رغم سخاء يد محمود عباس مع الإسرائيليين، وحرصه على توفير الأمن الذي حلم فيه أجدادهم، ورغم احتقار الرجل العلني للمقاومة، وتقديسه للمفاوضات، ورغم صمته عن كل الممارسات الإسرائيلية العدوانية، إلا أن الوحش المتطرف "ليبرمان" غير راضٍ عن كل ذلك، ويقف بكامل قوته الحزبية ضد رئيس السلطة محمود عباس، بل ويطالب حكومته بأن تتوقف عن مد يد العون له، ويقول غاضباً: للمرة الثانية نقلنا إليه أموالاً تتيح له دفع الرواتب، ولم يقل كلمة شكر واحدة. توجد فوضى في السلطة، وعباس يعرقل الآخرين فقط، فهو يشل فعالية سلام فياض، لقد صار عباس خارج الزمن، وليكشف للفلسطينيين عن حساباته البنكية، وعن حسابات أبنائه! ويضيف الوحش "ليبرمان": أنا أقيم علاقات مع محافل فلسطينية تحذر أمامي من مخططات حماس للاستيلاء على السلطة، يوجد اليوم في السلطة ما يكفي من البدائل التي هي ليست حماس، وعلى إسرائيل أن توقف التنفس الصناعي لعباس، لأنه يمنع نمو قيادة جديدة، ويزيد خطر سيطرة حماس على الضفة الغربية.
لقد كرر "ليبرمان" هجومه العنيف على محمود عباس في أكثر من مناسبة، رغم اعتراض كل قادة الأحزاب السياسية على تصريحاته، ورغم تحذيرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من انتفاضة فلسطينية في حالة غياب عباس، ورغم البراءة الرسمية للحكومة الإسرائيلية من تصريحات "ليبرمان"، إلا أن الوحش المتطرف يواصل هجومه المدروس والمتعمد على محمود عباس! فلماذا؟ ما الذي يريده ليبرمان في الضفة الغربية؟ ولماذا يفكر بصوت مرتفع وواثق بهذا الشكل غير الدبلوماسي؟ هل هو التنافس الحزبي لدى قادة الكيان الصهيوني، أم هو الغباء السياسي، أم أن لدى "ليبرمان" رؤية إستراتيجية للمنطقة، لا يجرؤ الآخرون على الإفصاح عنها؟ مهما تكن الأهداف، فإن تصريحات "ليبرمان" تكشف عن ثلاثة أبعاد مهمة.
أولاً: أن ما يريده اليهود بشكل عام هو أكثر بكثير مما قدمه لهم محمود عباس حتى الآن، إنهم لا يريدون قائداً فلسطينياً يحمل في يده المنديل، وينتظر على باب الغرفة، كي يمسح شفرة السكين التي ذبحت فيها المخابرات الإسرائيلية رجال المقاومة، اليهود يريدون قائداً فلسطينياً يذبح بيده رجال المقاومة الفلسطينية، ويتذلل لهم طلباً للمغفرة عن خطيئة العربي الشرير.
ثانياً: أن لدى "ليبرمان" والقيادة الإسرائيلية بدائل فلسطينية أكثير خنوعاً واستسلاماً وولاءً لإسرائيل من محمود عباس، قيادات فلسطينية لها اتصالاتها السرية مع الإسرائيليين، وجاهزون لتولي المسئولية، وهم على أتم الاستعداد لتحقيق أحلام الإسرائيليين في المنطقة العربية.
ثالثاً: هجوم ليبرمان على "عباس" يعكس رعباً يهودياً من قادم الأيام، ومن التطورات على الساحة العربية، وإمكانية سيطرة حركة حماس على مجمل الحياة السياسية الفلسطينية، فهو يحذر من قوة حركة حماس من خلال هجومه على محمود عباس، إن الخوف من حركة حماس لهو دافع "ليبرمان" لاستباق الأحداث، وإيجاد البدائل القيادية المقبولة، والمرضي عنها.
إن تصريحات "ليبرمان" تمثل إرادة غالبية الإسرائيليين المتطرفين ورغباتهم، وهؤلاء لهم الغلبة داخل الكيان الصهيوني، وهم أصحاب القرار في المرحلة القادمة، وهذه حقيقة تفرض على الشرفاء الأوفياء من حركة فتح أولاً، وتفرض على قادة التنظيمات الفلسطينية ثانياً، بأن تأخذ تصريحات "ليبرمان" مأخذ الجد، وأن تشرع في ترتب البيت الفلسطيني على قاعدة الالتقاء على برنامج المقاومة المسلحة، واحتقار الفلسطيني الجديد الذي صنعه الجنرال "دايتون".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت