أصبح اليوم الصغير قبل الكبير والجاهل قبل العالم يتحدث عن عيوب اتفاقية باريس الاقتصادية ويطالبون بإلغائها وكأن ذلك هو الحل السحري للازمة الاقتصادية، وهنا أتساءل هل من قرأ الاتفاقية قد فهمها ولذلك أبدى اعتراضه عليها إن كان قد قرأها؟ أم مجرد لان الإعلام قال عنها سيئة؟ أم الاتفاقية قد وفرت للمحتجين شماعه لإلقاء اللوم عليها وكأننا بلد بترولي والاتفاقية قد نهبت وبددت ثرواتنا؟ فهل توقيع قيادتنا الفلسطينية حينذاك وعلى رأسها زعيمنا الخالد الشهيد ابوعمار على اتفاقية باريس عمى سياسي كما يصفه البعض؟؟ هل القبول بان يكون هامش الاختلاف بالضريبة كحد أقصى 2% أكثر أو اقل خطأ فظيع كما يصفه البعض؟؟ وإذا دققنا بضريبة القيمة المضافة بالضفة الغربية سنجدها بعد آخر تعديل 15.5% وبذلك تقل عن إسرائيل بـ1.5% فقط وذلك يوضح بان السلطة الوطنية رفعتها بما يناسب احتياجاتها من اجل القيام بواجباتها تجاه المواطن فلو كانت اتفاقية باريس هي القيد لجعلت الضريبة 15% فقط، وإذا نظرنا إلى حكم حماس في غزة الذي يعارض اتفاقية باريس فسنجد أن الضريبة 14.5%، وفي الأردن تبلغ نسبة الضريبة 16% دون أن يكون لديها اتفاقية باريس، فهل المشكلة باتفاقية باريس أم المشكلة مشكلة غلاء أسعار عالمي للوقود والذهب والعملات والمواد الأساسية؟ وكل ذلك لا يمنع من انتقاد اتفاقية باريس والبحث في سبل تجاوز سلبياتها، فلكل اتفاقية سلبيات وايجابيات، لأنه من البديهي ان كلمة اتفاقية تعني طرفين أو أكثر وكل طرف سيسعى لتحصيل المكاسب على حساب الآخر، ولكن يجب ألا نُقزم مشاكلنا الاقتصادية باتفاقية باريس أو بشخص رئيس الحكومة، دون أن ندرك حقيقة الأزمة، فاتفاقية باريس جزء، ومن الخطأ أن يتجزأ عن اتفاقية أوسلو، واتفاقية أوسلو بما فيها شق باريس الاقتصادي هي اتفاقية مرحلية، فُصلت على خمس سنوات كمرحلة انتقالية تنتهي بدولة حرة مستقلة، فالاتفاقية اليوم مثل ملابس طفل صغير عمره خمس سنوات، ولا يزال يرتديها وقد أصبح عمره 18 سنة، فالتجريح والشتائم المتواصلة على الفضائيات ضد من وقع تلك الاتفاقية لا تنم إلا عن جهل وحقد وتحريض لأسباب سياسية ضد من وقع تلك الاتفاقية المرحلية، فالعيب ليس بالاتفاقية ومن وقعها بل العيب بالجمود والعجز أمام الاحتلال الإسرائيلي، الذي فرض علينا أن نبقى أسرى لاتفاقيات انتهت صلاحيتها، وحتى حقوقنا منها لم نستطيع أن نحصل عليها، فالحل ليس بإلغاء اتفاقية باريس والبحث عن أنفاق نبني بها اقتصادا قائم على التهريب والاستغلال، ثم نسميه اقتصاد مقاوم، بل الحل بالسعي نحو التحرر والتخلص من الاحتلال الذي يمنعنا من استغلال كل مواردنا والتي وان أتيحت لنا لا اعتقد بأننا سنستطيع الاستغناء عن المعونات الخارجية على المدى المنظور على الأقل، فها هي غزة مثلا المفتوحة على مصر بشكل مطلق بالأنفاق التي تستطيع من خلالها أن تُدخل من الإبرة إلى الصاروخ، هل يستطيع اقتصادها أن يصمد شهرين فقط بدون أموال السلطة القادمة من رام الله والمعتمدة على المنح والمساعدات وجباية الضرائب من أموال الناس التي في غالبيتها قد استلمتها من المنح والمساعدات من خلال السلطة الوطنية بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي غزة تأخذ حماس الضرائب من خلال نفس تلك الأموال، القادمة من خلال السلطة الوطنية، لكي تستطيع صرف رواتب موظفيها، وفي النهاية معظم تلك الأموال تستبدل بالمواد الاستهلاكية لصالح إسرائيل أو مصر أو غيرها من الدول الموردة لنا وبذلك نكون بحاجة لأموال مساعدات أخرى لتدور الدائرة دورات ودورات، فمشكلتنا الاقتصادية هي أولا: مشكلة سياسية، مشكلة احتلال، وثانيا: مشكلة موارد فإقامة دولة حرة مستقلة، بمواردنا الحالية وبالمعطيات الدولية الحالية، على ضفة وغزة لن تحل مشكلة الفقر، فلن نكون مثلاً أغنى من الأردن ولا تونس ولا المغرب، ولحل مشكلتنا الأولى إما أن نقف ونساند قيادتنا في سعيها نحو التحرر والاستقلال، وننتفض بوجه الاحتلال، وإما أن نستبدلها بانتخابات حرة ديمقراطية قد حان وقتها منذ زمن، وان نضغط وننتفض بوجه من يعطلها. فالحراك الشعبي الرافض للواقع هو أمر ايجابي لحقوقنا وقضيتنا ولكن يجب أن يكون قائم على الوعي الكامل لحقيقة الأزمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت