تاثيرات اتفاق اوسلو بعد تسعة عشرة عاما على توقيعه

بقلم: عباس الجمعة


ما يحدث في فلسطين اليوم ناتج عن وعي وايمان بأن حل الازمة لايمكن ان يكون الا من خلال تحرك داخلي يعيد للقضية الفلسطينية جوهرها كقضية مركزية ، وعلى الجميع ان يدرك ان مخططات حكومات الاحتلال وعلى المدى القريب أو البعيد يستهدف الهيمنة الشاملة على شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ليس على فلسطين فحسب بل على العالم والقضاء على حركة التحرر وكل مايمكن ان يرتبط بحضارتنا .
وامام ذلك نؤكد ان الاحتلال يسعى لأن تكون الضفة الفلسطينية على خطى قطاع غزة لتكون ثاني سجن يحاصر فيه الشعب الفلسطيني وذلك من خلال سياسة التجويع وسلب الحقوق ، وهذا يتطلب وقفة جادة ومسؤوله من خلال الاخذ بعين الاعتبار مسؤولية السلطة للقيام بخطوات اتجاه الشعب الفلسطيني والعمل على رسم رؤية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته العدوانية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
في ظل هذه الظروف وامام ذكرى توقيع اتفاق اوسلو الذي شكل بترجمته الاتفاق الاقتصادي في باريس انعطافاً أساسياً في هذا المسار و هو الانعطاف الكبير و الخطير الذي تمثل في التخلي عن المنطلقات التي قامت على أساسها انطلاقة الثورة الفلسطينية وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية و من ثمّ انتهاج سياسة المفاوضات الثنائية التي قامت منذ اكثر من تسعة عشر عاما استغل فيها الاحتلال الهيمنة الأمنية على فلسطين والاستيطان والتهويد للارض الفلسطينية والقدس وعدم تفكيك المستوطنات ، وصولا الى تهرب حكومة الاحتلال من تنفيذ ما اتفق عليه بأسلو حول تحرير الاسرى القدامى ، بل تركهم فريسة للمحتلين ، وقد تناسى هذا الاتفاق ان الاسرى قد ضحوا بحياتهم في سبيل الحرية والاستقلال والعودة.
ان الموقف الوطني الفلسطيني الذي ناهض اتفاقات اوسلو ,كان يعي جيدا مخاطر اوسلو وتداعياته على حق العودة وتقرير المصير للشعب الفلسطيني على ارضه فلسطين ، فلهذا عبرت الفصائل والقوى عن الموقف الفلسطيني الوطني من داخل اطر منظمة التحرير الفلسطينية يرفض الاعتراف باسرائيل لما يعنيه هذا الاعتراف من شطب للحقوق الفلسطينية.
ان الاعتراف اليوم باسرائيل وحقها في الوجود ليس مجرد اعتراف بالامر الواقع وهو ليس كما تعترف بدولة عادية ,انه اعتراف بحق اسرائيل كما هي كمشروع استيطاني اقتلاعي عنصري يشمل على الاعتراف لها صراحة بضرورة ان تستولي على اراضي وتقيم مستوطنات وتجلب مستوطنين وتمارس دورها الامني والسياسي على قاعدة هذه الاحقية والتغاضي عن كل ممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، ومن هنا لا بد من التأكيد على اهمية وحدة الموقف الفلسطيني الذي جسدته المجالس الوطنية الفلسطينية والتمسك بالثوابت الفلسطينية والتصدي للمشاريع الاسرائيلية ، و اعادة الاعتبار للثقافة الوطنية: ثقافة الحرية والتحرير ,ثقافة التمييز بين معسكر الاعداء ومعسكر الاصدقاء .
ان المراجعة النقدية ضرورة وطنية ، لاستخلاص الدروس والعبر في مجرى الصراع الدائر مع الاستيطان والاحتلال والخطر الكامن أمامنا، وخاصة وللاسف بعد ان اصبحت القضية الفلسطينية ليست أولوية، حيث غابت القضية الفلسطينية عن الشعارات العربية بعد أن كانت القضية لأولى.
واليوم بعد مرور سبع سنوات على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة نرى أن الجميع تناسى الاستهدافات الاستراتيجية والسياسية الكبرى التي كانت تقف وراء خطة فك الارتباط مع قطاع غزة، أهمها قطع الطريق على إمكانية إقامة دولة فلسطينية، فضلاً عن عزل قطاع غزة كلياً، وحدفها باتجاه الجنوب "مصر"، والاستفراد في الضفة الغربية والقدس، و تنفيذ مخططاته في الاستيطان والتهويد وبناء جدار العزل العنصري.


صحيح أن الأمر في بعد من أبعاده هو انتصار لصمود الشعب الفلسطيني وانتصار للمقاومة التي أوصلت الارهابي شارون وحكومته إلى قناعة بأن استمرار احتلالها للقطاع اصبح مشروعا خاسرا وبالتالي خسائره ستكون أعظم من الفوائد التي يحققها جراء استمرار احتلاله للقطاع، ولكن لا بد من الاشارة أن واقع الأمر يؤكد أن مخطط شارون تنفذه الآن الحكومات الصهيونية المتلاحقة، من خلال استدراج الوضع الفلسطيني إلى مستنقع الصراع والانقسام ولا زال في هذا الطريق الكارثي الذي جلب الويلات للقضية والشعب الفلسطيني، وأدى هذا المسار إلى الانقسام الكارثي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني من تداعيات، من خلال الحصار والعدوان المستمر على قطاع غزة ، صحيح ان غزة تحررت من الداخل ولكن هي مطوقة من الخارج وما زالت في قبضة الاحتلال باستثناء معبر رفح ، وهذا يستدعي من الجميع التنبه لما يسعى له الاحتلال من مخططات هدفها القضاء على طموحات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
إن الساحة الفلسطينية أمام منعطف طرق خطير، فإذا ما استمر النهج الحالي بخيار المفاوضات وبقاء الانقسام والابتعاد عن المقاومة الشعبية بكافة أشكالها ووسائلها, سنكون أمام المزيد من التراجع وصولاً إلى الإخفاق للبرنامج الوطني بانتظار ظروف أخرى وواقع جيد ومعطيات جديدة لبدء مرحلة تحرر وطني جديدة بكل مواصفاتها، ولهذا نرى ضرورة الاسراع بالعمل الجاد والمسؤول الى دعوة المجلس الوطني الفلسطيني او المركزي الفلسطيني لرسم استراتيجية وطنية ونضالية, والوقوف امام المرحلة السابقة بكل أخطائها والاستفادة منها،والبحث عن آليات فعل جديدة وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتجاوز الانقسام, وبناء البرنامج السياسي ذو القواسم المشتركة، والاعتراف بإحدى حقائق الواقع وهو أن لا وصول للحقوق الوطنية دون الاستناد الى كافة اشكال النضال، وأن هذه الحقوق لن تتأتى لا بمناشدة إسرائيل ولا الولايات المتحدة. الحقوق تأتي بفرض موازين القوى.
ونحن اليوم نتطلع الى استنهاض مفاعيل النضال نرى اهمية تطوير الفعل النضالي للوصول الى انتفاضة شعبية عارمة رداً على وبديلاً عن بؤس سياسات أوسلو وتحت راية "برنامج الحرية والاستقلال" للخلاص من الاستيطان والاحتلال، وخاصة بعد وصول ما يسمى المفاوضات الى طريق مسدود، حيث أضرت كثيراً بقضية الشعب الفلسطيني، وخاصة ان الكل مهدد من المشروع الصهيوني التوسعي .
اذا عندما نقراء التاريخ الفلسطيني المعاصر ومواقف الرئيس الراحل ياسر عرفات وتقاطعه مع مواقف كافة الفصائل والقوى وتفاصيل حياته السياسية والنضالية؛ إلا أن الأغلبية كانت تتفق على شأن واحد، ألا وهو توحيد الرئيس الشهيد ياسر عرفات للصف الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لما يتمتع به من كاريزما وحضور قوي.
إن ما مر ويمر به الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والقدس من انقسام لم تزح خطورته جميع الاتفاقيات والمؤتمرات التي عقدت للمصالحة في مكة والدوحة والقاهرة ومحافل أخرى، وهذا ينذر بتشظي القضية واستمرار التلاعب بها من قبل أطراف الداخل والخارج الفلسطيني وهو ما يوهنها ويجعلها في مهب عواصف العدوان الإسرائيلي ورياح السياسة الدولية المتقلبة بحسب المصالح.
امام ما نراه اليوم من مواكب للمسؤولين العرب إلى العواصم الأوروبية والأميركية ويتبادلون القبلات والضحكات على موائد القادة الغربيين، والحرص على ملء خزائنهم بعقد الصفقات الباهظة الأثمان معهم، والتنسيق معهم للتدخل في شؤون قضايا المنطقة لا سيما القضية الفلسطينية، يتسابق أولئك المسؤولون الغربيون إلى تقليد الأوسمة لمن هم سبب مآسي المنطقة ودمارها وتمزقها وتشتت شعوبها، الذين أبادوا الشعب الفلسطيني واغتصبوا حقوقه وأرضه، وهذا يبعث على الاستفزاز والإهانة في الوقت ذاته لمشاعر كل عربي وخاصة تكريم هؤلاء السفاحين ومجرمي الحرب الإسرائيليين وترصيع أعناقهم بقلائد الذهب ومنحهم الجوائز والألقاب التي لا يرون فيها إلا أضواء خضراء لمواصلة هواياتهم الإرهابية وممارسة وحشيتهم الدموية وسفك المزيد من الدماء الطاهرة البريئة، وما يدعو إلى الحزن والأسف أن تقدم ألمانيا على مكافأة مجرم حرب في قامة بيريز الذي يرأس كيان الاحتلال الإسرائيلي حاليًّا على "جهوده السياسية" والذي قررت منظمة "هانز زايدل" الألمانية منحه جائزة "فرانس جوزيف شتراوس"، وبالأحرى "جهوده الدموية،في الوقت الذي تقود فيه ألمانيا المستشارة أنجيلا ميركل حملة إقناع في أوروبا لإحباط المساعي الفلسطينية لنيل العضوية في الأمم المتحدة.
ان ما يجري اليوم في محيطنا العربي من تحولات، كنا نتمنى ان تكون حتما لصالح الشعوب العربية وقضاياها العادلة وتقدم مجتمعاتِها وان ما طرحته الجماهير العربية من خلال ثوراتها من عملية التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية هي فعلا نقطة تحول هامة ،ولكن للاسف تم تحويل الربيع العربي الى ربيع الدم العربي من خلال الانقلاب على الثورات العربية والسطو الامريكي الاستعماري يبين لنا الهدف الاساسي الذي كان من خلاله احتلال العراق للوصول الى تعميم الفوضى الخلاقة والعمل على رسم شرق اوسط جديد ، وهذا بكل تأكيد نرى ملامحه من خلال زعزعة الأمن والاستقرار وقتل الأبرياء وتدمير البنية التحتية للدول وتفتيتها ولتكملة المهمة من خلال تولي بعض قوى الاسلام السياسي وبعض التيارات المتعاونة معها السلطة في عدد من الدول.
ومن هنا عندما اطلقنا بعد ما رأيناه ان الربيع العربي تحول الى ربيع التفتيت والتدمير ولا يستثني أحد لأنه يشمل كل ما هو عربي وكل شيء مازال ناهضا وشامخا ومتطورا يخدم الشعب ولأنهم يريدون شعب عربي بلا ماء ولا كهرباء ولا بترول ولا تعليم والقضاء على الحريات العامة والتقاليد ، فتدميرهم يشمل كل تقدم وأبسط الخدمات القائمة يريدون تسويتها بالأرض وما حدث في العراق وحدث في ليبيا ومصر وتونس واليمن ويحدث في سوريا والبحرين يؤكد تحليلنا ، والسؤال هنا لماذا لم يقدم العرب على تشكيل جبهة وطنية وقومية شعبية ورسمية للوقوف الى جانب فلسطين قبل فوات الأوان حيث لا ينفع الندم فلنضع أحقادنا وخلافاتنا ضد بعضنا جانبا ولنتحد معا لأن أعداءنا لا يفرقون بيننا إن كنا مختلفين أو متصالحين فيما بيننا فهم ينظرون لنا كعرب أعداء يجب تدميرهم وتفتيت وحدتهم مهما كانت صغيرة أم كبيرة.
وفي ظل هذه الاوضاع نتطلع اليوم الى اهمية التوجه الى الجمعية العامة للامم المتحدة ومطالبة العالم بدعم جهود للوصول الى الاعتراف بدولة فلسطين ونقل ملف القضية الى اروقة الامم المتحدة بديلا لمسار المفاوضات العبثية ، ومواجهة المشروع الامريكي الصهيوني الهادف الى شطب الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني.
ولا بد من القول إذا كانت الاحتجاجات محقة وهي كذلك فعلاً فيجب ألا تخرج عن نطاق السعي لتغيير الظروف نحو الأفضل، فالفوضى ستدمر كل شيء ولن تكون هناك لا مطالب ولا مصالح ولا استجابات إلا لمن يسيطر على الشارع بالقوة، ولا نعتقد أن من يرغب في تحسين شروط حياته يريد الوصول إلى إنهاء كل شيء وإلغاء كل العناوين. ولهذا لابد من عدم فقدان البوصلة والعقل في كل ما يفعله الشعب إن أراد التغيير والحصول على حقوقه ومطالبه، وهذا يتطلب الكثير من الحكمة وقطع الطريق على العابثين والمخربين، وهذا يتطلب من القيادة الفلسطينية باتخاذ خطوات عاجلة وجادة لمنح المواطنين شعوراً حقيقياً بأن رسالتهم قد وصلت، وان مطالبهم قيد المعالجة بما هو ممكن ومتوفر لدى السلطة، وقد يكون مطلوباً إجراء تغييرات جدية في تركيبة المؤسسات الحكومية وخلق حالة من التفاعل والتكامل مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والشخصيات الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوصول إلى طريق يؤدي إلى معالجة المشاكل المتفاقمة. والأهم هو الوصول إلى خارطة طريق وطنية متفق عليها في الملف السياسي والخروج من حالة الضياع والانتظار والعجز التي نعيشها ، وعندها يمكن للناس تحمل الكثير من الصعاب والمشقة.
حتاما : لا بد من تحقيق أحلام الاجيال الشابة في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ، حتى تبقى فلسطين، القضية والإنسان، حيةً في وجداننا، فالشعب الفلسطيني الذي كتب بالدم رسالة فلسطين والحرية والاستقلال والعودة ، سيبقى متمسكا باهدافه حتى تحرير الارض والانسان .
كاتب سباسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت