أمريكا في طريقها للغضب أو أنها غضبت لأنها لا توافق على الخطة الفلسطينية للسعي نحو الحصول على عضوية الدولة من الأمم المتحدة , وغضبها هذا جاء ليس لحماية حقوق الفلسطينيين و الدفاع عنها بالطبع , وليس لان الفلسطينيين في حصار وجوع وعوز وحرمان , غضبت لان الفلسطينيين ضجروا من حكاية أمريكا القاتلة للزعم بأنها تدافع عن السلام بالمنطقة , غضبت لان الفلسطينيين على وشك أن يحملوا العالم مسؤولية المعاناة والألم المتواصل للأجيال الفلسطينية المتعاقبة, غضبت لأنها لا تريد الفلسطينيين أن يفكروا في أكثر من إدارة شئونهم الداخلية , غضبت لأنها تريد من الفلسطينيين البقاء في انتظار الحل الأمريكي الذي لن يأتي نزيها أو سريعا للصراع , غضبت لان الفلسطينيين يعملون الآن بشكل دبلوماسي فلسطيني مستقل لا يخضع لرغبة أمريكية أو لحالة المد والجزر الأمريكي المحسوب لإسرائيل, وقد يترجم هذا الغضب في المرحلة القادمة بحصار سياسيي واقتصادي مروع للسلطة الفلسطينية ,كما وان أوساطاُ أمريكية تهدد منظمة التحرير الفلسطينية مباشرة بحرب سياسية غير مسبوقة قد تتسبب بتصفية تمثيلها الدبلوماسي في العديد من الدول وخاصة الدول التي تسير وتدور في فلك أمريكا وإسرائيل.
غضبت أو لم تغضب أمريكا هو ذات المشهد لأنه يأتي تحت عنوان الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل وهى تنفذ مخططاتها المروعة تجاه تصفية القضية الفلسطينية وتعيق أي ولادة لدولة فلسطينية على الأرض الفلسطينية , وهذا يتطلب أن لا يعير الفلسطينيون انتباها لهذه الحالة لان مراعاة المزاج الأمريكي والحرص على عدم غضبهم يعنى ترك أمريكا تتفرد بالصراع لصالح إسرائيل على مختلف مراحله و يعني أن أمريكا ستبقي اللاعب الوحيد بالمنطقة كلها والعالم ,ويعني أن أمريكا تعتبر سياستها الداخلية سواء قبل الانتخابات أو بعدها فوق أي طموحات عربية بما فيها الطموح الفلسطيني ,وتعتبر رغباتها السياسية فوق القانون الدولي وفوق شرعية و وجود الهيئات الأممية الداعية لنشر الأمن و السلم الدولي ,وتعتبر أن الأمن والسلم الدولي ينتشر من خلال سياستها التي تزعم أنها سياسة عادلة وسياسة تبنى على قاعدة الديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان .
غريب مزاج أمريكا اليوم فهي تغضب اليوم لان الفلسطينيين يبحثوا عن السلام من خلال هيئات السلم والأمن العالمي ولم تغضب لان الفلسطينيين ذبحوا أكثر من مرة ومازالوا يذبحون بالسكين الصهيونية وتنتهك حقوقهم من الألف إلى الياء , فلم تغضب أمريكا لان ارض الفلسطينيين محتله و ومقدساتهم مدنسة و قراهم ومدنهم في حصار قاتل وطعامهم يحصلوا عليه بشق الأنفس و في غالب الأحيان لا يعرفوا هل يجدوا طعاما غدا أم لا ,لم تغضب أمريكا عندما استبيحت دماء المسلمين المصلين في المسجد الإبراهيمي على يد القاتل غولدشتاين , أمريكا لم تغضب عندما ذبح المئات بل الآلاف من الفلسطينيين في قانا وصابرا وشاتيلا وغزة ونابلس وجنين وبيت لحم , أمريكا لم تغضب لان التطرف والتمييز العنصري من أولويات الممارسة الاحتلالية الصهيونية , لم تغضب أمريكا عندما أكل الجدار العازل ارض الفلسطينيين وخنق حياتهم وحاصر تحركاتهم , لم تغضب أمريكا و أبواب المدن الفلسطينية تغلقها حواجز الاحتلال الصهيوني , لم تغضب أمريكا وإسرائيل اعتقلت أكثر من ثلث الشعب الفلسطيني في سجون علنية وسرية , لم تغضب أمريكا وأكثر من نصف مليون فلسطيني استشهدوا على أيدي عصابات صهيونية مسلحة , لم تغضب أمريكا والمستوطنين الصهاينة يطردوا الفلسطينيين الآمنين من بيوتهم ومزارعهم وحقولهم وقراهم ليقيموا و يسكنوا فيها , لم تغضب أمريكا من نفسها عندما تغمض عينيها عن كل هذه الجرائم , و لم تغضب أمريكا عندما يتم تجاهل القرارات الدولية الصادرة من الهيئات الأممية لصالح فلسطين , و لم تغضب أو تستحي أمريكا عندما تستخدم حق النقد الفيتو في مجلس الأمن للدفاع عن جرائم المحتل الصهيوني و تشريع احتلال البلاد و العباد .
إذا كانت كل هذه الجرائم لم تغضب أمريكا ولم تكن سببا حتى لتشجب وتدين قولا و ليس فعلا , ولم تحرك في ضميرها الإنساني مجرد شفقة تدفعها للعب دور ايجابي وعادل في الصراع من خلاله تستطيع أن تحمي وجهها وتحمي مواطنيها أينما ذهبوا , وفي نفس الوقت يساهم هذا الدور في إنهاء الصراع التاريخي على أسس دولية وقواعد تمكن الطرفين من النمو والتطور ورعاية شعوبهم , لهذا لم نصدم عندما حذرت أمريكا الدول الأوربية من التصويت لفلسطين في مشروعها أمام الأمم المتحدة للحصول على عضوية الدولة و حتى لو دولة مراقب و توعدت الفلسطينيين بعواقب وخيمة , لم نصدم عندما توعدت أمريكا الفلسطينيين بجوع وفقر مقصود لتركيع القيادة الفلسطينية و ثنيها عن مسعاها الشرعي , لم نصدم عندما تهدد إسرائيل رأس الشرعية الفلسطينية علنا بالتصفية الجسدية , و لم نصدم عندما تصبح شبكة الأمان العربية حبرا على ورق , لذا فأننا نجوع ولن نركع , ماضون نحو الشرعية وماضون نحو تثبيت حقوقنا في الدولة و القدس وعودة اللاجئين والحدود و المياه وإطلاق سراح كافة الأسري بلا شروط أو قيود و لتغضب أمريكا كما تشاء و ليغضب معها من يغضب .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت