فلسطين بحاجة الى حراك يذهل العالم

بقلم: عباس الجمعة


القضية الفلسطينية تمر الآن في إحدى أدق مراحلها خاصة وأن حكومة الاحتلال تواصل سياستها العنصرية والاستيطانية بهدف تهويد الارض والمقدسات الاسلامية والمسيحية ، ثم استمرارها في سياسة المماطلة والمراوغة وعدم استجابتها لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وبمتطلبات السلام العادل والدائم في المنطقة .

ان الواضح في خطاب الرئيس محمود عباس ، قد حظي بدعم المجتمع الدولي، إذ إنه الوحيد الذي قوبل بالتصفيق ثماني مرات، خصوصاً حين كان الرئيس يذكر بالحقوق الفلسطينية الأمر الذي يشير إلى أن القضية الفلسطينية تحظى بدعم متزايد، فيما تتزايد عزلة الكيان العنصري في المجتمع الدولي، وتلك قضية لا يمكن تجاهلها عند رسم السياسات.

امام هذا المشهد تعيش الساحة الفلسطينية ازمة وطنية نتيجة حالة الانقسام الداخلي المدمر التي لم تتمكن مختلف القوى والفصائل من وضع حد لهذه الكارثة غير المبررة في المرحلة الراهنة، حيث يمضي اصحاب النهج الانقسامي في رفضهم لكل الدعوات ، فيما يستمرون بإظهار الأسباب الواهية والتي تخفي حجم المصالح التي تحتكرها هذه الجهة من خلال خلق الذرائع لتبرير عدم وفاء بخصوص إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية والوفاء بتطبيق اليات اتفاق المصالحة على المستوى الوطني في الداخل والخارج، وإعطاء بارقة الأمل للشعب الفلسطيني ، وخاصة ان اطالة أمد الأزمة. يحمل من الآلام والمشاكل للشعب الفلسطيني ، مما يستدعي من الفصائل والقوى الوطنية العمل على تثوير الحراك الشعبي حتى تتمكن من اخذ دورها وجهودها وقدرتها في صياغة برنامج سياسي وكفاحي قادر على مواجهة الاستحقاقات والتحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية، حيث أن الخاسر الوحيد والأكبر من استمرار الانقسام هو الشعب الفلسطيني وقضيته المركزية، والرابح الأكبر هو الاحتلال .

ان صياغة توجه سياسي وطني امام العالم من أجل حصول فلسطين على عضوية كاملة في الامم المتحدة كما حصل في اليونسكو، يتطلب فرض أجندت سياسية على المنظمات والهيئات الدولية لتقوم بدورها في وقف العدوان والتجاوزات الصهيونية على الشرعية الدولية وقراراتها.

ومن هنا نرى ان إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني يتطلب الوقوف امام الاستحقاقات الوطنية الداخلية والهادفة إلى تجديد المؤسسات الوطنية عن طريق الانتخابات الشعبية المباشرة، وذلك لتطبيق اليات اتفاق المصالحة ، وهذا بكل تأكيد سيكون ملزم لكل الفصائل والقوى الفلسطينية وذلك من خلال اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ومن ثم المجلس الوطني الفلسطيني، وعدم انتظار الفرج الذي لن يأتي من قبل طرف لا يريد المصالحة وبعض من لهم مكاسب لا يتخلون عنها ، مما يستدعي إلزامهما وطنياً وشعبياً بضرورة إنجاز هذا الاستحقاق الوطني الملح والذي سيشكل إذا ما تمكنا من تحقيقه من إعادة الاعتبار لوحدة الموقف والأداة وتمكين الساحة من تجاوز مرحلة الانقسام وغياب الرؤية الوطنية الجامعة سياسياً وكفاحياً.

ان التوجه نحو إجراء الانتخابات المحلية في الضفة وعلى قاعدة التنافس الوطني لخدمة المواطن الفلسطيني ومواجهة الغطرسة والاعتداءات الصهيونية المتواصلة من قبل قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال، ستمنح حتما السلطات المحلية دماء جديدة قادرة على مواجهة التحديات المتواصلة واليومية، وتقديم الخدمات الضرورية للشعب الفلسطيني، وتعبيد الطريق لإجراء انتخابات وطنية شاملة تعيد الاعتبار للمشروع الوطني في إنجاز الخيارات في الوقت والمكان المناسبين ولا ندع مجالاً للذرائع والأعذار لتأجيلها نظراً لحجم المخاطر والخسائر التي ستترتب على مثل هكذا خيارات ضارة للشعب والقضية، فخيار مواجهة المشروع الصهيوني يفرض علينا سرعة في تحديد الخيارات الوطنية وإنجازها بما يمكن الحركةالوطنية من الإمساك بزمام المبادرة عوضاً عن انتظارها كما هو حاصل الآن

ولهذا لا بد ان نحذر من إن تداعيات الانقسام القائم في الحالة الفلسطينية لم تقف عند حدودها السياسية البحتة (أي إضعاف الحالة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، والاستيطان، وفي أعين الرأي العام والقوى الشقيقة عربياً ودولياً وإسلامياً) بل تعدتها إلى المس المباشر بالحياة اليومية للفلسطينيين، ولم بعد خفياً أن نفوذ التيار الانقسامي ، وبنسب غير متساوية بالطبع ،ما زال قوياً بحيث باستطاعته أن يعرقل تنفيذ اتفاقات المصالحة، وأنه بات يملك من الخبرة، في هذا المجال، ما يمكنه أن يغرق الحالة الفلسطينية، في التفاصيل والجزئيات، وأن يغيب القضايا الجوهرية.

ان الحملة المسمومة التي يقودها العنصري المستوطن ليبرمان ضد الرئيس محمود عباس بعد خطابه في الأمم المتحدة تأتي بالتوافق والتناغم مع رئيس الاحتلال نتانياهو، وهذا يتطلب العمل الجاد من اجل توفير الحماية الدولية للقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وسرعة التوافق الفلسطيني لانهاء الانقسام والانفصال الفلسطيني الذي لا يخدم سوى مصالح دولة الاحتلال.

إن المرحلة السياسية الراهنة التي نمر بها تتطلب تجديد الفكر السياسي لحركة التحرر الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني، وبوابة كل ذلك تحيقق الوحدة الوطنية الفلسطينية ورسم استراتيجية وطنية تؤكد أن لا سلام مع كيان عنصري استئصالي ، لا يعترف بالحدود الجغرافية للدول، ولا بالخرائط السياسية للشعوب، وجوهره احتلال الأرض وسلب الثروات والسيطرة على المصالح الحيوية من خلال الدعم الأمريكي للإجرام الإسرائيلي وتهديداته المتواصلة للرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية والدول .

ان من يعتقد بان بعض قوى " الإسلام السياسي " التي اتت نتيجة الثورات العربية بعد سقوط مبارك وزين العابدين والقذافي وصالح إلى موقع السلطة، بعد ان شكلت لهم هذه الثورات فرصة ذهبية أو جسراً استخدموه للعبور ، في ظل غياب تأثير الأحزاب اليسارية والديمقراطية والقومية، وبدعم مباشر وغير مباشر من الولايات المتحدة والنظام الرأسمالي الذي يجد في حركة الإخوان المسلمين ، قوة سياسية اجتماعية ، تتقاطع معه في الكثير من الأهداف والمصالح التي تضمن استمرار احتجاز تطور الشعوب العربية واستمرار تبعيتها واستغلال ثرواتها، وينتظر ان يقيم له امارة في فلسطين ، في محاولة لمواجهة الفكر التنويري ، الديمقراطي، العلماني التقدمي، الوطني والقومي، يكون مخطئ ، لان الشعب الفلسطيني ما زال في مرحلة تحرر وطني وهو يناضل من اجل تحرير ارضه واقامة دولته المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس .

ان الواجب، يفترض منا الاقتراب من شعبنا واحترام مشاعره الدينية، والتفاعل مع قضاياه وهمومه وجذبه إلي النضال من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وإنهاء كافة أشكال الاستغلال والقهر والاستبداد، وتوجيه بوصله نضاله بشكل صحيح نحو الاحتلال ، لأن من خلال ايماننا بالشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات الجسام ، يعي جيدا انه من الصعب المراهنة على جماعات الإسلام السياسي الفلسطينية في وضعها الراهن لأنها لن تكون حاملا للمشروع الوطني، وهذا يتطلب العمل من كافة الفصائل والقوى واشرائح الشعب الفلسطيني العمل على حماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني واستنهاض الطاقات من اجل تطوير وتفعيل الحراك الشعبي الفلسطيني بمواجهة الاحتلال والاستيطان وصولا لانتفاضة شعبية ثالثه تخلق من خلالها موازين القوى بعيدا عن مسار المفاوضات التي لم تجدي نفعا على مدار عشرون عاما .

ان الشعب الفلسطيني في اماكن اللجواء والشتات الذي عانى آلام النكبة منذ أربعة وستين عاما يعاني اليوم من نكبات اخرى نتيحة ما جرى له في العراق وقبلها ليبيا وبعدهما سوريا وما يتعرض له الشعب الفلسطيني على ارض فلسطين ، هذه النكبات تفاقمت تداعياتها وآثارها وتنوعت أشكالها، لتصبح نكبة مستمرة بسبب السياسات الاستعمارية والعنصرية التي تمارسها حكومة الاحتلال بحق الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم في فلسطين التاريخية والشتات دون ايجاد الحل الاساسي لهذا القضية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اقرت القرار 194 القاضي بحق العودة للاجئين من ابناء شعبنا الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عام 1948 واستعادتهم لممتلكاتهم وتعويضهم عما لحق بهم من ضرر، والمجتمع الدولي يعجز عن تطبيق ذلك القرار؛ لا بل ويمتنع عن توفير الحماية الدولية للاجئين الفلسطينيين كما هي مقررة لسائر لاجئي العالم.

إن شعباً تعرض لكل هذا, يعد من أكثر شعوب الكرة الأرضية توقاً للحرية والتحرر والانعتاق, وهو من أكثر شعوب الأمة تحسساً لنداء الحرية.
وامام كل ذلك نسلط الضوء على الوحشية التي يمارسها العدو الصهيوني بحق اسرى الحرية والاسيرات الماجدات ، هذا العدو المحتضَن والمدعوم من قبل الولايات المتحدة الذي يتشدّق بالحرية وحقوق الانسان.

إن سنوات الاسرى الذي يمضيها الاسرى الابطال في معتقلات العدو، تؤكد أن الصراع الحقيقي هو في مواجهة الاحتلال الذي يحتل الارض، وفي مواجهة المتآمرين الذين يساعدون الاحتلال وداعميه على إغراق أمتنا في ظلمات التخلف والتطرف، ودفعها إلى التخلي عن ذاتها وأرضها وقضيتها المركزية فلسطين.

ان صمود الاسرى البواسل ومقاومتهم للاحتلال، هو تعبير حقيقي عن مكامن قوة الشعب الفلسطيني التي تتمثل بإرداة الصراع وبإنسانها المقاوم، وهذا يرسخ الثقة بأننا في صراع الإرادات نحن الأقوى والأقدر على تحقيق الإنجازات والانتصارات، مما يشكل صفعة قوية لأولئك الذين يتربعون على العروش فيما هم في الحقيقة أسرى حقيقيون وأدوات للمشاريع الاستعمارية الجديدة التي تستهدف تفتيت الدول وإضعافها لمصلحة كيان العدو الإسرائيلي، ولكن نؤكد لابطال وقادة الحركة الاسيرة ان شعب الجبارين قادر على صنع المعجزات ، ومهما طال الاسر فأن ليل الأسرى في سجون العدو قصير، وصبح الحرية والتحرير آت لا محال.
ان إيماننا بآفاق المستقبل الواعد للشعب الفلسطيني ونحن نتطلع الى الانجازات التي تتحقق بفعل النضال الدبلوماسي للقيادة الفلسطينية ومن اجل الحصول على دولة غيرعضو في الجمعية العامة للامم المتحدة ، نرى ان اللحظة الثورية ، تؤكد بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دوراً رئيسياً فيها، بل يعني إنضاج عوامل وأدوات النضال بكافة اشكاله ، والاستجابة الموضوعية الملحة له من قلب واقعنا الراهن.

ختاما : أن الأمر أصبح يستدعي حراكا فلسطينيا يذهل العالم ويحقق مطالب الشعب الفلسطيني من خلال دعم كافة الشعوب العربية واحرار العالم الذين يؤمنون إيمانا عميقا بحقوق الإنسان ويكرهون الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني من قبل احتلال عنصري صهيوني متغطرس يمارس ابشع الجرائم على مرآى ومسمع العالم ، ومن هنا سيخرج المارد الفلسطيني ليقلب الموازين رأساً على عقب ، وليؤكد حقه في اقامة دولته على ارضه مهما كانت التضحيات .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت