( أوسلو) ...من حلم إبليس إلى يقظة مع الكوابيس

بقلم: منذر ارشيد

أوسلو ما عاد الحلم الذي روج له البعض بأنه نهاية الإحتلال وبداية الإستقلال
حتى أننا سمعنا مقولة .. ستصبح فلسطين سنغافورة الشرق
عشنا مراحل أوسلو بكل ما فيها من فرح وحزن ولكن الفرح لم يدم طويلاً بعد أن ذاب الثلج وبان المرج وكثر الهرج وتقاتل الإخوة وانفصل الوطن عن الوطن وها نحن نتخبط
كالذي أصابه الشيطان من المس ولا نعرف أين يكمن الحل أو من أين نبدأ ..!
وقد بدأنا نسمع الضجيج والصراخ حول الوضع الاقتصادي التي تعاني منه السلطة والذي بدأ بشكل متدحرج مع بداية هذا العام وهو يتصاعد ويبدو أنه سيصل إلى غايته الحتمية وهو ( إعلان الإفلاس).

مسكين شعبنا الفلسطيني وقد وصل حاله كحال الحامل التي تلد كل شهر فتنتظر المولود بفارغ الصبر بعد أن يبدأ مخاضها مع منتصف كل شهر وهي تفكر بنوع المولود وصحته كامل الأوصاف ,. مشوه ..بعين واحدة برجل واحدة .. أخرس.. أو أطرش ناهيك عن مخاض الولادة العسير.!
والمشكلة أن المواطن يعرف أسباب ومسببات ذلك ولكن المسؤولين يأبوا إلا أن يتلاعبوا بالناس وحرق أعصابهم وإنجلاطهم في بعض الأحيان مع نهاية كل شهر مالي وبداية الشهر الاخر , وكأن الراتب أصبح البعبع الذي فرض علينا لأرهاب المواطن من جهة ولوضع السلطة في حيص بيص من جهة أخرى
ورغم كل هذا علينا أن نعترف بأننا نعيش في أزمة كارثية مفتعلة من قبل العالم ومعه أتباعهم من دول الخليج
والعرب الذين ينفقون المليارات في الحرائق المشتعلة في بعض الدول العربية وها نحن نرى الدماء أنهارا في سوريا التي كانت آمنة مطمئنة
مليارات يدفعها أثرياء النفط وحرموا على الفلسطينيين حتى الفتات ..
مؤتمرات قمة دورية , ولمة فورية ليس من أجل مصير الأمة أو القدس بل من أجل التامر على الوطن العربي خدمة لإسرائيل , وعند الدعم للقضية الفلسطينية تجد الكلام الفارغ والمساعدات كلام في كلام والقدس تمزق وتهود تحت سمعهم وبصرهم وفرحهم

هي أوسلو إذاً .. الحلم الذي راود الزعيم الراحل أبو عمار وقد سمعته بعد دخولنا إلى الأرض الوطن يقول..رداً على إنتقادات حماس لا بل إتهام بالخيانة ..قال هم زعلانين ليه .!
نحن وضعنا أقدامنا على الأرض.. وإذا الإسرائيليين شياطين نِحنَ أبلسة وحنوريهم إننا حنجردهم اللي سرقوه منا من غير ما يشعروا ,وبدأ يشرح كيف أن اتفاق أوسلوا بمراحله ألف وباء وجيم وبالنهاية سنصل لكامل حقوقنا بالتدريج وزي ما سلبوا فلسطين بالتدريج حنرجعها .
مش قالوا إن فيها قوما جبارين .. (يتلقوا وعدهم)
وعندما كان يردد رحمه الله إني أرى الضوء في نهاية النفق المظلم .. على ما يبدوا أن النفق ما زال في أوله

الوضع العام

عندما نتحدث عن الوضع العام سواءً كان فلسطينياً أو عربيا أو حتى دولياً فإن المسألة مترابطة إرتباطاً كبيراً لأسباب عدة أهمها أن قضية فلسطين هي محور الصراع عربيا ً ودولياً والسبب الأهم هو إسرائيل
فلولا إسرائيل ككيان غاصب لكانت منطقتنا العربية تحل مشاكلها من خلال العرب بعيداً عن التدخلات الخارجية
وأهم ما يجعل الأمر عاماً وشاملاً.. الإقتصاد الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط
ومن المحزن أن النفط الذي جعله الله نعمة للعرب قلبوه نقمة علينا وصيروه نعمة للأعداء .!
وكأن الله يعاقبنا بتحويل هذه النعمة إلى نقمة لأننا لم نعطي الله حقها في الإنفاق السليم وفي دعم الأمة واعلاء نهضتها بل لدعم أمريكا وأوروبا وكل اعداء الأمة

وإذا نظرنا إلى وضعنا الفلسطيني لوجدنا أننا ذهبنا إلى اتفاق أوسلو ووقعناه دون دراسة معمقة لحيثيات
الواقع الفلسطيني وما سيترتب عليه مستقبلاً , ولم نراعي إحتياجاتنا الضرورية والأساسية لأقتصادنا الذي يجب أن يكون حراً مدعوماً بكل ما يلزم حتى يستمر بدون أي إنقطاع من خلال تهيئة مشاريع إنمائية تؤهلنا لإنشاء دولة متكاملة الأركان لا تتأثر بمعوقات أو ألاعيب الإسرائيليين المعروفة على مدى التاريخ ,
حتى الماء وهو أهم متطلبات الحياة لم يفكر مفاوضنا الفلسطينيي فيه ,وتركنا رهناء لحنفية العدو الذي أخذ مصادرنا المائية وحولها إلى قطارات تنقط في حلوقنا كل ما لزم الأمر في عملية إبتزاز ليس لها حدود لا بل سخرها لتسمين المستوطنات والمستوطنيين المرفهين ببرك السباحة

وكيف تم التعامل مع مسألة المياه الجوفية التي هي بحيرات تحت أراضي الضفة و التي تم سحبها من قبل إسرائيل دون أي رادع أو قانون يلزمها من خلال الإتفاق الذي ما كان يجب أن يتم توقيعه إلا بحضور دولي ضامن ,وقس على ذلك كثيراً من القضايا الخطيرة التي ذهبت أدراج الرياح لأنها لم تستند لضوابط ولا لشهود أو ضامنين دوليين فتفردت إسرائيل بكل شيء ومفاوضنا يخرج علينا بالبشائر الكاذبة

وكان ذلك من جميع النواحي السياسية والإقتصادية والثقافية والأمنية ولمائية
تم ترويج إتفاق أوسلو على أنه سيحول فلسطين إلى سنغافورة الشرق الأوسط وعلى اعتبار أنها خطوة نحو إستعادة الحقوق الفلسطينية دون أي إعتبار لفحوى هذا الإتفاق الذي قلبته إسرائيل رأساً على عقب

لأن معظم بنوده غامضة ويحمل عدة أوجه وللأسف وضعنا لشعبنا أجمل وجه لأقبح صورة بينما إسرائيل أخذت منه أجمل الصور وتركتنا نلهث ورائها في كل شاردة وواردة
ودون الخوض في التفاصيل السياسية والتي نحن نعيشها منذ بداية تأسيس السلطة وما ترتب عليه من توسع إستيطاني تسارع بشكل فظيع بعد أوسلو وبعد مضي عام فقط من السلطة وإنشغالنا بالمؤسسات والأجهزة الأمنية وبسط السيطرة على شعبنا وإغرائهم بالوظائف التي ربطت مصائر الناس حتى أصبح في كل بيت موظفاً أو إثنين وحتى ثلاثة وربما أكثر , وتم ربط إقتصادنا وإستهلاكنا ومعيشتنا بالكيان الاسرائيلي دون النظر للمستقبل في كيفية إستقلالنا على الأقل إقتصادياً من خلال إنشاء المصانع أو تنشيط الزراعة وغيرها من الأمور التي تؤهلنا أن نعتمد على أنفسنا تدريجيا ً حتى نصبح دولة كما كنا نزعم أو نحلم
أين هي لمناطق الصناعية التي تم شراء الأراضي الشاسعة لها في جنين مثلاً وقد استثمر الكثيرون في هذا المشروع الذي ذهب أدراج الرياح..!
نحن الان في ورطة


نعم ورطة وأكثر من هم في ورطة السلطة الفلسطينية , العالم كله يتامر على السلطة بمن فيهم صندوق النقد
والدول المانحة , والسلطة ربما مسؤولة عن بعض ما آلت إليه الأمورمن خلال عدم وضوحها وشفافيتها في أطلاع الشعب على الضغوط التي تتعرض لها من قبل المانحين والعرب.

الان وبعد أن وقع الفأس في الرأس بدأنا نسمع الحقائق من قبل الرئيس أبو مازن , وكأنه كان يراهن على إنجلاء الأزمة مع مرور الوقت أو مع تغير الظروف , ورغم أن ما قاله الرئيس ابو مازن كان واضحا إلا أنه في مسألة التنسيق الأمني لم يكن صريحا بل التف عليها بقوله بأن التنسيق لصالحنا وليس لصالحهم .!
وما زال يراهن للأسف علماً أنها ورقة قوية بيده يمكنه أن يستعملها والشعب يدعمه
إن أي مراقب كان يدرك أن مرور الوقت ليس لصالحنا ونحن نرى سكوت العالم وعلى رأسه أمريكا على غطرسة إسرائيل وهي تنفذ إجرامها على الأرض الفلسطينية والابتزاز في كل شيء حتى اموال الضرائب

وكما أن الإبتزاز السياسي للقيادة الفلسطينية تزامن مع التهديدات الصهيونية (ليبرمان) لشخص الرئيس أبو مازن ويضاف إليه الضغط العربي من قبل أذناب أمريكا وإسرائيل لعدم الذهاب للأمم المتحدة

وللخروج من هذه الورطة الأمر سهل جداً وخاصة ان الغريق لا يخشى من البلل

ونحن نرى أن الحراك الشعبي الذي جاء نتيجة الظروف الإقتصادية القاهرة جراء إرتفاع الأسعار وزيادة الضرائب وقلة الرواتب مما فجر الوضع بشكل خطير
وإذا كان السيد فياض الذي ترأس السياسة الإقتصادية وقد ثبت فشلها سواءً بسوء إدارة أو من سوء الظروف الموضوعية ونحن نرى الإنهيار الإقتصادي عالمياً , وشح الموارد والمساعدات الخارجية
وإذا كان الحل في تنحي السيد فياض جانباً وهو مطلب الجماهير المحتشدة في الشارع الفلسطيني
فاليتفضل السيد فياض مشكوراً بتقديم إستقالته وإفساح المجال لغيرة نازعاً فتيل التفجير في الشارع
وهنا يجب أن نشير أن هناك من يتربص بالوضع الفلسطيني وعلى رأسهم إسرائيل ولا ننسى عملائها من الفلسطينيين للأسف ممن يديرون المفسدة من خارج الوطن وهؤلاء معروفين بعمالتهم وارتباطهم بالمشروع الصهيوني الذي يجب أن يتم تنفيذه من خلال الفوضى العارمة وخلط االأوراق حتى يسهل عملية الفرز
لوطن بديل بعد تدخل خارجي لأنهاء الصراع الداخلي وتقسيم الكعكة كما هو مخطط ..!!!!!؟
وعلى شعبنا أن يكون واعياً لهذا
ستكون المؤامرة التي ستركب الموجة حتماً وكنا قد كتبنا منذ عام تقريبا على أنها مسلسل بحلقات بدأ من تونس ولن ينتهي إلا بعد أن يأكل الأخضر واليابس في المنطقة ولكن ليس كل ما يقرره الهالكون في العالم يجب أن ينفذ بحذافيره
لأن إرادة الشعوب إذا تم توجيهها نحو الحقيقة والحق تصل وتُحقق إنجازاتها
أما إذا تُركت للأهواء وللبلهاء فتدمر البلاد وتسفك الدماء
وأمام أبو مازن فرصة أخيرة لأن الرهان على الحب والعواطف يقابله حقد وعقول متحجرة
وبما ان المطلب الجماهيري واضح من خلال استقالة الحكومة وخفض الضرائب وخفض سعر المحروقات
فالمسألة بسيطة وحلها في متناول اليد
أعتقد أن الأمور على حافة الهاوية إما أن تنهار وبشكل خطير أو تنعدل ولو بشكل مؤقت
حتى تتضح الصورة أمام شعبنا التواق لعدم الإنزلاق والخروج من الأزمة بأقل الأضرار
وخاصة أن أبو مازن أمام مواجهة تاريخية مع اسرائيل وأمريكا والعالم في ذهابه للأمم المتحدة والتي بنتائجها سيكون جزء من العالم مع اسرائيل ضده , رغم أن ذهابه للأمم المتحدة لن يعيد فلسطين ولن يحرر شبر منها إلا أن الشعب الفلسطيني سيكون معه في هذه المسألة
ولربما تكون هذه الفرصة الذهبية للخروج من الورطة نحو فضاء الحرية والانطلاق إلى كل الاحتمالات
وأقول إحتمالات..!
لأن أسوأها سيكون أفضل من الوضع الذي نحن فيه
فقضية فلسطين ستمر بالممرات الإجبارية التي تقود إلى وعد الله حتما ً
ووعد الله حق ..والحق أحقُ أن يُتبع

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت