يعتبر صدور قرار يحدد الحد الادنى للأجور من أهم القضايا وذات الاولوية التي ينتظرها العمال على أحر من الجمر ، املين ان يستطيعوا بهذا القرار ان يواجهوا استغلال المشغلين في المساومة بلقمة العيش باجر لا يلبي ادنى متطلبات الحياة ، فعلت اصواتهم وطالبت على مدار عمر السلطة الوطنية بضرورة تطبيق ما ورد بقانون العمل الفلسطينى ، حول اقرار حد ادنى للأجور لحماية العمال من استغلال المشغلين ( قانون العرض والطلب ) وارتفاع نسب البطالة والفقر ، وابتزازهم بأجور لا تتجاوز العشر شواقل في اليوم .
وتأتي اجتماعات لجنة السياسات العمالية برئاسة وزير العمل د. أحمد مجدلاني في اطار الحماية وضبط ادنى الاجور وبمتابعة عمل اللجنة ، انبعث الامل من جديد على اساس ان لجنة السياسات ستقوم بدراسة الواقع جيدا ، وستستعين بالخبراء لوضع تصور بمشاركة أطراف الانتاج الثلاثة لوضع حد ادنى للأجور يلبي مستوى معيشي كريم للعمال ، ويحميهم أي استغلال في الاجر ، ويرقى بهم لمستوى معيشي في مواجهة متطلبات الحياة والغلاء الفاحش بالأسعار ، وينقلهم من الفقر المدقع برغم خروجهم للعمل وتقديم جهدهم مقابل المال ، لحياة كريمة وعمل لائق ، وما دعاني اليوم لتكرار الحديث عن الحد الادني للأجور بعد ان كتبت سابقا مقال تحت عنوان ( الحد الادنى للاجور مطلي عمالي واجتماعي ) ، هو التصريح الصحفي الذي ادلى به د. مجدلاني عن النية الموافقة على بنود الحد الادنى للأجور في لجنة السياسات وإقراره ، برغم مقاطعة وغياب عضو أصيل وهو الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين عن الاجتماع ، مما يثر التساؤل الجوهري وهو سبب غياب الاتحاد عن هذا الاجتماع برغم ان هذه القضية قضية عمالية بامتياز ،ومطلب عمالي .
في محاولة لفهم هذا الموقف وبتحليل لما ادلى به وزير العمل حول المبالغ المطروحة للحد الادنى للأجور التي حددت بقيمة 1450 شيقل شهرا ، واليوم 80 شيقل , والساعة 10 شيكل ، وهو ما اختلف مع توجهات قيادة الاتحاد والنقابات والتي كانت مشاركة بكل الجلسات المتعلقة بالموضوع وتركزت كل مدخلاتها بضرورة ان يوفر الحد الادنى للأجور على الاقل ادنى مستوي للحياة الكريمة ويفي المقدرة على توفير ادنى مستويات العيش والاحتياجات الاساسية لأسر العمال ، وهو الذي يجب ان يكون اعلى من مستوى خط الفقر الذي حددته مؤسسات السلطة الوطنية والحكومة ممثلة بدائرة الاحصاء المركزية 1750 شيقل والتي يتنتسب اليها الوزير ، وهو ما اوجد الخلاف .
لا يجوز ان يتقاضي العامل راتب يجعله بمستوى ادنى من خط الفقر ، ويعد مع الفقراء الواجب رعايتهم اجتماعية ، وهو على رأس عمله ، يقدم جهده مقابل هذا الاجر ، وهذا ما نتفق عليه ، فدور الحكومة في لجنة السياسات ان ترعى الحوار الاجتماعي وتستند في توجهاتها وتوصياتها لدراسات ومعايير علمية ومنهجية ، فالمهم في هذه القضية ان يتم طرحها بشكل موضوعي مقنع لا ان يتم تسويتها بشكل ارضائي على حساب العمال ، فهذا القرار يحدد مصير وحياة أسر عمالية ، تبحث عن ادنى مستوى للرعاية والحماية الاجتماعية بحصولها على دخل يحميها من أي استغلال ، ويكون هذا الدخل مربوط بغلاء المعيشة ، وذلك تجنبا لمشاكل اجتماعية يخلقها الفقر وتباعته .
واعتقد ان موقف الوزير بالمضي قدما لإقرار حد ادنى للأجور هو قرار جرئ ان كان يستند على كل المعايير الموضوعية التي تعتمد على دراسات اقتصادية ومرجعيات نظامية وقانونية ، لا ان تكون تسوية رضائية لطرف على حساب طرف مثل ارضاء ممثلين المشغلين بوضع مبلغ وسطي وقيمته 1450 شيقل ؛ كما يحدث في القضايا الاجتماعية في ( شق العرب ) ، فمثل هذه الحلول الوسطية لا تصلح في مثل هذه القضايا التي كلها أرقام ، ويتحمل أي تنازل فيها فقط ذلك العامل قليل الحيلة الذي يعمل في ظروف خاصة .
لذا على لجنة السياسات العمالية ان تعيد النظر في طرحها للمبالغ المقدمة كحد ادني للأجور وعلى الوزير تفهم دور الاتحاد وتطلعاته لا ان يعلن التحدي والإصرار على موقف قد يضر بمصالح العمال الاكثر ضعفا في سوق العمل والذين يمثلون السواد الاعظم في المجتمع الفلسطيني ، فالمصلحة الواجبة ، ان يكون أي طرح لقرار بالحد الادنى للأجور اعلى من مستوى النسب المحدد لخط الفقر لدى السلطة الوطنية .
كما يجب ان تراعي لجنة السياسات في قررها مواد تنظم اليات التطبيق والمراقبة والالتزام بالحد الادنى للأجور ضمن خطة تساهم ايضا بتنظيم سوق العمل الفلسطيني ، لما لذلك من أثر ايجابي يساعد في متابعة كافة المهن ، وخاصة المهن التي أجور عمالها مماثلة أو أقل من الحد الادنى للأجور وذلك لتطبيق القانون وحماية العمال .
ولنجاح اصدار قرار بالحد الادنى للأجور يجب ان نستمع لبعض ونحترم أراء بعض ، فالهدف حماية مصالح العمال وخلق حالة من العدالة الاجتماعية لفئات اجتماعية من العمال ، طالها الظلم واستغلتها الظروف ، ووقعت فريسة لجشع بعض المشغلين ، وأتوجه في النهاية للوزير د. مجدلاني بضرورة العمل على قرار حد ادنى للأجور مع الشركاء عبر الحوار الاجتماعي ، وبما يحقق ادنى مستوى للعيش الكريم للعمال ، وانجاز الموضوع يعتبر نصر للوزارة وللجميع ان تم فيه مراعاة البعد الحقيقي لأهمية وجود حد ادنى للأجور ، فلا تستعجل القرار على حساب هؤلاء الفقراء والضعفاء ، وأمل تفهم موقف الاتحاد النابع من الحرص على العمال وعلى مستقبلهم .
بقلم النقابي / د. سلامه ابو زعيتر
• عضو الامانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين