لقد حذر الفلسطينيون منذ بداية النهج الاستيطاني في أعقاب حرب 1967، بأنه ليس فقط يتعارض مع القانون الدولي، ومع قرارات الشرعية الدولية، ويؤدي إلى المواجهات بين أصحاب البلاد وبين المستوطنين، لدرجة استحالة التعايش فيما بينهم، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تُصغ لهذه التحذيرات والقرارات، فقد كان واضحاً منذ البداية، بأنه لا يمكن التعايش الفلسطيني مع الاستيطان، واعتداءات المستوطنين المدججين بالسلاح عليهم، فأخذ المستوطنون يحرقون مزارعهم، ويقطعون أشجار الزيتون خاصتهم، ويزحفون على أراضيهم قطعة بعد أخرى لتوسيع مستوطناتهم، مما دفع الفلسطينيين لرفع شعار:"لا سلام مع الاستيطان".
في كتاب "الأرض البهية" باللغة العبرية لأحد قادة الحركة العمالية اليهودية ويدعى "لوبا الياب" الذي صدر عام 1972، جاء فيه أن اليهود الذين كانوا يهاجرون إلى فلسطين منذ سنوات الثلاثينات، كانوا يستقبلون بحذر من قبل الفلسطينيين، وكانوا يدّعون بأن غايتهم من الهجرة إيجاد ملجأ ومأوى آمن دون الكشف عن أطماعهم الحقيقية من وراء هذه الهجرة، ورفض الكاتب في كتابه ما كانت تروج له الحركة الصهيونية حول وجود عصابات فلسطينية، يطلقون عليهم قطاعي الطرق، بل كانت المعارضة الفلسطينية لهجرة اليهود إليها تقودها الحركات الوطنية الفلسطينية بهدف الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية، فقد كانت الحركات القومية العربية على حق في معارضتها لهجرة اليهود إلى فلسطين، باعتبارهم جسم غريب، فهناك حركتان وطنيتان الأولى: عربية قومية، والثانية: الحركة الصهيونية، وهاتان الحركتان تتناقض الواحدة مع الأخرى، ونستطيع القول اليوم بأن أجدادنا أدركوا مبكرا خطورة هجرة اليهود إلى فلسطين.
إن المحاولات الإسرائيلية الحالية تسعى على قدم وساق للاستيلاء على أراضي مناطق "ج" حسب تعريفات اتفاقيات أوسلو، هذه الأراضي تشكل ثلثي مساحة الضفة الغربية، ووفقاً لـ "أوسلو" فإنها تقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية للجيش الإسرائيلي، يجري التفاوض على مصيرها في مفاوضات الحل النهائي، ويسكن في هذه المنطقة نحو (150) ألف فلسطيني، يحظر عليهم البناء فيها، فمنذ مطلع العام الحالي 2012، وحتى منتصف شهر آب، هدم الاحتلال أكثر من (400) مبنى للفلسطينيين في هذه المنطقة، منها (120) مبنى سكنياً، مما ألحق أضراراً بأكثر من (600) فلسطيني، ومع أن معظم هذه المباني شيدت قبل احتلال عام 1967، فإن ذريعة الاحتلال لهدمها أنها أنشئت دون ترخيص.
في منطقة أغوار الأردن المصنفة بـ "ج" يجري حالياً طرد الفلسطينيين منها، وسلب أراضيهم، حيث أقيمت عليها (37) مستوطنة، يسكنها (9500) مستوطن، يسيطرون على مقدرات هذه الأراضي وطرق مواصلاتها وأراضيها الزراعية، وعلى مصادر مياهها، فمساحة الأراضي الزراعية الكلية في الضفة الغربية وقطاع غزة تبلغ (1.854) مليون دونم، تشكل 31% من المساحة الكلية للضفة والقطاع، فهذه الأراضي في الضفة، مهددة بالإخلاء من معظم سكانها، وتهجير بعضهم، والذريعة الإسرائيلية المعهودة بأن هذه الأراضي معدة للتدريبات والمناورات العسكرية، وبعد الاستيلاء عليها تحول للاستيطان، والأمثلة من الماضي كثيرة.
رغم قيام "نتنياهو" بتجميد تقرير رئيس المحكمة العليا السابق "ادموند ليفي"، الذي جاء في دراسة "قانونية" أعدها مع طاقم من المتطرفين أن وجود إسرائيل في الضفة الغربية ليس احتلالاً، مدعياً بأن القانون الدولي الخاص بالاحتلال العسكري لا ينطبق عليها، مما يتناقض مع ادعائه وحتى مع القرارات المعمول بها إسرائيلياً منذ (45) عاماً، وقد أثار تقريره معارضة شديدة من قبل أوساط قانونية إسرائيلية، لأن تقريره سيُبْدي إسرائيل سخيفة أمام الساحة الدولية لكن تشكيل هذه اللجنة من قبل "نتنياهو" رغم تجميده المؤقت للتقرير يدل على عزم نتنياهو وحكومته المضي قدماً بالمشاريع الاستيطانية، لتغيير الوضع القانوني للضفة الغربية.
إن المحاولات الإسرائيلية لتطهير البلاد من الفلسطينيين، بجميع الوسائل والطرق، بما في ذلك تتبع سياسة التعطيش، وعدم ربط الفلسطينيين بشبكات المياه، حتى أن الاحتلال يصادر صهاريج المياه التي يشربون منها، فالمواجهات بين المستوطنين وأصحاب البلاد متواصلة، وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن 91% من جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، واقتلاع آلاف الأشجار، وإضرام النار في حقولهم، كذلك إضرام النار في (17) مسجداً، وتدنيس عشرات المساجد الأخرى، وإطلاق الرصاص على المواطنين الفلسطينيين، فكل هذه الجرائم يتجاهلها "الشاباك" النشيط جداً ضد الفلسطينيين، وبينما يدعي "نتنياهو"- دفاعاً عن سياسته- بأن الفلسطينيين يريدون العودة إلى حيفا ويافا وعكا، كتحريض على الفلسطينيين لتبرير سياسته، واتهامه للفلسطينيين بأنهم غير جادين بعملية السلام، فهل أن نتنياهو من خلال هذه السياسة الاستيطانية العنصرية يريد تحقيق السلام؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت