لست بالمجنون ولا بالخائن لقضايانا القومية حين أدعو لمرشح الرئاسة الأمريكي "رومني" – رغم عدائه الشديد لنا- بالفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، فلي مبرراتي ومسوغاتي، فلو اتسع لي صدركم وقرأتم كل مقالي لأدركتم تلك المبررات والمسوغات، ولشاركتموني دعواتي له بالظفر والنصر!!.
وكمقدمة لمبررات دعوتي بالنصر المؤزر لرومني هذا، أقول ... بأننا تالله وبالله لقد مللنا وضجرنا لكثرة ما كتبنا وحذرنا ونبهنا من سوء إدارة ملف قضية فلسطين، وتخبط القيادة الفلسطينية في كيفية نيل حقوق شعب فلسطين، فاتهمنا بمعاداة السلطة الفلسطينية، وبأننا نضع العصي في دواليب التسوية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ورعتها، ولقد عاشت منظمة التحرير الفلسطينية منذ انطلق قطار التسوية من محطته في أوسلو، ومعها وليدة التسوية قيادة السلطة الفلسطينية، على وهم كبير اسمه جهود السلام الأمريكية الساعية لإقرار السلام المزعوم في المنطقة العربية وإقامة دولة فلسطينية ولو على جزء يسير من أرض فلسطين التاريخية، جهود كاذبة مخادعة صاحبتها مفاوضات عبثية استنزفت كل طاقات أبناء فلسطين فيما كانت تصب في محصلتها النهائية في صالح "إسرائيل" وخدمة أهدافها، فيما تمكنت "إسرائيل" خلالها من ترسيخ أقدامها، وإحكام قبضتها الفولاذية على مجمل الأرض الفلسطينية، ولعل أبرز ما أنجزته من هذه التسوية يتمثل بالتنسيق الأمني بيننا وبين قوات احتلالها برعاية مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية كانت من نتائجه الوخيمة تعطيل بنادق المقاومة الفلسطينية الشريفة والزج بخيرة أبنائها في معتقلات وسجون الاحتلال!!.
وكتكملة لتبرير دعوتي بالنصر لرومني هذا، فإنني كنت وفي مقالات سابقة لي قد دعوت للاعتراف بحقيقة مؤلمة تحز في النفس وتقشعر لها الأبدان، حقيقة لا تقبل الإنكار والدحض، مفادها:
أولاً ... أن السياسة الصهيونية كانت قد تميزت بوضوح الرؤيا وثبات الموقف على مر العقود المنصرمة، وأن ساستهم وقادتهم وأولي أمرهم قد احترموا أهدافهم الموضوعة، فلم يتوانوا طرفة عين عن تحقيقها وتنفيذ أجندة كان قد وضعها لهم أسلافهم، بعكس ما تتصف بها سياستنا نحن العرب عموماً والفلسطينيين خاصة وللأسف الشديد، تلك السياسة التي اتصفت بالتحجر الذهني وقلة التدبر والتخبط والتأرجح والتراجع المستمر، فكان من تداعيات تلك السياسة التنازل التدريجي عن سقف حقوقنا وثوابتنا الوطنية تحت مختلف الذرائع والحجج الواهية، فبعدما كنا نتغنى بشعارات تحرير الأرض من النهر إلى البحر، صرنا نسعى خلف اعتراف بدولة مراقبة غير معترف بها في الأمم المتحدة!!.
ثانياً... أن للولايات المتحدة الأمريكية مصالح في منطقتنا تدفعها لأن تلعب دور راعي السلام من أجل تحقيق جملة أهداف لعل أهمها تعطيل المقاومة الفلسطينية الشريفة من جانب وتحقيق أهداف صهيونية من جانب آخر، وبذا فإنه لا سلام يرتجى مع من جاء ليسرق ويشَرِّد ويستوطن ويهوِّد، وأن السعي الحثيث خلف تسوية مهلهلة انطلق قطارها من أوسلو والجلوس إلى مائدة مفاوضات مع الجانب الصهيوني ما كان إلا عبثاً وضحكاً على الذقون، وأنها كانت تعطيلاً لجهد واقتدار وفعل أبناء فلسطين الغيارى الساعين لنيل حقوقهم السليبة، وأنها كانت بحق ملهاة قد جرنا إليها العدو الصهيوني بخبث ومكر وبتدليس غربي وتواطؤ وتخاذل أنظمة عربية مهين بقصد تمييع القضية وزرع حالة من اليأس والقنوط لدى الفلسطينيين، وترسيخ أقدام الصهاينة على أرض فلسطين بعد ممارسات قضم صهيوني تدريجي لها واستيطان متواصل ومستمر، يتزامن وتهويد مقدساتنا وزرع الفتنة بين نهجين فلسطينيين، أحدهما مع التسوية والأخر رافض لها!!.
ثالثاً ... أن هناك تحالفا استرتيجياً قويا بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني!؟، ذاك التحالف الذي ترجم مرارا وتكرارا بمواقف أمريكية داعمة للكيان الصهيوني في المحافل الدولية، وكان آخرها وليس أخيرها رفض الولايات المتحدة الأمريكية البات والقطعي لنية السيد الرئيس أبي مازن التوجه للأمم المتحدة بطلب إعلان دولة فلسطين!؟.
وبرغم تلك الحقائق الموضوعية والملموسة المذكورة آنفا، و برغم اعتراف أمريكي صريح وواضح بفشل جهودها الرامية لإقناع حكومات تل أبيب التي تعاقبت لوقف الاستيطان في أراضي الضفة الغربية!!، فلقد ظلت عيون الأنظمة العربية وقيادة السلطة الفلسطينية ترنوا بشغف ووله وعشق صوب بلاد العم سام وجهودها، متلهفة لما ستخرجه من خيارات جديدة تعمل على حلحلة الأوضاع المتأزمة كي يعاود قطار المفاوضات مسيره بعد كل تعثر له، حتى أدركت القيادة المشتركة الموحدة لـ"منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية" حقيقة عبث التسوية الأمريكية، وأن عملية السلام برعاية أمريكا قد ماتت وبانتظار دفنها رسمياً، وفاتها من الزمن الطويل كي تقرر أخيراً اللجوء إلى الأمم المتحدة لنيل اعتراف دولي بفلسطين كدولة مراقبة، ولا أزال أذكر جيدا مقالاً افتتاحياً لصحيفة الغارديان البريطانية الشهيرة كان قد نشر قبل سنتين من الآن تحت عنوان (عملية السلام في الشرق الأوسط: "ماتت ولم تدفن")، ونشره موقع BBC البريطاني الشهير، جاء فيه وأقتبس نصاً مقطعاً منه "يمكن القول إن عملية السلام في الشرق الأوسط ماتت حين أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما إقلاعه عن محاولة إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد الاستيطان في الأراضي المحتلة، ولم يسارع أحد إلى دفنها"... انتهى الاقتباس، كما وجاء في نفس المقال المقطع التالي وأقتبسه نصاً " أما الولايات المتحدة فلا تريد تحديد موعد الجنازة، لان الاعتراف بأن الموت قد وقع سيعني ضرورة فحص المجهودات التي بذلت على مدى 18 عاما دون جدوى، وهذا آخر شيء يريد فعله رئيس يطمح إلى الحصول على فترة رئاسية ثانية."... انتهى الاقتباس!!، ويبدو أن قيادة السلطة الفلسطينية وقادة أنظمتنا العربية وبرغم وضوح التدليس الأمريكي فإن العشم كان يملأ أنفسها فظلت تراهن على إمكان حلحلة الأوضاع وإقناع تل أبيب بجهود السلام الأمريكية!!.
أدرك تماماً، كما ويدرك الكثيرون من أبناء جلدتنا الشرفاء، بأن قادة أنظمتنا العربية وعلى رأسهم القيادة الفلسطينية الموقرة ستتراكض مسرعة مهللة مستبشرة صوب الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما لوحت لها الأخيرة بتسوية جديدة، أو إذا ما مارست نوعا من الضغط السياسي أو الاقتصادي عليها، فسرعان ما ستتناسى تلك الأنظمة والقيادات العربية والفلسطينية على حد سواء حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية غير مهتمة بتسوية القضية الفلسطينية بالشكل الذي يحقق لشعب فلسطين كرامته وحقه المهدور، بقدر ما هي مهتمة بضمان أمن "إسرائيل"، الحليف الستراتيجي لها باعتراف قادتها وساستها وفي أكثر من مرة، ولقد آن لقيادات أنظمتنا العربية والفلسطينية أن تعي بأننا إزاء تضارب مصالح، وأن مصلحة الفلسطينيين لم تؤخذ بنظر الاعتبار بالمطلق، فالدولة الفلسطينية الموعودة قد ضاعت وسط تلاقي مصالح أمريكية صهيونية، في ظل انبطاح عربي للهيمنة الغربية عموما والأمريكية خاصة وغياب استراتيجية واضحة المعالم لهم تعيد لقضية فلسطين بريقها وتحمي أبناء شعب فلسطين من ضياع حقوقهم و تتصدى لتلك المصالح الخبيثة الماكرة التي لا تعترف بحق الشعوب ولا كرامتهم ولا نضالهم الذي استمر طويلاً، في وقت تحقق للكيان الصهيوني من رحلة جهود أمريكا للسلام تمثل بالنقاط التالية:
1- أن اتفاق "الأرض مقابل السلام" قد أسفر عن تحقيق حدود آمنة للكيان الصهيوني، من خلال التنسيق الأمني الذي تم بين قوات الاحتلال الصهيوني وقوات أمن فلسطينية كانت قد استحدثت ودربت ومُوّلـَت برعاية أمريكية، واعتقال رجال المقاومة والزج بهم في المعتقلات والسجون بذريعة زعزعة خارطة الطريق واتفاقيات أوسلو!!، يقابله حكم ذاتي هزيل للفلسطينيين بسلطة فلسطينية لا حول لها ولا قوة يمارس فيها الصهاينة الاجتياحات والاعتقالات اليومية!!.
2- تصعيد سياسة الاستيطان ومصادرة وقضم مساحات كبيرة من الأرض الفلسطينية، وتهجير السكان من دورهم، وازدياد وتائر تهويد مدينة القدس حدة، وتغيير ممنهج مدروس على ديمغرافيتها السكانية!!.
3- فشل السلطة الفلسطينية في خلق اقتصاد فلسطيني مستقل لا يعتمد على معونات دولية أو عربية!!، وبالتالي إفقار ممنهج ومدروس قامت به حكومة سلام فياض للشعب الفلسطيني، ولعل أزمة عجز قيادة السلطة من تأمين صرف رواتب موظفيها خير دليل على صدق ما نقوله!!.
4- إجهاض محاولات لملمة الشأن الفلسطيني ورهن إتمام المصالحة الفلسطينية الفلسطينية بالموافقة الأمريكية!!.
كثيرة هي المواقف الأمريكية العدائية والمناهضة للحقوق العربية السليبة في فلسطين وغيرها من بلاد العرب، فبالأمس القريب، كان قد أطل علينا عضو الكونغرس الأمريكي، في سباقه الحميم للترشح عن الحزب الجمهوري،"نيوت جينجريتش" وراح يشبع شعبنا المرابط الصامد المحتسب في فلسطين السليبة الجريحة المغتصبة سباً وقذفاً واتهاماً، فتارة وصفهم بالإرهابيين، وأخرى نعتهم بأنهم شعب تم اختراعه، في خطوة منه ليست بالجديدة، بل هي في واقع أمرها ممارسة أمريكية قديمة تتجدد كل أربع سنوات في كرنفال السباق المحموم نحو البيت الأبيض الأمريكي!!، ثم أعقبها تكشير الولايات المتحدة الأمريكية عن أنيابها غضباً منها لخطوة القيادة الفلسطينية الرامية للحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين كعضو في منظمة اليونسكو، وراحت تمارس الضغط إجهاضاً منها لتلك العضوية الشرفية التي قد ترفع بعضا من معنويات أبناء فلسطين!!، وكثيرة هي المواقف الأمريكية المناوئة لنا في المحافل الدولية واستخدامها حق النقض، واليوم يطل علينا المرشح الرئاسي الأميركي "ميت رومني"، بتصريحات عن نيته وقف جهود السلام الأمريكية إذا ما فاز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأنني لأحمد الله حمداً كثيراً أن أنطق رومني بتصريحه ذاك، مما دعا "جاي كارني" - المتحدث الرسمي للبيت الأبيض الأمريكي – ليخرج إليه مناكفا محتجاً على تصريحاته تلك ومستنكرا فكرة إلغاء جهود السلام الأمريكية إذا ما فاز بالانتخابات الأمريكية القادمة، واصفا إياه بقلة الخبرة والدراية بالسياسة وبمصالح أمريكا، كما وانزلق لسان المتحدث باسم البيت الأبيض حين أكد بصراحة وبمنتهى الوضوح إلى مصالح أمريكية كامنة في جهود السلام تلك، وأن المصالح الأمريكية ستتضرر بالكامل لو توقفت جهود السلام الأمريكية تلك، وأن الاعتراف بالهزيمة في عملية السلام لا يخدم "مصالح!!" الولايات المتحدة الأمريكية، وأن على أمريكا أن تتجاهل ذاك الفشل في جهود السلام!!!؟.
ها قد وصلنا مربط فرسنا، فالإحباط واليأس من سياسة قادة أنظمتنا العربية – والفلسطينية تحديداً- تجعلنا نبحث عن بارقة أمل تنقذنا مما علقنا ونكبنا به جراء ممارساتهم وقصر نظرهم وسوء تدبيرهم، وإنني تالله لأرى في تصريحات رومني الأخيرة والخاصة بنيته وقف جهود السلام بمثابة قشة إنقاذ لغريق تتقاذفه الأمواج العاتية جراء سياسات ومواقف مخزية لقادة الأنظمة العربية والفلسطينية، تلك التصريحت التي أدخلت البهجة لقلبي رغم ما تلفظ به بحق الفلسطينيين من عبارات عداء وكره متجذر، وما أشجاني وأطربني أكثر ما قرأته من رد المتحدث باسم البيت الأبيض وكشفه حقيقة المصالح الأمريكية المتمثلة بضرورة استمرار جهود السلام الزائفة المخادعة التي لا تخدم غير مصالحها واستقرار وأمن "إسرائيل، فأي صراحة ومصداقية حديث أكثر مما جرى على لسان متحدث البيت الأبيض الأمريكي كي يفهم من لا يرضى أن يفهم ويعي حقيقة مواقف تلك الدولة العظمى!؟، وبأي صيغة من الكلمات والعبارات سيدرك فيها قادة أنظمتنا العربية عامة وقيادة م ت ف والسلطة الفلسطينية تحديداً كذب مساعي الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة بالسلام وإقامة دولة فلسطينية!؟، وأي مؤشر أكثر وضوحاً ستحتاجه قيادتا م ت ف والسلطة الوطنية الفلسطينية لتتيقن عبث ما آمنت به طويلا وصدقت به، لتندم على سنوات طويلة ضاعت، لاسيما إزاء الموقف الأمريكي الرسمي الأخير الذي اتخذته بالضد والرفض حيال نية الفلسطينيين الذهاب إلى الأمم المتحدة لنيل عضوية دولة مراقبة "فقط!!"!!
قيل قديما، رب ضارة نافعة، ونحمد الله الذي أنطق رومني بنيته تلك، بل وأتمنى من كل قلبي أن تتكلل جهود حملته بالفوز بالانتخابات الأمريكية لينفذ ما كان قد صرح به من إيقاف لجهود أمريكا للسلام، كي تتحقق جملة أهداف لم نكن نحلم بها من قبل لعل أهمها وأبرزها:
1- أننا سنتمكن أخيراً وربما إلى الأبد من التخلص من كذب وتدليس ما سمي جهود أمريكا الساعية لتحقيق سلام في ظاهرها، فيما كانت في باطن أمرها ترسيخا لأقدام الكيان الصهيوني وتنفيذا لأجندته المرسومة!!.
2- أننا سنتمكن من أن نرمي عن كواهلنا جهودا كانت ملهاة لشعبنا العربي والفلسطيني وتخديرا لأعصابه من جانب، وأماناً واستقراراً وتوسع للكيان الصهيوني من جانب آخر!!.
3- أننا سنرى الأنظمة العربية قاطبة - لاسيما منها تلك التي راهنت طويلاً على جهود الولايات المتحدة الأمريكية – عارية تماماً حتى من ورق التوت، ولتقبر وإلى الأبد مبادرة السلام العربية الكسيحة المذلة المفرطة بحق شعب فلسطين بكامل أرضه وتاريخه، لنرى بعدها ردة فعل شعوبنا العربية التي انتظرت طويلاً قادة أنظمتها العربية والتي راهنت طويلاً على مصداقية أمريكا حيال إقامة دولة فلسطينية، ثم نرى ما ستتخذه قيادتا م ت ف والسلطة الفلسطينية من خطوات بعدها!!.
لذا ... استحلفكم بالله أيها الخيرون الشرفاء الصابرون من أبناء أمتنا العربية، أيها الصامدون على أرض الرباط في فلسطين، أن ترفعوا أكفكم صادقين فتتضرعوا إلى الله العزيز القدير بأن ينصر "ميت رومني" في سباق الرئاسة الأمريكية، لا لشيء إلا لكي يتحقق ما وعد به من وقف جهود أمريكا للسلام، لتستريح بعدها أمتنا العربية من عناء تشبث قادتنا بجهود أمريكا للسلام، فيتعرى من يستحق أن يتعرى، ولتبيض وجوه كانت قد عرفت حقيقة التدليس الأمريكي، فيما ستسود وجوه قد راهنت طويلاً عليها، ويهنأ شعبنا الفلسطيني بعدما عرف طريق نجاته وخلاصه وكيفية استرداد كرامته!!.
اللهم آمين...
سماك العبوشي
22 أيلول / سبتمبر 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت