أما من أحد ينتصر لهذه الجامعة فيغار عليها ويترفق بها؟!

بقلم: أيوب عثمان


أين رئيس مجلس أمناء جامعة الأزهر؟ ليته الآن يأتي ليرى ما أنا الآن أرى! ولكي نجعله يرى ما رأينا غير مرة، فقد اتصلت به وقد اتصل به غيري ذات مرة أمامي فقال: "ها أنذا قادم"، لكنه لم يأت، ولم يعتذر أنه لم يأت! ولماذا رئيس مجلس الأمناء بالذات دون غيره؟ رب سائل يسأل. الجواب: لأن الأمر أمر يختص بالمراقبة والمحاسبة، ولأن رئيس مجلس أمناء الجامعة يحتل مركز الصدارة ويقف على رأس المراقبة والمحاسبة فيها، ولأن من هم دونه في الجهاز التنفيذي بدءاً من رئيس الجامعة الذي يمثل أعلى الهرم فيه قد أخذوا علماً بما لدينا واستحثثناهم واستنهضنا الهمم فيهم كي يتجشموا بعض عناء فيروا ما رأينا وما نزال نرى، دون إجابة، حيث لا حياة لمن تنادي، ولأن رئيس مجلس الأمناء هو الآخر أخذ علماً بمثل ذلك، وفي أكثر من مرة، دون أن يحرك هو الآخر أي ساكن إلا في أمر يهمه أو يهتم به، سواء كان له أو لمن سواه.

لقد شكونا غير مرة ثم عدنا فشكونا وشكونا إلى أن سئمت منا الشكاوى، وغضب علينا المشتكى إليهم والمشتكى عليهم على حد سواء، غير أنه سرعان ما تحول المشتكى إليهم إلى مشتكى عليهم لتخاذلهم وقعودهم عن تحريك ساكن في سياق الشكاوى! واحسرتاه، فلمن نشكو؟!

إذا كان المشتكى له- والذي يفرض عليه موقعه أن يعيد الضال إلى جادة صوابه- يتحول، بموقفه أو بموقعه، إلى داعم للضال فيخفت صوت الحق والصواب ليعلو صوت الباطل والضلال. لمن نشكو، إذن؟!

شكونا قبل اليوم مرة ومرة ومرات حول أمر بات الخجل يلفعنا حياله ومن تكرار الشكوى بصدده: ألم نشك مراراً وتكراراً من عدم توفر الكرسي والطاولة في قاعة المحاضرة في كثير من الأحيان؟! ألم نقل في سياق هذه الشكوى وتكرارها إن جامعتنا أصبحت جامعة الطاولة والكرسي؟! ألم نشك مرة ومرة ومرات من الكتابات والقذارات على الجدران في قاعات الدرس وفي الحمامات؟! ألم نشك من عبارات قذرة وألفاظ معيبة وأخرى تحط بكرامة الإنسان وتخدش حياءه في قاعات الدرس وفي الحمامات؟! ألم نشك من أبواب قاعات وشبابيك تأبى إلا أن تظل مفتوحة وإن غلقت فإنها لا تفتح؟! ألم نشك من شبابيك وأبواب ومقابض أبواب وكراسي وطاولات خربة؟! ألم نشك من فقدان زجاج فتحات أبواب القاعات الدراسية التي يسبب فقدانها الكثير من الإشكاليات، والتي من بينها دفع بعض الطلاب رؤوسهم ورقابهم عبرها؟! ألم نشك من عدم وجود مراوح في كثير من القاعات؟! ألم نحذر من سقوط شبابيك معلقة على رأس طالب أو أستاذ أو عامل أو زائر فتصبح جامعتنا للقتل موئلاً لا سيما بعد مقتل المحاضر ياسر المدهون والطالب/ خليل الطويل؟! ألم نلفت الانتباه إلى قذارة الشبابيك الزجاجية في جامعة زجاجية كجامعتنا كلها والحمد لله زجاج في زجاج تحول إلى زجاج واجهته قذارة في زجاج تحتوية القذارة؟!

هل جرب رئيس الجامعة وأعضاء مجلسها النظر- ولو مرة- فيما قلناه سابقاً وفيما الآن ندعيه؟! هل جرب رئيس مجلس الأمناء أن يتحقق مما قلناه له سابقا ًوفيما الآن نزعمه؟! هل يقبل رئيس الجامعة أو العمداء بتلك الكراسي والطاولات؟! وهل تتناسب تلك الكراسي والطاولات مع جامعة أخذ مدعو الربوبية عليها على وصفها دوماً- وبالفم المليان- أنها جامعة ولا كل الجامعات؟! هل اطلع رئيس مجلس الأمناء ومعاونوه على قاعات الدرس ليروا فيها ما لا يحبون وعلى مرافق الجامعة ليروا فيها ما تعافه نفوسهم؟! إنني أجزم متحدياً أن أحداً- ومهما بلغت للجامعة حماسته السلبية ودفاعه الجدلي الأجوف وغير المنطقي عنها - سوف يقبل بكرسي الأستاذ وطاولته، أوسيقبل بمقاعد الطلبة وما ارتبط بها من خراب وفوضى وخلل وقذارة.

إذا كان الباب الغربي الصغير الذي أمضت الجامعة لإعادة ترميمه خمسة أشهر وزيادة، فكم من الوقت سننتظر، يا ترى، إلى أن ينجز المصعد؟! كم سنظل نعاني – طلبة وأساتذة- من سيارات النقل التي تفرغ أحمالها من الحجارة والرمال والإسمنت والحديد والمعدات أثناء الدوام الجامعي والتحصيل العلمي؟! كم من الوقت سننتظر وسنتحمل الدق والخبط والمرزبات والسحج والجلخ والقص وسحب قضبان الحديد والضجيج وإفساد الهواء والمكاره العامة وإقلاق الراحة وتخريب البيئة الصحية والتدريسية؟! أي دراسة هذه التي نؤمنها لطلبتنا؟! إنها حالة لا الطالب فيها يستوعب ولا الأستاذ فيها يعطي! وفوق ذلك، ألا يدرك أرباب الجامعة المستخلفون فيها أن هذا الذي نراه في سياق المصعد من إقلاق للراحة وإفساد للهواء والبيئة و استجلاب للمكاره الصحية إنما هو مخالف لقانون العقوبات الفلسطيني رقم 74/1936 المعمول به حالياً في بلادنا، والذي كان الأجدر بقانونيي جامعتنا الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً، دون جدوى، أن يتنبهوا لهذا وأن ينبهوا له. وعليه، فهل اطلع مجلس الأمناء الذي يراقب الجامعة وأداءها – أو أُطلع من قانونيي جامعتنا- على المواد 102 و105 و199 و200 من قانون العقوبات 74/1936 التي تختص كلها بإفساد الهواء وتلوث البيئة والمكاره العامة والضجيج وإقلاق الراحة ؟!!

ألم تستقبل هذه الجامعة المسكينة عامها الدراسي الجديد وطلبتها وأساتذتها بجبال من الرمال وأكوام الحجارة وأكياس الإسمنت على بوابتها وفي داخلها وقضبان الحديد في مدخلها من أوله إلى آخره؟ أما كان في استطاعة هذه الجامعة التي يتضخم أربابها وهم يتحدثون باسمها أن تنجز هذا الذي تحاول الآن إنجازه ،أثناء الدراسة، أن تنجزه خلال الإجازة الصيفية؟! رب مجيب عن سؤالنا المحرج يقول مكابراً، وما أكثر المكابرين: ما كان ذلك في استطاعة الجامعة لأن الأمر خارج عن إرادتها، ذلك أن الأمر مرهون بممول أو غير ذلك. أما نحن، فرداً مخرساً على ذلك نوجه سؤالاً: أما كان- وأليس الآن – في مكنة الجامعة أن تنجز في غير الدوام الجامعي وفي غير وقت التحصيل العلمي هذا الذي تحاول فعله الآن في وقت الدوام والتحصيل الدراسي؟!

هل رأى رئيس الجامعة وأعضاء مجلسه (العشرون ربما)، وهل رأى رئيس مجلس الأمناء ومرؤوسوه العشرون أيضاً أن تلك الأحواض الجميلة التي صممت معلقة على الجانب الشمالي من القاعات لتزيينها بزهور وورود وجماليات قد تحولت إلى مكبات للنفايات والقاذورات من أعقاب سجائر وعلب وزجاجات؟!

أيها المسؤولون عن الجامعة... أيها المسؤولون عنها تنفيذاً وإدارة وتشريعاً ومراقبة ومحاسبة... يا من استخلفتم فيها وأؤتمنتم على مستقبلها ومسيرتها ومكنتم من أمرها بفعل الظرف السياسي والانقسام البغيض كما لم يمكن أحد من قبلكم على تفاصيل يومها وغدها، ماذا فعلتم لقاء استخلافكم فيها وائتمانكم عليها؟! هل استخلفتم فيها لتضيفوا على النفس هيبة وضخامة وفخامة وبهاء ومهابة؟! هل أؤتمنتم عليها لتحققوا منجزات للنفس والأبناء والمعارف والمريدين والخلان؟! هل استخلفتم فيها لتفعلوا ما أردتم حيث لا مرجع حقيقياً لكم في زمن الانقسام البغيض؟! هل استخلفتم في الجامعة كي تعملوا على تعيين فلان مجاملة لفلان، أو لأنه ابن فلان أو ابنته؟! هل استخلفتم في هذه الجامعة لتطلبوا قبول ابن فلان أو ابنة فلان في الدراسات العليا بالرغم من حصوله أو حصولها - و بالمجاملة- على خمسين من مائة، الأمر الذي فرض قبول من حصلوا على أكثر من خمسين في المائة تمريراً لمن حصل أو حصلت على خمسين؟! إن كنتم كذلك، فأي دراسات عليا هذه التي أنتم مستخلفون عليها؟! أي تطور للجامعة ننتظرها من خلال أفاعيلكم هذه؟! هل استخلفتم في هذه الجامعة كي تحولوا أحد أعضاء مجلس أمنائها إلى رئيس لكلية الدراسات المتوسطة براتب ألفي دولار شهرياً وهو في الثالثة والستين من عمره، خلافاً لأنظمة الجامعة وقوانينها؟! واختصاراً، ألا تشعرون أنكم دون ما استخلفتم فيه وأؤتمنتم عليه بكثير كثير كثير؟!

وبعد، فإنني أعلم جيداً أن هناك من سيتحدون ضدي على الرغم من أنهم في الأصل مختلفون، غير أنني تعلمت ألا أخشى في الحق إلا هو، وألا أخشى في قول الحق لومة لائم، ذلك أن إيماني هو أكبر من أن ينحسر أمام الباطل. فالدنيا كلها لو اجتمعت على الإضرار بي أو على إفادتي، فإنه لن يحدث هذا ولن يحدث ذاك إلا إن أراد الله سبحانه وتعالى، وأنا بحكم الله راضٍ، حامداً إياه أنه جعل لي من اسمي نصيباً أحبه، وأباهي به وأفاخر.

أما آخرالكلام، فاعلموا أن التاريخ لا يرحم وأن السماء في قوة عدالتها لا تخاف ولا تندم . اتقوا الله، إذن.

بقلم: الدكتور/ أيوب محمد عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت