قواعد البناء القوي للإنسان المسلم تربية نبوية

بقلم: آمال أبو خديجة

حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان . صحيح البخاري كتاب الإيمان .

أي بناء يحتاج إلى أساس قوي وأركان شديدة لُيبنى عليها ويثب
ت بقائه ولا يتعرض للسقوط والانهيار من أي كوارث أو أعراض زمنية تطرأ عليه، فإن كان البنيان الحجري يحتاج إلى ذلك فكيف ببناء الإنسان وهو أعظم المخلوقات وأكرمها عند الله وأشرفها .

فهنا ربط الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا واقعياً معاشا من حياتنا ليقرب لنا المفهوم التربوي الذي يريد لنا أن تدركه حتى نعتدل ونتعلم وتسوى به نفوسنا وأخلاقنا، فالتعليم القائم على الربط بالواقع والأشياء الملموسة والمرئية تكون أسرع في إيصال الفهم والإدراك فيما يراد تحقيقه من علم .

فالإسلام هو دين الله ومنهجه الذي بُعث به الرسل مبشرين ومنذرين وأراد أن يتحقق في قلوب البشرية منذ أن خلق الله أول الخلق، وفي مفهومه هو الاستسلام والانقياد والقبول والتسليم بما يُؤتى من عند الله دون اعتراض ولا إنكار، وهو أن تجعل كل حركة حياتك تسير باتجاه منهج الله الحق وضمن أوامره ونواهيه فلا تنحرف عنه ولا تخرج عنه فتكون من الفاسقين .

ولا يتحقق هذا الإسلام الحق في قلب العبد المسلم إلا إذا حقق أركانه وأسسه الثابتة في حياته ليكون ذلك البناء في أثره قوياً سليماً ملاحظاً في تفاصيل حياته كلها وعبادته ومعاملاته .

وأول أسس وثوابت بناء الإسلام الحق الصادق في قلب المسلم أن يشهده شهادة حق وإيمان بالتوحيد لله فلا يشرك معه أحدا ولا ينسب لغيره أي أمر ولا يوجه لغيره أي عمل ولا عبادة، فالشهادة الإعلان الصريح بالقول والفعل بما يؤمن به العبد المسلم من خلال منهج ذلك البناء ودين الإسلام وزيادة التعظيم والتسليم والتقديس له سبحانه فيبقى دائم الذكر لآياته وآلائه .

ولا ينفصل إعلان الشهادة بالتوحيد لله وحده سبحانه وتعالى عن إعلان الشهادة الصريح أن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسوله الخاتم والنبي الهادي المُبعث من عند ربه سبحانه وتعالى، ويكون التسليم بهذه الشهادة أن يؤمن المسلم بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر به وعمله دون أن يُحرف منه أو يزيد عليه، فسنته عليه الصلاة والسلام مكملة للدين من خلال ما تشرح وتفسر وتبين من أمور لم يشرحها القرآن الكريم بتفصيلها .

وكل من أمن بالتوحيد لله دون أن يُتبعه بالإيمان والشهادة بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به فذلك التسليم والإيمان لا ينفعه وفيه كفر وفسوق وتحريف للدين فطاعة الله مرتبطة بطاعة رسول الله وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك كثيرا في آيات كتابه بما أمر به المؤمنين بطاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما يأتي به فاختاره الله سبحانه واصطفاه على كل العالمين ليكون اسمه مرتبطا باسم ربه وذلك زيادة محبة له وتشريفا إليه صلى الله عليه وسلم .

ومن عظيم ما أكرم الله به نبيه وأمر به المؤمنين بأن ربط محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعة أمر تحقق للمسلم محبة الله والسير على طاعة لأنه هو الهادي والنور إلذي يقود إلى الحق والصراط المستقيم، وأمره بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم حتى أنه صلى الله عليه وملائكته في كتابه ليرفع من قدره في قلوب المؤمنين ويحقق به نصرة هذا الدين وقيام هذا البناء الحق .

إذا فالبناء الثابت لشخصية المسلم الحق يبدأ بالإيمان والتسليم بشهادة التوحيد وبيان ذلك بالقول والفعل والعمل وشهادة بصدق النبوة والبعثة المحمدية والمسارعة لإتباعها في كل تفاصيلها والدعوة إليها لأنها لا تنفك عن إعلان التوحيد لله سبحانه والعبودية لله وحده .

فإن تحققت هذه الشهادة بصدق في قلب المسلم وقام عليها سيتحقق فيه باقي أركان الإسلام والإيمان فيكون أول ما يجب على المسلم أن يبادر للعمل به وتحقيقه لإعلان انتمائه لهذا الدين الحق هو إظهار الصلاة بإقامتها وتحقيقها في حياته، وإقامة الصلاة تكون بأدائها بحقها وأن تؤدي هدفها في نفسية الإنسان المصلي حيث لا تُؤدي عن ظهر قلب أو كعادة سلوكية بل يجب أن تترك ذلك الأثر الإيماني والنفسي الذي يزيد ويرفع من رقي الإيمان والسلوكيات داخل شخصية الإنسان وبنائه وإلا كانت مجرد حركات يؤديها لا فائدة منها في حياة ومجتمعه .

فعندما تقام الصلاة بحقها في قلب وسلوك كل مسلم فرد وتقام في حياة جماعة سوف يؤدي ذلك لتزكية النفس وتطهيرها من أثر ما يعصى ويغفل عنه في زحمة الحياة وعنتها، فبعد انشغال العبد في أمور الدنيا ولهوها وتعبها يأتي وقت الصلاة يختلي فيها مع ربه ومحاسبه لنفسه ومراجعة لذاته ومهذبا لسلوكه ويكون في اليوم خمس مرات فما أن يأتي وقت نومه إلا وتحقق فيه الفضل الكثير من أثر تلك العبادة التي تقوي النفس والبدن وترتقي به ليكون خير الناس الذي ميزه الله ليكون قائدا للعالمين بقيادة منهجه .

وأول سلوك يقوم به العبد المسلم ليعلن هويته الإسلامية وانتمائه الصادق لها الصلاة ويقيم العبادة لله وحده مخلصاً فيها ، فالصلاة هي السلوك الإيماني والعبادة التي تقود قلب الإنسان لاستمرار بقائه مرتبطا بخالقه ومتذكرا له في كل أمر، ومن خلالها تتحقق التقوى والخشية منه سبحانه عندما يقيمها الإنسان المسلم بحقها وعلى أصولها .

ومن أجل تثبيت البناء النفسي على الإيمان والتقوى والتزكية الدائمة لله يجب على المسلم أن يمتلك الإحساس العالي باتجاه مجتمعه وحاجاته والمساهمة في بنائه وتطويره وتقديم ما يقدر عليه لكي يعمر ويصلح في الأرض فجاء الركن رابع لاستواء الإسلام وإقامته في النفس أن يؤدي المسلم حق أمواله التي وهبها لله إليه للفقراء والمساكين ومن فرض الله سبحانه عليه أن يُقدم لهم من ماله حتى تقام العدالة الاجتماعية وتعالج نفسية الفقير من خلال ما يقدمه المسلم الغني من مال يعلم أنه مال الله فيقدمه بنفس طيبة لا يتعالى فيها عليه ولا يذله بما قدم ولا يعيره بفقره ، كما أن الإنفاق وتقديم الزكاة في سبيل الله أكثر ما يطهر القلب ويمسح عنه القسوة والغفلة وينيره بالعلم والمعرفة ويزيد من رقته وطهارته ويغفر الذنب ويعجل المغفرة والرحمة من الله .

ويأتي الركن الخامس لبناء دين الإسلام في نفس المسلم الفرد والجماعة أن يؤدي ما فرض عليه من صيام شهر رمضان حيث يكون الصيام بمعناه الظاهري حرمان للنفس وحبسها عن الحاجات والشهوات ولكن ذلك يجب أن يقود لتدريبها على حبسها ومنعها عن فعل المعاصي والذنوب وتعديل للسلوك وتدريبها في كل عام على سلوكيات راقية ترتقي بها النفس لتعتدل بعد شهر الصيام في عباداتها ومعاملاتها سواء كان ذلك التعديل للسلوك على مستوى الفرد في تحقيق عبادته أو العبادة الجماعية التي يجب أنا تترك أثرا إيجابيا وسلوكا راقيا على تعاملات المسلمين بين بعضهم البعض خاصة أن شهر رمضان يتميز فيه زيادة التكافل والعطاء والتسامح بين المسلمين .

والركن السادس لبناء أسس قوية لدين الإسلام أن يؤدي الإنسان فريضة الحج والهجرة إلى الله ليغسل أثر خطاياه وذنوبه ويُعظم شعائر الله ويستشعر عظمة هذا الدين ووحدته في بلاد الأرض كلها ويرى فيه دين العدالة والرحمة وعدم التميز بين عربي وأعجمي ولا لون وعرق ولا حاكم ومحكوم فالكل سواء عند الله ولا فرق بين الناس إلا بدرجة التقوى والخشية من الله سبحانه وتعالى وفي ذلك يجب أن يتسابق المسلمون .

فالاجتماعي العالمي للمسلمين في بيته الحرام لتؤدي حركات عبادة واحدة في زمن واحد هذا يدل على مدى ذلك الاستسلام لله سبحانه وأن لا إله إلا هو ولا معبود سواه وأن كل البشرية خلقت لتوحد الله وتقيم عبادته وتسبيحه وشكره على هذه الأرض فيعود المسلم من طاعته الجماعية هذه وبعد أن ارتقت روحه من أنوار المكان وإشرافات الطاعة الدائمة والتفكر والتدبر لكل ما يرى ويشاهد لعظمة هذا الدين يعود بزيادة الاستمساك والاعتصام بدين الإسلام بعد رأى وعاش حلاوته وعظمته بما قدم لله في زيارة بيته وهجرته إليه فيعود نقياً طاهراً صافياً من كل ذنب ومعصية إن أخلص نيته في تلك العبادة لله وحده ليبدأ من جديد بعلاقة طاهرة صافيا مع ربه ويختم بها حياته على هذه الأرض .

إن هذه الأركان الأساسية التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإقامة دين الإسلام الحق السوي في قلب الفرد المسلم ومجتمعه يجب أن تقود بأثرها الإيماني والروحاني والعقدي إلى تغير وتحسين فمنهج حياة الناس وتثبيت أفئدتهم على الحق وأن تكون هي المنبع الأساس الذي يُرجع إليه عند كل أمر ، كما أن تلك العبادات والأركان جاءت لتبني جماعة المسلمين وتعزز الوحدة في قلبوهم والتكافل والتوحد لإقامة الحق والعدالة لكل فرد داخل المجتمع بعيدا عن أي مفاهيم دخيلة على عقيدتنا تسعى للتشويه وسيادة الفساد بين المجتمع المسلم .

فأصل الدين يُبنى على عبادات مخلصة لله وحده تقود فتحقق من أثرها البناء الداخلي السوي للإنسان ليرتقي نحو العلو النفسي بتحقيق التقوى والخشية لله والرجاء في رحمته والشكر له فهذا هدف الدين والوجود الإنسان على الأرض .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت