كما هي العادة الدولية تنعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من كل عام على أعلى مستوياتها وتكون فرصة للقادة والزعماء من كافة أنحاء المعمورة للالتقاء وتبادل الآراء والذكريات ويجد الزعيم الجديد منهم فيها فرصة للتعارف على أكبر عدد من زعماء العالم ، وعادة ما تكون اللقاءات الجانبية على هامش المؤتمر أهم مما يدور في المؤتمر ذاته ، لأنه من الصعب أن يلتقي هذا العدد بهذا المستوى والقدر من قادة العالم في مكان واحد في غير هذه المناسبة ، وعند عودة كل زعيم الى بلاده يتم التفاخر بعدد الزعماء الذين التقاهم وحجم المعلومات التي حصل عليها وحجم التنسيق السياسي الذي حققه .
والى جانب ذلك فإن هذا اللقاء العالمي الكبير يكون فرصة مهمة لإلقاء الخطابات المعدة سلفا ويتبارى المتحدثون في قدرتهم على طرح أفكارهم وقضاياهم على مسمع من هذا العالم كون هذا المحفل العالمي هو العنوان الصحيح لطرح كافة المشكلات والاقتراحات التي تمر بها البلاد ، وهي كذلك فرصة لكسب الأصدقاء المؤيدين لما تطرح ، وفي ذات الوقت فرصة لتسمع رأي من يخالفك ولا يؤيد حقوقك ، في هذا المكان يحرص الجميع على الحضور دون استثناء ولا تملك الدولة المضيفة حق منع من يرغب في الحضور مهما كانت درجة العداء بينهما ، وتحت سقف الأمم المتحدة يجلس الجميع الأعداء مع الأصدقاء ، ويتحدث الجميع بما يشاء وكيف يشاء لا يحق لأحد أن يتدخل أو يقاطع أي متكلم والحق الوحيد المسموح استخدامه للدلالة على عدم الرضى هو الانسحاب الهادئ من القاعة وهذا الحق تمارسه أكثر من دولة وعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تنسحبان عندما يصعد الرئيس الإيراني لإلقاء كلمته ، وهكذا يستمع العالم لكثير من الخطابات بعضها يحمل أفكارا سياسية جديدة تستحق الاستماع لها والبعض الآخر يطرح أفكارا إنسانية وثقافية وبعضهم يقدم مقترحات حلول لبعض مشكلات عالمية اقتصادية أو عسكرية ، وهناك كلمات لا تستحق الاستماع لها لانها فارغة المضمون وصاحبها لا يعاني من أي مشكلة ولا يريد أن يكون طرفا في أي مشكلة عالمية .
ولكن هذه الخطابات تستمد قوتها وتأثيرها في كثير من الأحيان من قوة قائلها وهذه القوة متنوعة فأحيانا تكون من قوة ومكانة الدولة عالميا مثل كلمة الرئيس الأمريكي والدول الأساسية في الاتحاد الأوروبي ، وأحيانا تستمد الخطابات قوتها من مكانة الدولة في الصراع الدولي الحاصل في المنطقة مثل جمهورية إيران وفلسطين والكيان الإسرائيلي ، وقد تستمد الخطابات قوتها من مكانة الدولة في الساحة الإقليمية مثل تركيا ومصر والسعودية وغيرها وهكذا فإن قوة الخطاب ومدى الاهتمام به عالميا ينبع من مكانة المتحدث في الصراع العالمي الحالي .
ولكن متن الخطاب شيء والاهتمام العالمي فيه شيء آخر ، لأن مضمون الخطاب مرتبط بقوة وقدرة المتكلم على تحمل نتائج كلماته ، وهنا سنجد الخلاف الكبير في التعابير المستخدمة في تلك الخطابات ومدى قوة صراحتها في التعبير عن ذات المتكلم وهذه القضية مرتبطة بحجم إمكانيات الدولة وقدرتها على المواجهة ، وهنا نجد خطاب الرئيس الإيراني مثالا في قوة صراحته وهجومه على النظام الدولي الحالي وقوة مطالبته بحقوقه بشكل لا يقبل الجدل لأنه يرتكز على مقومات قوية تعطيه الحق في قوة خطابه ، وكذلك خطاب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي فهو يخاطب المجتمع الدولي بوقاحة متناهية متجاهلا حجم كيانه مقارنة بالواقع المحيط ولكنه يستمد قوة طرحه من القوى التي يستند عليها ، وعلى الطرف الآخر تجد الخطاب الفلسطيني الذي يحاول إيصال فكرته وما يريد من خلال الوصف التشخيصي للحالة القائمة وليس من واقع قوة الحق الذي يملكه لأنه يفتقر الى قوة الواقع ولا يستطيع تحمل تبعات صراحة أكثر من صراحة التشخيص ، وكذلك غالبية الخطابات العربية ومثيلاتها في هذا العالم فكلها خطابات تشخيص للواقع ومليئة بالآمال والتطلعات والوعود بالعمل على تحقيق أهداف مختلفة هنا وهناك .
قوة الخطاب تنبع من من القوة التي يملكها المتكلم ، فليس من الحكمة في شيء أن يخاطب من لا يملك أوراق القوة مثل خطاب من لديه القوة لأن هذا المحفل الدولي معد لكسب تأييد الأصدقاء وليس فقط استعراض للعضلات الغير موجودة أصلا كما أنه لا يمكن خداع الحضور لأن هذا الحفل ليس مؤتمرا شعبيا ولكن الحضور يعلمون دقائق الأمور وبالتالي من الصعب أن يدعي أحد شيء لا يملكه أصلا ، ومن الغباء الطلب من الخطيب أن يتناسي هذه المعادلة الصعبة ، ولكن على حامل القضية أن يكون قويا في طرحه مستندا للحقائق مقنعا في سرد الأحداث ومنطقيا في مطالبه ، وأي تراجع عن هذه الأسس يكون الخطيب لا يعرف قوة ذاته وقوة ما يحمله ، والقائد هو من يحسن تقدير مواطن قوته ويتحسس مواطن ضعفه .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت