ فإن ما يجري على الأرض ملزم للطرفين بالضرورة، فالاثنان محكومان لشراكة ائتلافية واضحة في أهدافها ومراميها إفشال قيام دولة فلسطينية مستقلة، وإجهاض وضع قيادي فلسطيني خارج عن الطوق؛ طوق الحصار والإخضاع والهيمنة والتعايش مع الاحتلال، بكل ما يتطلبه من خروج من الذات وعنها، في اتجاهات تتأقلم مع واقع يسجل للعديد من مشاهد الغرائب الاحتلالية والعجائب القيادية الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت