المصالحة الغائبة والمغيبة

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


لم يعد يتحدث أحد عن المصالحة الفلسطينية ولم يعد يسأل الناس عنها وغابت أخبارها في زحمة الأحداث ، ولم يعد هناك قضية محددة تشغل بال المراقبين ويعيش الجميع حالة انتظار لحدث مجهول قادم ، لم يهتم الشارع الفلسطيني كثيرا لخطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة وكل من استمع للخطاب شعر بذات المرارة التي كان يتحدث بها الرئيس ولم يجد أحد جوابا شافيا لأسئلة كثيرة لم تعد مطروحة لمعرفة الجميع بأن المسئول ليس بأعلم من السائل ، وأصبحت ثقافة الشكوى هي السائدة ، الكل يشكو من الكل ، والكل يتمنى على الكل ، القيادة تشكو مثل المواطن تماما ، ولا يخجل مسئول رفيع أن يتحدث حول ضرورة تحقيق المصالحة وأن استمرار الانقسام يصب في مصلحة الاحتلال ، ولا يمكن تحقيق أي انجاز حقيقي طالما أن الانقسام قائم ، والكل يسأل ولكن لا أحد يملك الإجابة الحقيقية والتي يمكن أن تؤدي الى تغيير الواقع الفلسطيني المبهم .

خلال زيارتي لجمهورية مصر العربية ولقائي مع بعض المسئولين المهتمين بالشأن الفلسطيني وبملف المصالحة تجد ذات الأسئلة وذات المرارة والسؤال المكرر ماذا يمكننا فعله الآن ؟ وهل لازال بالإمكان فعل شيء ؟ أم أن الظروف والمتغيرات على الأرض تجاوزت قضية المصالحة بعد أن أصبح الحديث يعلو في استقرار الأوضاع في قطاع غزة تمهيدا لصناعة كيان خاص بطبيعة خاصة يحمل مقومات " شبه دولة " ، وأصبحت المسافة السياسية والمعنوية بين قطاع غزة والضفة الغربية أطول بكثير من المسافة الجغرافية بينهما والمسافة بين الطرفين والقدس أطول من كلاهما ، وهناك واقع يتم ترسيخه بشكل ممنهج سيكون من الصعب تجاوزه وستجد كل الأطراف نفسها مضطرة بقناعة أو بغير قناعة للسير في هذا الطريق المرسوم ولا أحد يمكنه الاجتهاد ماذا ستكون نهاية هذا الطريق .

طرح هذا المسئول خياران إما الاستمرار بذات النهج الحالي وهو العمل على تحقيق المصالحة ببعدها الشامل ومطالبة الرئيس محمود عباس وحركة فتح وكذلك حركة حماس بتنفيذ ما تم التوافق عليه في الحوارات السابقة وخاصة تفاهمات قطر التي تدعو الرئيس للبدء بتشكيل حكومة توافق وطني ثم التوجه نحو الانتخابات الرئاسية والتشريعية والتزام الجميع بكل ما تم التوافق حوله ، وأما الخيار الثاني فهو العودة الى مربع لجنة التنسيق بين الكيانين في حالة صعوبة تنفيذ التفاهمات السابقة وهذا الخيار قد يكون أكثر عملية من الخيار الأول وقد يجد له فرصة لتطبيقه على أرض الواقع .
واضح في ثنايا هذا الحديث مدى الإحباط الشديد الذي أصاب المسئولين جميعا من تحقيق المصالحة وصعوبة ربطها بالتطورات الجارية على أرض الواقع وترسيخ حكم كل طرف على البقعة الجغرافية الحاكم فيها واستغلال الظروف لتحقيق ذلك وعدم ربطها بالكل الوطني ، ومع ذلك فقد تقدمت باقتراح وسطي بين الخيارين وهو التعامل مع الخيارين بشكل متواز وليس اعتماد خيار على حساب الآخر ، وإذا كان تحقيق المصالحة الشاملة يحتاج الى جهد ووقت فهذا لا يمنع خلال هذا الوقت تحقيق التنسيق وتخفيف الاحتقان ولكن هذا التنسيق يجب أن يتحقق على قاعدة تحقيق المصالحة الشاملة وليس استغلال طرف ذلك لتعزيز حكمه الى سنوات قادمة ويمكن الجمع بين الخيارين والبدء بالخطوات القابلة للتنفيذ وستجد في قلب كل طرف مخلصين وعاملين لتحقيق المصالحة الشاملة .

الوضع الفلسطيني ليس مطمئنا والمشروع الوطني يشهد حالة من الإنحسار والتراجع والاهتمام الشعبي لم يعد كما كان وهذا الأخطر ، والقادة لا يستشعرون الخطر الحقيقي الذي ينتظر القضية الفلسطينية ، بالرغم من كل ذلك ستبقى القضية الفلسطينية مركز هام لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة ولا يمكن لأي زعيم أن يتجاوز القضية الفلسطينية وهذا الإنحسار سيكون مؤقت ولن يطول لأن القضية الفلسطينية قضية شعب حي لن يموت أبدا ، وهناك من المفكرين والمبدعين الذين لا يستسلمون للواقع مهما كان صعبا وهنا المفكرون الذين لازالوا يطرحون المبادرات التي تتجاوز حدود الانقسام ورفضوا أن يعترفوا بصعوبة الواقع وتعقيداته وتقدموا بطرح واسع وشامل لإحياء المشروع الوطني الفلسطيني بكل أبعاده السياسية والثقافية والاقتصادية وضروة إعادة مكانته المفقودة لصدراة الاهتمام ، هناك من يريد ويخطط لتقزيم الفكر الفلسطيني وحصره في المتطلبات الحياتية فقط من كهرباء ووقود ورواتب ومعبر وغيرها من المشاكل الحياتية دونما التطرق الى أصل المشكلة وهو الانتهاء والتخلص من هيمنة الاحتلال وإنهاء الانقسام وتجديد الثقة بالذات الفلسطينية القادرة على وضع حلول إبداعية لكافة مشكلاته ولابد أن تعود القضية الفلسطينية الى صدارة الأحداث ، وأن تكون جزءا إيجابيا في التحرك العربي " الربيع العربي " ، يجب أن نعود الى حركة الشعوب من جديد واستغلال المتغيرات لصالح قضيتنا .

هذا التحرك الفلسطيني سينجح في إيصال رسالته الى كل الشعوب الغاضبة لتغضب من أجل القدس كما غضبت من أجل فيلم تافه لأنه مس حياة رسولنا محمد – عليه الصلاة والسلام – وطالما هذه الشعوب لازال لديها الإحساس بالغضب تجاه المقدسات فالغضب من أجل القدس أولى لمكانتها في قلوب المسلمين ، فكيف يمكن تحريك هذه المشاعر الغاضبة نحو القدس طالما الحال الفلسطيني كما هو ؟

م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت