هل ستعيش إسرائيل على الحراب إلى الأبد

بقلم: غازي السعدي

مقال تحليلي

التقييم السنوي الذي رُفع إلى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي وإلى القيادات العسكرية والسياسية المختلفة، وهو تقييم يتم إعداده سنوياً من قبل رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، برئاسة الجنرال أفيف كوخافي، يأتي نتيجة لعملية بحث وجهود ومتابعة طويلة، وشارك فيه قسم البحوث في الجيش الإسرائيلي، باستخدامهم كافة التقنيات الحديثة التي تم تطويرها خلال العام الماضي في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ليستفيد منه قادة الجيش والدولة، لمعرفة التهديدات الرئيسية والفرص الناشئة في هذه المنطقة، وتحليل المتغيرات للوضع الإقليمي، وبهدف صنع القرار الصحيح والسليم والمناسب للخطط التشغيلية للجيش، وللحفاظ على البنية التحتية والعسكرية.
الجنرال "أفيف كوخافي"، والطاقم المشارك في إعداد التقييم توصلوا إلى استنتاج أن إسرائيل ستعيش في منطقة غير مستقرة على الإطلاق، وسط حكومات إسلامية، وأن المتغيرات في الشرق الأوسط-حسب التقييم- ستقود إلى حرب واسعة، وبدلاً من أن يحمّل التقرير مسؤولية عدم الاستقرار للاحتلال، والتهرب الإسرائيلي من صناعة السلام، فإنه يُحمّل عدم الاستقرار لسيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم في الكثير من الدول المحيطة بإسرائيل، لكنه تجاهل أن السلام المفقود هو الذي يؤدي إلى سلسلة متواصلة من الأزمات التي ستقود إلى إشعال الحرب، بينما يحمل "كوخافي" مسؤولية عدم استقرار المنطقة إلى النظم الإسلامية، وهذه مغالطة مقصودة لتبرير سياسة إسرائيل الاحتلالية – التوسعية.
"كوخافي" بحكم منصبه لا يستطيع أن يقول غير ذلك، أو أن يقول ما يتعارض مع الخط السياسي-الأمني لحكومته اليمينية، هذه الحكومة الرافضة للسلام، وتتنكر للحقوق الفلسطينية والشعب الفلسطيني، واختارت الاستيطان والتوسع على حساب السلام والأمن والاستقرار، وفضلت بناء الأسيجة والجدران مع مصر، ومع قطاع غزة، وداخل فلسطين، ومع كل من الأردن ولبنان، فهي اختارت العيش في الغيتوات كما كان الحال في ألمانية النازية، فقد أخطأ "كوخافي" مع سبق الإصرار والترصد في تحميل الإسلاميين مسؤولية السيطرة على مقاليد الحكم في دول عربية، والسؤال: أين كانت حكومته قبل وصول الإسلاميين إلى مقاليد الحكم عن طريق صناديق الاقتراع؟ ولماذا تجاهلت حكومته الاتفاقات والقرارات الشرعية الدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية؟
لقد كان أمام إسرائيل فرص كثيرة للخروج من مآزق التوتر والحروب، لتصبح مندمجة في هذه المنطقة، إلا أن تطرفها وعجرفتها وسياستها، قضت على الاعتدال العربي الذي اختار السلام، فأصبح الاتجاه العام هو الاصطفاف مع المتشددين العرب، مقابل المتشددين اليهود من يمينيين ومستوطنين وحاخامات، مما أدى إلى وصول الإسلاميين للحكم، بعد إفشال إسرائيل المعتدلين الممدودة أياديهم للسلام، فقد قوبلت أيادي السلام بالخداع من قبل الحكومات الإسرائيلية، والمماطلة لكسب الوقت، واستمرار الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وزرعها بالمستوطنات.
"كوخافي" قيّم بأن إسرائيل ستعيش العام المقبل في بيئة إقليمية غير مستقرة، ستؤدي دون إشعار مسبق إلى إشعال الحرب في المنطقة، لكنه تجاهل تهديدات "نتنياهو" و"باراك" بتهديدهم العرب بحرب كارثية، فهما لا يكتفيان بتهديد إيران، ولكنهما يهددان لبنان بضرب بنيتها التحتية، وليس الاكتفاء بضرب حزب الله، ويهددان سوريا، ويهددان قطاع غزة وحركة حماس، ناهيك عن تصريحات وزير الخارجية الفاشي"افيغدور ليبرمان" الذي يقود حملة ضد الرئيس "محمود عباس" شبيهة بالحملة التي قادها رئيس الوزراء السابق "ارئيل شارون" على الرئيس الشهيد "ياسر عرفات"، والذي مات مسموماً، وقضية موته أصبحت مكشوفة، مما يؤكد بأن إسرائيل عدوة للسلام.
نستشف من النقاش الساخن الدائر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، على خلفية التهديد الإسرائيلي بضرب إيران، بأن طبول الحرب بدأت تُقرع، لأن إسرائيل لا تستطيع العيش دون حروب، لأن الحروب جزء من عقيدتها لتوحيد شعبها في وجه البعبع العربي المزعوم، وللأمانة فإن شرائح إسرائيلية ليست قليلة، تتظاهر في المدن الإسرائيلية ضد سياسة الحكومة ومغامراتها الحربية، مما اضطر الولايات المتحدة للرد على مزاعم الهلع الإسرائيلي التي تحاول الظهور بمظهر المسكين الذي كثرت السكاكين حوله، بكشف وجود ست قواعد عسكرية أميركية سرية منتشرة في أنحاء إسرائيل، مليئة بالذخيرة والصواريخ والقنابل الذكية، والمركبات من أنواع مختلفة، إضافة إلى مستشفى عسكري سري يحتوي على (500) سرير مقام بالقرب من تل-أبيب، وهذه القواعد التي تحتوي على مخازن طوارئ، يسمح لإسرائيل باستعمالها متواجدة في: مدينة هرتسيليا، في مطار بن غوريون، وفي قاعدتي سلاح الجو في النقب، وفي مطاري عوفدا ونبطيم، وهناك قواعد سرية على حدود الضفة الغربية، وقاعدة العاد بالقرب من القدس، وهذه القواعد ليس لها أثر على الخرائط، بل تُعرف بأرقام: (51) (53) (54) (55) و(56) وحسب المصدر فإنها مقامة تحت الأرض، فإذن لماذا ادعاءات الخوف والقلق طالما تملك تلك القواعد؟
إسرائيل قلقة من التغيرات الجذرية في مصر، لكنها تعزي نفسها بأن الرئيس المصري "محمد مرسي" أعلن التزامه باتفاقية السلام مع إسرائيل، لكن القيادة الإسرائيلية استقبلت كلامه بحذر، معتبرة أن أيديولوجية الأخوان المسلمين مختلفة، ويحلمون بإقامة إمبراطورية إسلامية على حساب كل من مصر والأردن والفلسطينيين، وإسرائيل قلقة بشأن سيناء بوجود إرهابيين حسب تعبيرها ممولين من إيران، فهي تخشى الإرهابيين من جهة، وتخشى حملة الجيش المصري لتنظيف سيناء منهم، فهل أشار "كوخافي" في تقييمه-الذي لم ينشر بكامله، لأسباب أمنية وسرية- إلى هذه الحقائق؟
جريدة "يديعوت 29-5-2012" وفي تقرير موسع لها قالت أن العشرات من ضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، كتبوا إلى لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، بأن الجيش ليس مستعداً لمواجهة حرب قادمة، وأن هناك نقصاً شديداً في عدد الجنود النظاميين، وعدد الملتحقين بالخدمة العسكرية، فهل تريد إسرائيل العيش على الحراب إلى الأبد؟ ...هم عطشى للحروب.

التاريخ : 5/9/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت