اخر القلاع الحصينة

بقلم: محمد السودي


تطوير منظمة التحرير الفلسطينية ضرورة وطنية ، يقيها من الشيخوخة ويجدد شبابها نحو تحقيق الاهداف الوطنية العليا في الحرية والاستقلال والعودة .
طفت قضية وحدانية التمثيل الفلسطيني على السطح مجددا ، بعد ان ظلّت مستهدفة على الدوام طيلة ما يقارب الاربع عقود خلت ، أي ما قبل منتصف العقد السابع من القرن الماضي ،اثر قرار مؤتمر القمة العربي الذي انعقد بالرباط العاصمة المغربية عام 1974 ، القاضي اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده ، حينها اشتدت اوار المعارك المريرة والطويلة باشكال مختلفة مع الاطراف الاقليمية والدولية التي شعرت بسحب البساط من تحت اقدامها ، مما افقدها ورقة هامة كانت توظّف بالنيابة عنها من اجل خدمة اجنداتها الخاصة في تحسين مواقعها الدولية او استخدامها بالصراعات المزمنة بين الدول المختلفة البعيدة كل البعد عن جوهر القضية الفلسطينية ، فضلا عن الغيظ الشديد الذي اصاب دوائر صنع القرار الاسرائيلي في الصميم ، حيث اعتبر القرار الخطير بمثابة تهديدا وجوديا له ، وبالتالي كرّس جلّ امكانياته السياسية والعسكرية والامنية من خلال تجنيد حلفاءه التقليديين في مقدمتهم الادارة الامريكية والمنظمات النافذة للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية ، الساطع نجمها آنذاك بعد تجميع المزيد من عناصر القوة الذاتية إذ استطاعت الاستحواذ على قلوب وعقول الفلسطينيين الذين ادركوا للمرة الاولى منذ النكبة بوجود كيانية وهوية فلسطينية وطنية مستقلة يستظلّون بها ويتابعون كفاحهم الوطني العادل تحت رايتها ، بالرغم من وجود اذرع سياسية وعسكرية انشأها هذا النظام او ذاك ولكنها كانت مستوعبة في الاطار الوطني العام ، رافق ذلك الدعم اللامحدود من قوى حركات التحرر العربية الضلع الثالث لقوى الثورة العالمية .

لم تنجح المحاولات العديدة المتواصلة لانهاء المنظمة سواء كان عن طريق الاجتياحات العسكرية المتتالية في لبنان ، او خلق البدائل لها عبر الحصار والضغوطات من كل حدب وصوب وفرض القيود عليها ، حيث تحطمت كافة المؤامرات على صخرة صمود الشعب الفلسطيني الذي اظهر وحدة الموقف الرائع بشكل لم يسبق له مثيل دفاعا عن مشروعه الوطني وعن قراره المستقل ، لقد شكلت انتفاضة الحجارة الاولى خير رد على جرائم الاحتلال بعد الخروج من لبنان ، واستماتة الاطراف الضالعة بالعدوان على مخيمات الشعب الفلسطيني لانهاء منظمة التحرير ودفعها باتجاه التدجين والتبعية والوصاية .

ان التطورات اللاحقة التي شهدتها المنطقة الخليجية على وجه الخصوص وانطلاق عملية مؤتمر مدريد للتسوية السياسية التي شاركت به الاطراف العربية برعاية امريكية دق ناقوس الخطر حول مسألة التمثيل الفلسطيني حيث اقتصر دور المنظمة على توجيه الوفد الفلسطيني المفاوض عن بعد وليس بشكل مباشر مما دفع الجانب الفلسطيني الى اجراء مفاوضات سرية موازية شكلت المقدمات الموضوعية للوهن الذي اصاب الاطار الوطني العام الجامع ، جراء توقيع اعلان المبادئ المفاجئ للجميع وما تلاه من تداعيات ادت الى انسحابات وتجميد عضوية وارباك في الساحة الفلسطينية ، غير ان موضوع التمثيل الفلسطيني لم يتمكن كائن من كان المساس بمكانة المنظمة ودورها التاريخي .

لعل ما يجب التوقف عنده خلال المرحلة التي اعقبت تشكيل السلطة الفلسطينية حالة الارتخاء المبنية على المبالغة بالتقدير للوصف اللاحق من ان عناصر الاستقلال الوطني قد اصبحت بمتناول اليد ، لذلك كان من الخطأ الفادح حشر مؤسسات المنظمة في عنق مؤسسات السلطة ، الامر الذي افقدها استقلاليتها بكونها مرجعية وطنية لكل الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده .

بعد مخاض عسير من المفاوضات التي توقفت عند حدود المرحلة الاولى في ايار 1999 وفشل مفاوضات كامب ديفيد2 ، اندلعت اثرها الانتفاضة الثانية ادت الى اعادة احتلال مراكز المدن الفلسطينية واضعاف السلطة وتدمير مقراتها ، الامر الذي وضع الحالة الفلسطينية امام تحديات جديدة يتمثل باعادة بناء ما دمره عدوان الاحتلال وكذلك ترتيب البيت الداخلي واجراء حوار وطني شامل يضع استراتيجية وطنية في مواجهة المستجدات الطارئة لكن الامر استمر يراوح في ذات المكان ، ثم انطلق حوار القاهرة الاول عام 2003 لم يفضي الى شيء ، تكررت المحاولات مرة بعد الاخرى وتوصل الفرقاء خلالها الى اتفاق القاهرة عام 2005 الذي اجريت بموجبه الانتخابات التشريعية ولم ينفذ منه بقية البنود الاخرى خاصة ما يتعلق بتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركة الجميع في اطرها ومؤسساتها المختلفة ، ومنذ ذلك الحين شهدت الساحة الفلسطينية احداث دراماتيكية كان لها اثارها السلبية على مجمل الاداء الوطني واضحت منظمة التحرير الفلسطينية الكنز الثمين الذي يتطلع اليه اللاعبون الجدد لاستكمال مشروعهم العابر للحدود بعد سنوات من الجولات الحوارية كان اخرها توقيع الاطر القيادية الفلسطينية على اتفاق المصالحة في القاهرة وكذلك اتفاق الدوحة التنفيذي الذي رعاه امير دولة قطر دون جدوى ...

امام كل ذلك لا بد من وقفه نقدية لمجمل الاداء الوطني والشروع الفوري باتخاذ الاجراءات الكفيلة لاعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني على اساس ان المفاوضات قد فشلت فشلا ذريعا وان حكومات الاحتلال المتعاقبة ليست معنية بايجاد اي حل عادل للقضية الفلسطينية استنادا الى القرارات الدولية ذات الصلة ، واعادة الملف الفلسطيني الى الامم المتحدة بعد ان فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها واهليتها لرعاية عملية التسوية بسبب انحيازها المطلق لكيان الاحتلال .
كما يتطلب تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والدعوة الى مجلس وطني فلسطيني لرسم استراتيجية وطنية بديلة ، بعد استنفاذ كافة الجهود التي من شأنها انهاء الانقسام واستعادة اللحمة الفلسطينية وكذا المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية .

إن منظمة التحرير الفلسطينية هي اخر القلاع الحصينة ، التي عمدها الشعب الفلسطيني بالتضحيات الجسام وهي تستحق كل الجهود من اجل الحفاظ عليها وتطويرها من خلال استنهاض عوامل القوة الكامنة لدى شعبنا في مواجهة كل المؤامرات ، من هنا ستكون البادية والنهاية .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت