في الوقت الذي تتطلع فيه شعوب منطقتنا ودول العالم إلى التخلص من تبعات الأحادية القطبية والمآسي التي نشأت عنها والتي لا تزال شعوب في مقدمتها الشعب الفلسطيني تكتوي بنارها وتدفع ثمنها باهظًا بسبب الانحياز الأعمى والتأييد غير المسبوق من القطب الأوحد لحليفه كيان الاحتلال الإسرائيلي فإن ما صدر عن قمة حركة دول عدم الانحياز في طهران في البيان الختامي ببلورة مواقف داعمة ومناصرة لقضايا الشعوب المتطلعة إلى الحرية والاستقرار والتنمية واستعادة حقوقها لهو تحدٍّ كبير لقدرة دول عدم الانحياز في تحقيق آمال تلك الشعوب وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن قرارات هذه القمة ، قد تكون فرصة أخيرة لمراجعة موقف الدول الأعضاء من عالم يستبيح دم شعوبها، ويضع مصائر مواطنيها على عجلة المقامرات بثمن بخس تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تريدها امريكا، التي تتدعي بنفسها انها دولة ديمقراطية ولكن للاسف يفتقدها النظام العالمي وتكتوي بنيرانها وتصطلي بويلاتها تلك الشعوب.
ان ما نشهده اليوم على المستوى العربي وخاصة بعض دول المنطقة من اضطرابات وعنف وقتل وحشي ، بهدف نشر الفوضى الخلاقة فالدول التي أطاحت شعوبها برئيسها ونظامه وأتت ببديل له وفصلته وفق مقاسها وحاكته وفق طموحاتها ورغباتها أصبحت اليوم تدفع ضريبة "ربيعها العربي"، باحثة عن الاستقرار وعن مصادر أمانها حيث تسعى الولايات المتحدة وحلفائها الى تأجيج الصراع من خلال دعم كافة اشكال الفوضى في المنطقة بهدف رسم خريطتها الجديدة للمنطقة وفق ما يتلاءم مع مصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى ومصالح حليفها الاحتلال الإسرائيلي وإبقائه الأقوى في المنطقة. ولعل شراسة هجمة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في الآونة الأخيرة التي بدا تعاظمها بصورة ملحوظة لتشمل كل ما هو فلسطيني، هي أحد مكتسبات هذه الفوضى كما سماها الأميركيون أوضاعًا جديدة وتجييرها لصالحها في الانتخابات الامريكية القادمة، حيث يسير الاحتلال الإسرائيلي على سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية واستمرار الاعتقالات بحق الشعب الفلسطيني ووضعه في معتقلات الاحتلال واستهدف كل شيئ على الارض الفلسطينية بهدف تغيير معالمها، اضافة الى التحريض الإسرائيلي ضد السلطة الوطنية الفلسطينية بشخص الرئيس الفلسطيني محمود عباس سعيا إلى الوصول لسيناريو الرئيس الراحل الرمز ياسر عرفات.
ان الحملة العنصرية للفاشي ليبرمان على الرئيس الفلسطيني محمود عباس, هي حملة مخططة ومدروسة لحكومة الاحتلال ولرئيسها نتنياهو، وتهدف فيما تستهدف: إلى تسريع الاستيطان في الضفة الفلسطينية وتهويد القدس ، ومحاولة وضع العراقيل أمام الأمم المتحدة التي ستبحث موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في دورتها الجديدة لهذا العام، ونحن نرى ان هذه الخطوة ستشجع العديد من الدول على الاعتراف بدولة فلسطين ودعم حق تقريرالمصير للشعب الفلسطيني وحقه بممارسته وفق احكام القانون الدولي والاهم ان هذا الاعتراف سيحل قضية فلسطين للانضمام لمعاهدة جنيف الرابعة حيث تصبح فلسطين طرفا في قضايا ينظر فيها من قبل محكمة العدل الدولية.
وامام هذه التهديدات تأتي قضية اغتيال الرئيس الرمز ياسر عرفات لتحتل مكانة خاصة في هذه المرحلة مما يتطلب من المجتمع الدولي بدوله ومنظماته الدولية لاسيما منظمة الأمم المتحدة الوقوف إلى جانب التحقيقات الجارية لمعرفة أسباب اغتيال الرئيس واتخاذ كل ما من شأنه الإسراع بتقديم المجرمين للعدالة الدولية وأخذ ما يستحقونه من عقاب رادع، وخاصة لقد غابت الحقائق سنوات لكنها لم تمت، وستنكشف قريباً حتى يعلم من خططوا ونفذوا جريمة الاغتيال أن العدالة ستأخذ مجراها وإن طال الزمن.
ولهذا نرى اهمية العمل من اجل ما يخطط وخاصة ان تجربة الاشتباك بمعناها التاريخي والمباشر، تفرض على القيادة الفلسطينية اخذ هذه التهديدات على محمل الجد دون استخفاف بأي من الاحتمالات، لأن ما يجري على أرض فلسطين بكل مكوناتها الجغرافية والبشرية والسياسية.. تفرض ذلك وصولا إلى التذكير بالقضية التي لازالت مائلة امامنا وهي تصفية العديد من القادة الفلسطينين وفي مقدمتهم الرئيس ياسر عرفات وامير الشهداء ابو جهاد الوزير وابو علي مصطفى والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي والاسير القائد فارس فلسطين امين عام جبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس ، مما يتطلب الثبات عند الموقف السياسي بكل مقتضياته باللحظة الراهنة ومن ثم التمسك بحقوق شعبنا باعتبارها هي المستهدفة من قبل المحتلين.
امام هذه المخاطر تسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتزييف الحقائق والالتفاف على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، لا سيما حق العودة حيث تعمل على استصدار قرار أممي يقضي بتعويض يهود الدول العربية، وذلك في 21 سبتمبر المقبل بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة، بهدف تفريغ القرار الأممي 194، أو استبداله بقرار أممي آخر، يهدف إلى التنكر للفلسطينيين بحقهم في العودة.
وعلى هذه الارضية نرى ضرورة التحرك والعمل من اجل رفع الصوت عاليا بمواجهة هذا التزييف التاريخي من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة ، باعتبار حق العودة حق مقدس للشعب الفلسطيني وباعتباره عنوان القضية الفلسطينية وجوهر الصراع العربي الصهيوني ، وهذا يستدعي من القيادة الفلسطينية مطالبة الجامعه العربية وكافة دول العالم للوقوف امام مسؤولياتها لان المشروع الصهيوني العنصري في استهدافه لحق العودة يعتبر استهداف لكافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
إن حق العودة غير مرتبط بموضوع الدولة. فكلاهما حق طبيعي وأساسي للشعب العربي الفلسطيني ، ولا يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر أو يلغيه . بل إن حق العودة كان هو الأساس في الأهداف والثوابت التي قامت عليها منظمة التحرير الفلسطينية وهو المبدأ الذي حظيت المنظمة بموجبه بشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني، وأي مساس بهذا المبدأ هو مساس بشرعية التمثيل .
بصراحة أقول إن دورنا لم يرتق ، ولم يصل إلى الحد الذي يجعلنا قادرين على درء هذه المخاطر، وحماية حق العودة ، وترسيخ قضية اللاجئين بأبعادها الوطنية والسياسية والبنيوية الاجتماعية وحفرها وعياً وإرادة في وجدان أبناء الشعب الفلسطيني يعتبر إنجازاً سياسياً من حيث قدرته على تشكيل سد منيع على كل من يحاول المساومة على حق العودة .
لقد اسقط شعبنا الفلسطيني بنضاله الطويل واصراره على نيل حقوقه تلك الاساطير الاسرائيلية، فالاجيال المتمسكة بحق العودة الذي توارثته عن آبائها واجدادها اثبت للاحتلال سقوط مقولته "الكبار سيموتون والصغار سينسون" مثلما عرت أكذوبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" رغم أبشع المجازر الاسرائيلية التي بلغت ذروتها بمجزرة اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها عام 48.
ان المشروع الصهيوني القائم على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية، بات ينتهج سياسة عنصرية متطرفة تتجلى صورها باستمرار سياسة التشريد والتهجير واستهداف الارض والانسان والتي لم تتوقف عند زمن معين او حدود معينة، فالمجازر والاغتيالات ونهب الاراضي واتساع الاستيطان وجدار الفصل العنصري وهدم المنازل في القدس والضفة الغربية والحصار والتجويع، كلها محطات في رحلة التهجير وفرض سياسة تستهدف الشجر والحجر والبشر وليس حق العودة فحسب، كلها سياسة تهدف الى محو الذاكرة الفلسطينية وشطب حقوق الشعب الفلسطيني .
ختاما : لا بد من القول ان تحصين البيت الداخلي وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وتجاوز تداعيات الانقسام البغيض وتعزيز الصمود الفلسطيني ومواجهة التحديات والمخططات المعادية على قاعدة سياسية واضحة بديلة لما يسمى بمسيرة السلام والمفاوضات الثنائية بالمرجعية الامريكية وافرازاتها السياسية تكون العودة فيها لهيئة الامم المتحدة لتنفيذ قرارتها ذات الصلة ونيل الاعتراف بعضوية دولة فلسطين وعاصمتها القدس، في ظل التطورات التي تشهدها منطقتنا العربية باعتبار ان القضية المركزية للامة العربية وما زالت هي جزء رئيسي من نضال الجماهير العربية ، مما يفرض أن تكون البوصلة في التعامل مع هذه المتغيرات بالاتكاء على نضالنا الوطني من أجل تحقيق الأهداف الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت