الوضع الفلسطيني وصل الى منزلق خطير

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي

أدرك أن الوضع الفلسطيني في منزلق خطير منذ زمن بعيد ولكن المنزلق الخطير الذي نحن بصدده هذه الأيام هو خطورة ما يجري على الأرض من تنفيذ لمخطط قديم كان مرفوضا فلسطينيا وعربيا ولا يحظى بدعم دولي ، ولكن تطورات الأحداث على الأرض جعلته يبدوا وكأنه إنجاز فلسطيني يجب الحفاظ عليه وبناء على هذه المعطيات سيحظ بدعم دولي وعربي تحت شعار " سنقبل بما يقبل به الشعب الفلسطيني " ، وما سأورده من كلمات لا تعدو قراءة لمجمل الأحداث التي تعصف تدريجيا بالواقع الفلسطيني ، وفي قلب تفاصيل الأحداث هناك أطراف تنفذ ما هو مطلوب منها عن علم ودراية مسبقة وهؤلاء جزء من الخطة الموضوعة سلفا وهناك أطراف يجرون الى هذه الخطة رغم أنفهم أي انه ليس أمامهم خيار سوى الاستمرار في المشاركة بتلك الأحداث وهناك أطراف تنطلي عليهم الشعارات وهم جزء من المؤامرة ولكن بدون وعي منهم .

لقد وقع الوضع الفلسطيني في خضم تنفيذ فرض الواقع المتوقع للقضية الفلسطينية منذ قرار شارون الانسحاب من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب وعبر خطة إسرائيلية محكمة ومضمونة النتائج عبر دراسات وتوقعات ووضع سيناريوهات لكل احتمال ولكن تطور الأحداث أراح الكيان الإسرائيلي من سيناريوهات عديدة كانت ستكلفه كثيرا وسارت الخطة في أسهل مراحل تنفيذها ، وعنوان الخطة الرئيسي هو فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية تدريجيا وبشكل عملي وعميق وهذا الفصل يجب أن يطول البعد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي معا دون الاستخفاف بأي وسيلة يمكن أن تربط بين المنطقتين المفصولتين جغرافيا ، ومما يسهل الأمر بأن هاتين المنطقتين لم تتوحدا يوما على شكل كيان واحد سوى في عهد السلطة الفلسطينية ولم تنجح التجربة بكامل فصولها وبقيت الكثير من القوانين المطبقة غير موحدة ، ثم كانت الانتخابات التشريعية التي أوصلت حركة حماس الى سدة الحكم ووضعت حركة فتح لأول مرة في تاريخها على كرسي المعارضة لتصبح القوة الثانية وبفارق كبير ، وحصل هذا دون استعداد ثقافي وبدون وعي مسبق وبالتالي لم يحتمل الوضع الفلسطيني هذه النتائج فكانت المرحلة الثالثة وهي الانقسام وهي نتيجة طبيعية للتركيبة الفكرية والتضاد الأيدلوجي القائم ، ثم السماح بتشكيل حكومتين إحداها في غزة والأخرى في الضفة الغربية وعمل المجتمع الدولي " والإسرائيلي " على إنجاح كلتا الحكومتين بوسائل مختلفة ومساعدة أطراف عربية لها راتباطاتها المعروفة بالمجتمع الدولي وبرسم سياسة المنطقة ليصبح هناك تحالفات إقليمية مرتبطة بطرفي الانقسام ، ثم مرحلة الربيع العربي وإفرازاته التي ستلعب دورا أساسيا في رسم الخارطة الفلسطينية القادمة من خلال إعادة رسم التحالفات الجديدة وهي مرتبطة بسقوط أنظمة ونشوء أخرى ، وهكذا تستمر الأحداث بشكل منسق وبخط مستقيم لا يكاد يشهد أي إعوجاج وكل الشواهد تتضح كل يوم بأن الأحداث تسير باتجاه محدد لفرض واقع فلسطيني لا يملك أصحابه إلا القبول به سواء كان بعضهم يدرك الحقيقة أو كان لا يدركها ، ووصل الأمر اليوم الى مدى يمكن قراءته بسهولة وهو نجاح تجربة الحكم في قطاع غزة وصموده في وجه الحصار ونجاحه في استقطاب التأييد الدولي الشعبي وشبه الرسمي وأصبحت " غزة " رقما صعبا وإسما يتلألأ في كل مكان بل إنه طغى على " فلسطين " في بعض المراحل ولا يملك أي فلسطيني أن ينتقد ذلك لأن مقاومة حصار غزة جزء أساس من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ، واختفت أمام هذه الصورة كل ما يحدث في الضفة الغربية وكان الفشل الذريع للإعلام الذي تحدث عن ممارسات الاحتلال في القدس أو الضفة الغربية أمام قوة الإعلام المساند لحصار غزة ، وهكذا بدأ الكيان الفلسطيني في قطاع غزة يأخذ شكلا جديدا نحو الاعتراف به كواقع لا يمكن تجاوزه بغض النظر عن المسمى الفعلي له .

وأمام هذه الصورة الحالية لابد من الرجوع للفكر الإسرائيلي ونظرته لحل القضية الفلسطينية وهي إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة في قطاع غزة – مع إمكانية توسيع أرض القطاع في أكثر من اتجاه تحت بند تبادل الأراضي المطروح على جدول المفاوضات - ، كان هذا السيناريو مرفوضا من كل الأطراف ولم يكن في يوم من الأيام السابقة طرحا منطقيا أو موضوعيا بحكم الواقع على الأرض ولكن تطور الأحداث في العشر سنوات الماضية يجعلنا ننظر تحت أقدامنا ونتحسس رؤوسنا لنجد أنفسنا شئنا أم أبينا في قلب هذا المخطط .

والتطور الجديد القادم هو إعلان فشل إدارة السلطة في رام الله على المستوى الاقتصادي والسياسي وبدء حملة تشهير ضدها وضد الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائها الدكتور سلام فياض ، وحتى تكتمل الصورة وندخل في المربع قبل الأخير يجب إعلان انهيار السلطة في الضفة الغربية - أو شبه انهيار - ، وإذا ربطنا ذلك بالدعوات والمبادرات التي تصدر من عدة أطراف وتدعو فيها الرئيس محمود عباس للاستقرار في قطاع غزة وإدارة شئون السلطة منها واعتبارها الجزء المحرر من الوطن وقيادة دفة المفاوضات وبناء السلطة من على أرضها ، ويمكن بعد ذلك الاعتراف الدولي في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية بشكل مؤقت على الأرض المحررة وتبدأ عملية المفاوضات على أسس جديدة وسيكون شعار المرحلة " نحافظ على ما تبقى من إنجازات للشعب الفلسطيني خير من انهيار الجميع " .

ويمكن على هذا الأساس بدء ترميم البناء الداخلي الفلسطيني والعودة لملف المصالحة لأن كل ما سبق ذكره لن تتمكن جهة بمفردها من القيام به بل يجب أن يكون ضمن التوافق الفلسطيني العام ، وسيكون ذلك مرتبط بتنفيذ مشاريع اقتصادية دولية كبيرة على حدود قطاع غزة مع جمهورية مصر مع ترتيبات وتفصيلات بمشاركة أطراف دولية وإقليمية فاعلة .

كل مراقب للأفكار والمقترحات المطروحة يجدها تصب في تحقيق هذا الاتجاه ، ولكن لا ينسى أحد أننا نعيش فوق أرض متحركة وليست ساكنة وتؤثر وتتأثر بما يحدث حولها ، هناك من يخططون ويبذلون كل جهدهم لتنفيذ مخططاتهم ولكن ليس كل ما يقال يتم على أرض الواقع هكذا علمتنا التجارب .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت