مسامير وأزاهير 307 ... "سرداب" المؤامرة المزعوم!!.

بقلم: سماك العبوشي


ما أن أنهى اللواء عدنان الضميري من إلقاء تصريحه عبر وسائل الإعلام الفلسطيني معلنا عن إنجاز وطني خارق للسلطة الوطنية الفلسطينية، باكتشاف قوات أمنه قبل أيام قلائل لسرداب يؤدي إلى سجن تابع لحركة "حماس" في قرية تعرف باسم "عوريف" جنوب نابلس والتي تقع ضمن المنطقة المصنفة (ج) والخاضعة للسيطرة الأمنية الصهيونية (قريبا من إحدى المستوطنات الصهيونية!!)، ثم أعقب ذاك التصريح خروج بيان لقيادة فتح وصف ذاك السرداب تارة بأنه سجن يستخدم لاحتجاز الفلسطينيين من قبل حركة حماس، وتارة أخرى بأنه قد أنشئ لزعزعة استقرار الأمن الفلسطيني الداخلي، وتارة ثالثة بأنه وكر ومنطلق لمؤامرة حمساوية للانقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية!!، فإذا بذاكرتي تسترجع بزهو وفخر كبيرين – في خضم هاجس تحليل ما سمعته من تصريح وبيان - صورة الأسير الصهيوني جلعاد شاليط وتداعيات المشاهد المشرفة التالية:
1- ظروف وملابسات عملية أسر الرقيب الصهيوني "جلعاد شاليط" في عملية "الوهم المبدد" التي نفذتها بتاريخ 25/6/2006 ثلاث قوى مسلحة وهي كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام، وكيف تمكنت حركة حماس في غزة من الاحتفاظ بهذا الأسير الصهيوني لخمس سنوات متواصلة دون أن تتمكن حكومة الاحتلال الصهيوني من تحرير أسره أو معرفة مكان احتجازه، برغم ما تملكه من أجهزة استخبارية قوية تتباهى بها يساندها عدد غير قليل ممن باعوا ضمائرهم الميتة مقابل حفنة من دولارات قذرة!!.
2- تداعيات تلك العملية على المشهد الصهيوني، حيث نظمت المظاهرات المستنكرة داخل الكيان الصهيوني، وأقيمت المسيرات الاحتجاجية ضد حكومة تل أبيب للضغط عليها من اجل الرضوخ للشروط المعروضة لإنجاز صفقة تبادل الأسرى!!.
3- حجم التخبط والصداع والإزعاج الذي أصيبت به حكومة الاحتلال وقوات أمنها، والذي تمثل بما أصدره جيش الاحتلال الصهيوني من أمر بقتل جنوده قبل أسرهم، تفاديًا لشاليط جديد مستقبلا قد يقض لهم مضجعهم كما أقضه أسر شاليط، كما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 25 أكتوبر 2011، فبينت بأن رئيس أركان الجيش "الإسرائيلي" بيني جانتس أمر بإرشاد قادة الوحدات العسكرية بسلسلة عمليات استباقية تمنع أسر جنود وإحباط ذلك بشكل مباشر في حال حدوثها وحتى لو كلف ذلك قتل جندي "إسرائيلي" يتعرض للأسر وهو ما يعرف بقاموس الجيش "الإسرائيلي" بـ "أمر هنيبعل" أو "نظام هنيبعل"!!.
4- صمود القائمين على عملية أسر شاليط وعدم اهتزاز معنوياتهم حتى كتب للصفقة التاريخية النجاح، فتم إبرام اتفاق على عملية تبادل الأسرى الفلسطينيين ضمن صفقة تم إطلاق سراح هذا الجندي، والتي بدأت صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 18 أكتوبر من عام 2011، أخرجت بموجب تلك الصفقة عشرات الأسرى والمعتقلين من مختلف الفصائل والتيارات الفلسطينية، كما وشملت الصحفية الأردنية أحلام التميمي ومحمد أبوخوصة وهو لعمري أقدم سجين فلسطيني!!.
5- تهديد ووعيد ووعد من كتائب القسام – الذراع العسكري المسلح لحركة حماس- وبعض فصائل فلسطينية مناوئة لخط التسوية بتخطيط وتنفيذ عمليات شبيهة بعملية أسر شاليط ، يتم من خلالها اختطاف جنود وقطعان مستوطنين لغرض مقايضتهم برجال أبطال اعتقلوا من بيوتهم أثناء اجتياحات قوات الاحتلال الصهيوني!!.


وعذراً أنني أطلت لضرورات ملحة، فكل ما تقدم آنفاً كان استهلالا وتوطئة لما سيأتي من حديث ذي شجون، وتتمة لما بدأنا مقالنا فيه حين خرج اللواء الضميري قبل أيام قلائل معلنا من خلال وسائل الإعلام الفلسطينية إنجازا وطنيا عظيما تمثل باكتشاف سرداب يقع في قرية عوريف شرقي مدينة نابلس في الضفة الغربية وقريبا من إحدى المستوطنات الصهيونية، واصفا إياه بأنه سجن يستخدم لاحتجاز الفلسطينيين من قبل حركة حماس، مضيفا في الوقت ذاته بأنه قد تم اعتقال عدد من القائمين على ذاك السرداب وهم قيد التحقيق، وأن حماس تبنى سجونا سرية في المحافظات الشمالية، وأنه لا يعرف الهدف من وراء ذلك!!، نافيا في الوقت ذاته أن من اعتقل على خلفية هذا السرداب كان متواجدا فيه!!، ليتبعه بعد ذلك المتحدث باسم حركة فتح – السيد أحمد عساف- ليلقي بيانا صادرا من مفوضية الإعلام والثقافة في حركة فتح واصفا إنشاء حماس لسجون سرية بأنه انتهاك للقانون!!، واصفا ذاك السرداب بأنه جريمة ترقى إلى مستوى الخيانة، لما يتضمنه من أضرار بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني وأمنه واستقراره في الوطن!!، ولم يكتف البيان عند هذا الحد، بل ووصف البيان: "إن إعلان المؤسسة الأمنية عن ضبط سجن سري مجهز بالاتصالات، يثبت بالدليل القاطع مخطط حماس في إنشاء كيانات سلطة خارجة على القانون تحت الأرض تمهيدا للانقلاب على السلطة الوطنية الشرعية كما حدث في قطاع غزة"!!.

وعلى ضوء تصريحات اللواء الضميري وبيان السيد أحمد عساف، فإنني أرى لزاما أن أطرح جملة من علامات الاستفهام الكبيرة وعلى شكل محاور وذلك تبياناً للحقيقة المجردة:
أولاً... ثمة تناقض صارخ ومفضوح، سواء في تصريح اللواء الضميري ذاته، أو مقارنة بين تصريح الأخير وما جاء في حيثيات البيان الذي ألقاه السيد أحمد عساف:
1- فتصريح اللواء الضميري تضمن قيام قوات الأمن الفلسطينية باعتقال عدد من (القائمين على ذاك السرداب!!)، وأنهم قيد التحقيق، في وقت نفى أن يكون هؤلاء المعتقلون قد تم اعتقالهم من داخل السرداب!؟، فكيف نفهم أن من اعتقلوا خارج السرداب هم القائمون على إدارته ومسئولون عنه!؟.
2- أكد اللواء الضميري بتصريحه ذاك بأن حماس تبنى سجونا سرية في المحافظات الشمالية، وانه لا يُعـْرَف الهدفُ من وراء ذلك!!؟، فإذا كان الضميري (وهو الخبير الأمني الكبير) قد اعترف بعظمة لسانه بعدم معرفته بدوافع وجود ذاك السرداب الذي أنشأته حركة حماس على حد زعمه!!، فكيف يتضمن البيان الذي ألقاه أحمد عساف تهمة مباشرة لحماس بتخطيط وتنفيذ مؤامرة لها تنطلق من سرداب داخل منطقة (ج) التي تقع تحت السيطرة الأمنية الصهيونية بنابلس، والتي يحظر على الأمن الفلسطيني التواجد فيها!؟.
3- وإذا كان اللواء الضميري قد اعترف بتصريحه بأن التحقيق مع المعتقلين ما يزال جاريا على قدم وساق، فهل يجوز والحالة هذه أن يتهم بيان السيد أحمد عساف صراحة حركة حماس بتلك التهمة الكبرى!؟.
4- كيف تناسى معد البيان من هي الجهة التي تزعزع الأمن والاستقرار الفلسطيني الداخلي، أيعقل أن سردابا واقعا في المنطقة (ج) المسيطر عليها من قبل قوات الاحتلال الصهيوني يكون سببا بتقويض الأمن الفلسطيني!؟، أم أن من يزعزع الأمن والاستقرار في مدن الضفة وقراها إنما هي اجتياحات وممارسات قوات الاحتلال البغيضة التي تعيث فيها فسادا كل يوم!؟.

ثانياً ... وإذا ما سلمنا جدلاً بأن ذاك السرداب كان قاعدة ووكراً لتنفيذ مؤامرة ضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فإنني أتساءل من جديد:
1- كيف تمكنت قوات الأمن الفلسطينية من الدخول أساساً إلى منطقة خاضعة للسيطرة الأمنية الصهيونية!؟.
2- أليس من المنطق أن يتم العثور على وثائق إدانة وخطط وخرائط وأدوات لتنفيذ تلك المؤامرة المزعومة ضد السلطة الفلسطينية، باستثناء ما أعلن عنه من عثور الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أجهزة اتصالات فقط!؟، لتكون حجة دامغة بيد السيد أحمد عساف فتأتي التهم بشكل منطقي مدعوم بالقرائن الجرمية!!؟.
3- كم عدد الأفراد من حماس الذين ألقي القبض عليهم داخل "سرداب المؤامرة الكبرى"!؟، في وقت كان اللواء الضميري قد نفى بتصريحه ذاك أن يكون من ألقي القبض عليه كان من داخل سرداب المؤامرة!!؟.
ثالثاً ... استبعاد نظرية المؤامرة الموجهة ضد السلطة الفلسطينية:
مادمنا قد ناقشنا آنفاً نظرية المؤامرة التي وردت في البيان أعلاه، فإنه لابد أن نناقش احتمالات أخرى تستبعد تلك النظرية الموجهة ضد السلطة الفلسطينية من أساسها، وننحو منحى آخر واضعين نصب أعيننا ما بدأناه من حديث عن أسر شاليط وملابسات احتجازه الطويل وصفقة تبادله بأسرة فلسطينيين، فلـِمَ لم تضع قيادة السلطة الفلسطينية في حسبانها – وفقا لسيناريو احتجاز شاليط لخمس سنوات متواصلة- بأن ذاك السرداب إنما هو مخبأ سري يتم فيه احتجاز من يتم أسره من قطعان المستوطنين أو جنود الاحتلال، لاسيما وأن التلفزيون العبري كان قد أعلن ذلك صراحة دون أن يتطرق لسرداب مؤامرة حماس للانقاض على السلطة الفلسطينية وتقويض منجزات الأخيرة الوطنية العظيمة المتمثلة بالحد من انتهاكات قوات الاحتلال ومنعها تهويد القدس وإيقاف سرطان انتشار وإقامة المستوطنات!؟، لاسيما في ظل المؤشرات والشواهد التالية:
1- ألا يعقل أن بعض أبناء فلسطين الشرفاء ممن يعارضون نهج السلطة العبثي الذي حشرنا في عنق الزجاجة، وآلمتهم ممارسات العدو الصهيوني، وذلك من خلال إعداد العدة وتهيئة مستلزمات أسر جنود صهاينة والاحتفاظ بهم في "سرداب المؤامرة المزعوم!!" الذي تم الكشف عنه، لاسيما أنه كان قريبا من مستوطنة صهيونية يسهل فيه اقتياد الجندي الصهيوني إلى ذاك المخبأ المجهز، ليكون ردا فلسطينيا طبيعيا ضد انتهاكات العدو من قضم واتساع استيطان وتهويد في مدن الضفة وقراها المستباحة ليل نهار، هذا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة استبعاد قيادة السلطة الفلسطينية لأي شكل من أشكال مقاومة الاحتلال من قاموسها!!؟.
2- كيف فات على قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية بأن أي حركة وطنية شريفة مناهضة لنهج الاستسلام وعبث التفاوض لابد وأن تمتلك تجهيزات وسراديب وأنفاق وغيرها، لاسيما وأن تلك الحركة ملاحقة من الاحتلال أو عملائه في الضفة المحتلة!؟.
3- وإذا كانت قيادة السلطة الفلسطينية قد تناست كل جرائم الصهاينة وانتهاكاتهم، كما وتناست مفهوم المقاومة الشرعي والمكفول دولياً وما يندرج ضمن مفهوم المقاومة من أسر جنود الاحتلال لمقايضتهم مستقبلا بأسرى فلسطينيين، فكيف تناست تلك القيادة أن هناك أشرافاً من أبناء فلسطين يتحينون الفرصة ويتحرقون شوقا ًلأسر جنود من قوات الاحتلال والاحتفاظ بهم في "سرداب المؤامرة المزعوم!!" المعلن عنه ليتم مقايضتهم فيما بعد بأسرى فلسطينيين أبطال تناستهم قيادة السلطة وطوت صفحتم بالشمع الأحمر!!؟.

الحديث لعمري ذو شجون، وهو يطول ويطول، ولا تفسير من وجهة نظري المتواضعة لما أعلن عن "سرداب المؤامرة المزعوم" ذاك إلا أنه قد جاء لامتصاص نقمة الشارع الفلسطيني جراء حالة الفقر المدقع وغلاء الأسعار واستشراء حالة الفساد والكساد والدخول في عنق الزجاجة سياسيا، وأنه قد كان هروبا للسلطة وقوات أمنها من تحمل المسؤوليات تجاه الغضب الشعبي العارم في الضفة المحتلة أولاً، و أنه تبرير وتصعيد للاعتقالات المستمرة تجاه شباب ورجال فلسطين ممن يعارضون نهج السلطة ثانياً، وأنه قد كان ترجمة حرفية صادقة على نهج تشبثت به قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية والمتمثل بحماية أمن قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال ومنع الأذى عنهم، وإبعاد شبح أسرهم واصطيادهم والوقوع في فخ رجال المقاومة كما تقع الأرانب في قبضة صياديها ثالثاً!!، ورسالة مكشوفة من قيادة السلطة الفلسطينية موجهة لحكومة النتن ياهو بأن السلطة الفلسطينية مازالت تحترم التنسيق الأمني المعقود بين قوات الأمن الفلسطينية وقوات الاحتلال الصهيوني، وأنها ملتزمة بمنع زلزلة الأرض تحت أقدام الغزاة أخيرا!!!.
ختاما أقول ... صحيح أن (اللي اختشوا ... ماتوا)!!!.

سماك العبوشي
28 أيلول / سبتمبر /2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت