مطبات وحفر غزة وبغلة عمر

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي


رأى أحدهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أربعين سنة من وفاته .. وقد بدا عليه التعب والشدة .. فقال له : إني استرحتُ الآن من الحساب !
وقفت عند هذه الرؤية مشدوهاً واسترجعت من التاريخ سيرة عمر الفاروق رضي الله عنه .. الذي كان يقرقر بطنه ويخاطبها فيقول .. قرقري أو لا تقرقري والله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين جميعاً !

وهو الذي ينام وفي ثوبه 17 رقعة .. ويقال له : حكمت فعدلت فأمنت فنمت !

ووقفت عند قول عمر رضي الله عنه قال : والله لو عثرت بغلة في أحد أزقة العراق لخفت أن يسألني الله عنها .. لمَ لم أعبد الطريق لها !!
هذا عمر .. الذي نصر الله به الدين .. وكان ينطق بالوحي قبل نزوله .. وثاني الخلفاء الراشدين .. وعمله يعتبر سنة ، ومع كل هذا كان يخاف الحساب ..
قررت أن أراجع سيرته العطرة ، لأنه كان غير مدعى ، وبه من التواضع والحكمة ما يكفى العالم اجمع ..

لا ادري لماذا انحاز عقلي إلى عمر بالذات ، حين أرى شوارع غزة غير المعبدة ، والمليئة بالحفر التي قد تؤدى إلى انزلاق عشرات المركبات ، ونحن هنا لا نتحدث عن وقود ومواد تموينه ، بل نتحدث عن مسلمات لابد من توافرها ، نظرت إلى الشوارع بشي لم ينسجم مع التصريحات الوردية ، ونظرت معها إلى آلاف المطبات التي توضع كل بضعة أمتار على الشوارع الرئيسة ، وزعمت انه لابد لان توضع المطبات والحفر في منهاج التربية ، في مادة الجغرافية ، لأنها أصبحت جزء من تضاريس غزة ، ولابد الإشارة إلى أن قطاع غزة منطقة ساحلية فيها العديد من الحفر والمطبات ، وتحتل المركز الأول بالمطبات عالميا ، والمركز الثاني بالحفر بعد شوارع البصرة كنتيجة الحرب الأهلية هناك ..

وقفت وقرأت الفاتحة من جديد على روح عمر الذي خشي الحساب ، بسبب حفرة في البصرة ، وقلت لو استيقظ عمر من جديد ، ورأي شوارع غزة بحفرها ومطباتها اعتقد انه سيرتعد من شدة الحساب ، فكيف لو عرف عمر أن ملايين من الدولارات تهدر احتفالاً بانطلاقة بضعة عشر فصيلاً تكفى لتعبيد شوارع غزة وجيرانها ، وتكفى لتوظيف الآلاف من الخريجين العاطلين عن العمل ، رحمك الله يا عمر فمائة بغلة تتعثر في غزة ، ونحن لا نخشى الحساب ، والبوم يا سيدي بدلت البغلات بكايات وماجنومات ، فربما المبرر ياسيدى أن الكايات لا تتعثر من المطبات والحفر ، يا سيدي لا اعرف ، فغالبية فقرائنا لايملكون إلا سيارة قديمة ، شروها بعد ذهب مصاغ زوجاتهم لسد حاجاتهم وفقرهم في مخيم اللجوء بغزة ، ولكن عملهم طول النهار ملاحق بين حفر ومطبات ودمغات ، فقررت أخيرا أن أترحم عليك ، وعلى عدلك سيدي عمر بن الخطاب

د ناصر إسماعيل اليافاوي الأمين العام لمبادرة المثقفين العرب (وفاق)

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت