بوعزيزي لا يشتعل في غزة

بقلم: فايز أبو شمالة


خلف الجامع الكبير وسط مدينة خان يونس، وضعت المرأة طفلها جانباً، وسكبت البنزين على جسدها، وأشعلت النار في نفسها، كان ذلك قبل سبع سنوات، حين كان أبو علاء قريع رئيس الوزراء الفلسطيني، وكان محمود عباس رئيس السلطة، أما سبب انتحار المرأة فيرجع إلى التحقير البالغ الذي سحقها من زوجها، ومن امرأته الثانية، ولا أبعاد سياسية لانتحارها.
في محافظة خان يونس عثرت الشرطة على جثة طبيب يتدلي مع حبل المشنقة، لقد انتحر لأسباب نفسية، وبعد أن تركته زوجته وسافرت، كان ذلك قبل عدة أشهر، حين كان أبو العبد هنية رئيس الوزراء، ولا أبعاد سياسية لانتحار الطبيب!
في مستشفى الشفاء بغزة، سكب أحد الشباب البنزين على نفسه، وأشتعل، ولم يكن السبب خلافاً عائلياً كما قيل، وإنما يرجع انتحار الشاب إلى التعامل الوحشي الذي يمارسه الأب مع أبنائه، وتشغيلهم بالسخرة، وقد خرج الشاب من البيت، وهو يلعن الساعة التي ولد فيها لهذا الأب، وانتحر، ولا علاقة سياسية لانتحار الشاب، رغم أوامر رئيس الوزراء أبو العبد هنية بأن بصرف لأسرته مبلغ من المال كمساعدة إنسانية؛ لم تكن في زمانها ومكانها!.
قبل يومين، وفي ضواحي مدينة خان يونس، سكب ابن 20 سنة البنزين على نفسه، واشتعل لأسباب تعود إلى فشله في الدراسة، وفشله في التأقلم مع الحياة، وفشله في التفاهم مع أفراد أسرته، ولأسباب أخرى تؤكد أن لا علاقة بين اشتعال جسد الشاب وبين السياسة.
عندما أشعل الشاب "محمد بوعزيزي" النار في جسده، كان يحتج على الممارسات الوحشية التي نفذتها بحقه الشرطة، ومن خلفها كل تلك الجهات السيادية التي تغلغلت فساداً في الدولة التونسية، وباعدت بينها وبين القيم الإنسانية، كان اشتعال "بوعزيزي" شرارة تحدٍ انتشر بريقها في ليل الشعب التونسي، فصار ثورة أطاحت بالفساد والاستبداد، صار ثورة تعبر عن احتقار الشعب التونسي لقيادة سياسية تخونه في نفسها علناً، بعد أن سلمت مقدرات تونس للمخابرات الأمريكية، واستسلمت طائعة ذليلة في فراش المخابرات الإسرائيلية!
في قطاع غزة لن تتكرر ظاهرة "بوعزيزي"، حتى ولو اشتعلت النيرات بعشرة الأجساد المنتحرة! وفي غزة لن تتكرر ظاهرة "بوعزيزي" حتى ولو تحركت بلدية خان يونس مدعومة من الشرطة، وباشرت في إزالة التعدي عن شارع البحر، وفتحت الطريق المختنق بالباعة المتجولين في منطقة المخيم، وتعمدت إلى إزالتهم بالقوة، حتى ولو هدد بعض الباعة بحرق نفسه، واحترق حقيقية، فالشعب سيبصق عليهم، ويلعنهم، لأنهم متسلطون، ويغتصبون طرق الناس عامة.
في قطاع غزة لن تتكرر ظاهرة "بوعزيزي" لأن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة تعيش بلا امتيازات، وبلا حراسات، وبلا موكب سيارات تغلق لها الطرقات، ولأن غزة لم تخن فلسطين، ولم تتخل عن المقاومة، ولم تصافح يد المخابرات الأمريكية التي ترى في غزة بؤرة الإرهاب العالمي، ولان غزة لا تتسلم المال في آخر الشهر من المخابرات الإسرائيلية!.
غزة في ضائقة اقتصادية لأنها تحت الحصار، وغزة تحت الحصار لأنها ترفض الاستسلام، وترفض القبول بشروط الرباعية المذلة لكل فلسطيني عزيز النفس، وهذا ما يعرفه عشرات آلاف الشاب في قطاع غزة، شباب المقاومة الذين يتدربون ليل نهار، ويتجهزون بمعداتهم القتالية سراً، ليكونوا "بوعزيزي" المقاوم ضد الغاصب الصهيوني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت