فوضى سياسية لا أخلاقية

بقلم: غازي السعدي


في ظل الوضع المتأزم بين إسرائيل والفلسطينيين، وانغلاق الفرص لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، تعالت في الأفق فوضى سياسية لا أخلاقية، وطروحات جديدة-قديمة لن تؤدي إلى مخرج حقيقي، ومن هذه الطروحات، إلغاء اتفاق أوسلو، وحل السلطة الفلسطينية، وطرح وزير الجيش الإسرائيلي "ايهود باراك" للانسحاب الجزئي من الضفة الغربية، وإقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة، هذا الاقتراح الذي سبق طرحه قبل سنوات، ورفضه الفلسطينيون رفضاً قاطعاً.
ولمعرفة الأطماع وسوء النوايا الإسرائيلية، فقد كتب "دافيد بن غوريون" –أول رئيس وزراء في إسرائيل- رسالة لابنه عام 1937، يعرب فيها عن رغبته وتصميمه بوراثة البلاد كلها ولكن على مراحل، وفي عام 1947 حين كان "بن غوريون" يمارس نشاطه السياسي في الخارج، رد على رسالة لزوجته "باولا"، التي كتبت له بأن الرفاق في البلاد مستاؤون من قبوله لقرار التقسيم، فقال لها:"لنأخذ ما يعطى لنا والبقية تأتي"، وقبل حرب عام 1967 وحسب الوثائق الإسرائيلية، أعد "بن غوريون" مخططاً لاحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، فلا غرابة اليوم حين يتهمون الجانب الفلسطيني بالإخلال باتفاقات أوسلو، مع أن العكس هو الصحيح.
منذ وصول حكومة "نتنياهو" إلى الحكم عام 2009، وأصوات عديدة تنادي بحل السلطة الفلسطينية، وتحميل إسرائيل أعباء احتلالها للأراضي الفلسطينية، لكشف لعبتها في العالم في محاولتها إظهار علاقتها مع الفلسطينيين، بوضع سلام ووئام، لكن هذه المرة الأولى التي يناقش فيها المجلس الثوري الفلسطيني التابع لحركة فتح موضوع حل السلطة، كما وأن رئيس طاقم المفاوضات "صائب عريقات" قال بأن السلطة تنظر بجدية تامة في موضوع إلغاء اتفاقات أوسلو، التي وقعت عام 1993، طالما تستمر إسرائيل في خرقها وإفشالها لجهود السلام، ووفقاً لاتفاق أوسلو، كان المفروض أن ينتهي العمل بها، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بعد خمس سنوات من توقيعها، حتى أن وزير العدل الإسرائيلي السابق "د. يوسي بيلن"، وهو الأب الروحي لاتفاق أوسلو، وجه نداء حاراً للرئيس "محمود عباس"، دعاه فيه لإلغاء أوسلو، وتفكيك السلطة، وفي حديث مطول له مع القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي 21-9-2012، دعا "عباس" اليوم قبل الغد لإلغاء الاتفاق، الذي بات يشكل تدميراً وضياعاً لشعبه، وتحميل إسرائيل مسؤولية الاحتلال كاملة، من دفع رواتب الموظفين والمدرسين والأطباء والممرضين والشرطة، بعد أن فرّغ "نتنياهو" اوسلو من مضامينها.

إن المبادرات الوهمية، والثرثرات الإسرائيلية لا نهاية لها، كان آخرها دعوة وزير الجيش "باراك" إلى انفصال أحادي الجانب في الضفة الغربية، وإخلاء عشرات المستوطنات المعزولة، وتعويض مستوطنيها، وهذا يضمن بقاء 90% من المستوطنين في الضفة الغربية حسب خطته، إضافة إلى المحافظة على مناطق حيوية بالنسبة للجيش الإسرائيلي، وإبقاء قوات إسرائيلية في أغوار الأردن، ويكرر الطرح السابق الذي رفض بإقامة الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، وإذا استمر الفلسطينيون برفضهم لطرحه، يجب اتخاذ إجراءات عملية من أجل الانفصال أحادي الجانب حسب "باراك"، فالخطة مرفوضة فلسطينياً جملة وتفصيلاً، ثم أن "باراك" ليس صاحب قرار، وحتى أنه لا يمثل سياسة رئيس الحكومة "نتنياهو"، ولا حزب الليكود الحاكم، مما يعني بأن الطريق للتسوية مغلق، وعلى المجتمع الدولي تحميل إسرائيل المسؤولية بالكامل لإجهاضها عملية السلام، وتجاوزها للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، من جانبها قالت رئيسة حركة ميرتس "زهابا غلئون"-وهو حزب صغير لا تأثير له في الحلبة السياسية، مع أنه من أكثر الأحزاب اليهودية تعاطفاً مع القضية الفلسطينية- بأن حل الصراع يجب أن يستند إلى إنهاء الاحتلال، على أساس عام 1967، مع تبادل أراضٍ بالتوافق، وتقسيم القدس على أساس صيغة الرئيس السابق "بيل كلينتون"، وأن تكون الأحياء المقدسية العربية للفلسطينيين، والأحياء اليهودية لإسرائيل، وجاء في مشروعها أن على الحكومة أن تعلن عن تجميد فوري وكامل للاستيطان، وتأييد مبادرة السلام العربية، لكن في ظل هذه الأجواء اليمينية العنصرية المتطرفة التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، فلا أمل في تحقيق مبادرة ميرتس.
وزير الخارجية "ليبرمان" يريد استباق قيام الفلسطينيين بحل سلطتهم، فكلف المذكور طاقماً من وزرائه لمراجعة اتفاق أوسلو، قبل انتهاء سنته العشرون، معتبراً أن اتفاق أوسلو هو الخطوة السياسية الأكثر فشلاً منذ قيام إسرائيل، ويطالب بتقييم وباتخاذ موقف من علاقات إسرائيل بالسلطة، وعرض نموذج إستراتيجي جديد للعلاقات، يحل مكان اتفاق أوسلو، داعياً إلى حل السلطة، في نفس التوقيت الذي أعلن فيه المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، "ميت رومني"، عن عدم وجود أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية.
إسرائيل تتمسك بخمس لاءات من شأنها إغلاق أي حل، وهذه اللاءات هي: لا انسحاب عن الأراضي التي احتلتها عام 1967، لا لتقسيم القدس، لا لمبادرة السلام العربية، لا للدولة الفلسطينية، لا لميثاق عدم نشر السلاح النووي، فإسرائيل تبقى الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي تتمتع بهذه الإعفاءات.
في تقرير إستراتيجي لمركز بحوث الأمن القومي التابع لجامعة تل-أبيب 18-9-2012، تم تسليط الضوء على بدائل السياسة الإسرائيلية حيال الفلسطينيين، إذا لم يتم التوصل إلى تسوية دائمة في المستقبل المنظور، وجاء في التقرير، أن الجانب الفلسطيني منقسم سياسياً وإقليمياً، بينما الجانب الإسرائيلي منقسم سياسياً، والقوة فيه لمعارضي التسوية، وأن الولايات المتحدة معطلة عقب حملتها الانتخابية للرئاسة، ولديها أزمات أكثر حرجاً، كما جاء في التقرير أن التسوية مع الفلسطينيين من أكثر مواضيع الاختلافات المركزية في السياسات الإسرائيلية، مع أن أغلبية في المجتمع الإسرائيلي تؤيد الانفصال، وتطبيق حل الدولتين، أما البدائل الجديدة سياسياً حسب التقرير: "اقعد ولا تفعل شيئاً"، وهذه هي السياسة المفضلة لدى الساسة في إسرائيل، لأنها لا تلزم باتخاذ قرارات، يمكنها أن تؤدي إلى انهيار حكومات، وتمنع المواجهة مع الحركة الاستيطانية.
إن إسرائيل تزوّر الوقائع والحقائق، لكن أكثر ما تخشاه إسرائيل أن تؤدي الأزمة الاقتصادية للسلطة، إلى جانب الجمود السياسي إلى حدوث الانفجار، وهذا ما لا تتمنى الوصول إليه ذات يوم ، فهل يفعلها الفلسطينيون لتفجير الأزمة، وربما تؤدي إلى تحريك القضية؟.

التاريخ : 3/10/2012
مقال تحليلي

بقلم: غازي السعدي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت