لا أعرف من أين أبدأ مقالي لهذا الأسبوع العاصف، وكيف أبدأه وسط الدراسات والطروحات الإسرائيلية المكثفة المنشغلة في إيجاد حل للقضية الفلسطينية خارج حدود فلسطين، هذه الدراسات التي اعتبرت أن الفلسطينيين خسروا المعركة في إقامة دولتهم، أو بتحقيق حل الدولتين لشعبين، ويقولون أن كل من له عينان يدرك أن فكرة حل الدولتين أصبحت فكرة من الماضي، معترفين أن إسرائيل تعيش منذ (45) عاماً أن لم يكن أكثر، أي منذ حرب عام 1967، وهي في حالة توتر وعدم استقرار، بسبب أطماعها التوسعية، وهذا الوضع سيرافقها لزمن طويل، طالما استمروا في سياسة التوسع والهيمنة، فمخططاتهم ونظرياتهم تتجه في النهاية نحو السيادة الإسرائيلية على جميع أرض فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر، فإن من أفشل ويفشل الحلول هي الأيديولوجيات الإسرائيلية المتطرفة وليس الفلسطينيون.
إن أكثر ما يثير القلق هي الطروحات الإسرائيلية، خاصة طروحات اليمين الإسرائيلي، حيث أصبح أغلبية الإسرائيليين ينتمون إلى هذا المعسكر اليميني، فالحكم والحكومة في إسرائيل يمينية أيضاً، وفي طروحات هذه العصبة أنه لا يوجد للسلام والتعايش مكان في قاموسهم، بل أن اليمين يعتبر بأن حل المشكلة الفلسطينية يجب أن يكون في الأردن، وما الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي في الأردن إلا محفز في مصلحة العدو ليحرك أصابع الفتنة الإسرائيلية للتسلل إليه وإقلاق أمنه، والمطلوب الحذر ثم الحذر مما يجري من صراعات ومظاهرات ومسيرات وخلافات داخل هذا البلد الآمن تحت بند الإصلاح الذي يريده الجميع، وإخلال الأمن يُستغل ويصب في مصلحة المخططات الإسرائيلية، أما الوسيلة للرد عليها فهي الحصانة الذاتية، وبالنهج الديمقراطي، والنظام والحكم العادل.
في تقرير لأحد قادة المستوطنين "اليكيم هعتسني" في جريدة "يديعوت 10-9-2012"، يرى هذا الصهيوني بأن حل ما يسمى بالدولتين لشعبين قد طوى عليه الزمن، مذكراً بوعود القوى الكبرى في مؤتمر "سان ريمو عام 1920"، الذي أقر بأن تكون ما تسمى بأرض إسرائيل الشرقية والغربية معاً، وطناً للشعب اليهودي، وبيته القومي، مشتكياً أن هذه القوى اقتطعت فيما بعد، من الوطن القومي اليهودي ثلاثة أرباعه كي تصبح وطناً قومياً "لعرب أرض إسرائيل"، وحسب هذا الاستيطاني فإن هؤلاء العرب ارتدوا شخصية قومية جديدة، فقد قام في الأردن كيان سياسي مستقل، في حين لا يزال الشعب الفلسطيني المُستجد-حسب نظريته-ويطالب لنفسه بدولة غربي نهر الأردن، وذلك من الربع الذي تبقى للشعب اليهودي، ويقرر هذا القائد الاستيطاني الذي لا نعرف من أي بلد هاجر إلى فلسطين، بأن شرقي نهر الأردن – أي الأردن-هو الوطن القومي للفلسطينيين، وأن الضفة غربي النهر هي الوطن القومي لليهود مع منح الفلسطينيين الذين يعيشون في منطقتي "أ" و"ب" حكماً ذاتياً في إطار سيادة إسرائيلية، على أن تكون جنسيتهم الجنسية التي يحملها المواطنون شرقي نهر الأردن، ويقترعون ويعبرون عن أمانيهم القومية في الأردن، ويقول أنه لا حاجة للتعجل لجعل هذه الإجراءات تنضج فوراً، بل أن الزمن يعمل لصالح إسرائيل في استكمال المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية.
إن توجهات اليمين الإسرائيلي الذي يحكم إسرائيل، عبر عنه أيضاً نائب الكنيست "أوري أرئيل" والتي تأتي بضم الضفة الغربية إلى الدولة العبرية، ومنح سكان المناطق التي يتم ضمها بطاقة هوية زرقاء، كما هو حال أهالي القدس الشرقية، ومنحهم صفة مواطن مقيم، بعد قيامهم بحلف يمين الولاء للدولة العبرية، "معاريف 28-2-2012"، فهو مع حل الدولتين، الأولى دولة اليهود غربي نهر الأردن، أي من البحر إلى النهر، والثانية شرقي نهر الأردن وهي للعرب من أردنيين وفلسطينيين، حيث يزعم بأن أغلبية السكان هم أردنيون من أصول فلسطينية، لكن الأدهى والأمر بأن هذا النائب يُحمّل الفلسطينيين المسؤولية لرفضهم الحل، في المفاوضات التي استمرت معهم طيلة (30) عاماً، فكان لابد لإسرائيل من خطة سياسية بديلة، بإقامة دولتين غرب وشرق نهر الأردن، معتبراً بأن إقامة الدولة الفلسطينية غربي النهر، أي في الضفة الغربية، بمثابة كارثة وطنية على الدولة اليهودية، وستؤدي إلى طرد اليهود من "أرض الأجداد"، أما بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، فإنه سيمنحهم مكانة الإقامة لمدة خمس سنوات تحت التجربة، ولإغرائهم بالقبول سيمنحون ضماناً اجتماعياً، وخدمات صحية، والتصويت للبلدية التي يقيمون فيها، دون حق التصويت للكنيست، أي دون حقوق مدنية-سياسية، لتصبح الضفة الغربية جزءاً من إسرائيل، وإذا قرر الفلسطينيون عدم الموافقة على دولة شرقي النهر، فلا يلومون في هذه الحالة إلا أنفسهم-حسب النائب المذكور- أما رئيس ما يسمى بمجلس مستوطنات الضفة الغربية "داني ديان"، اعتبر أن عام 2012 هي سنة التنصل من فكرة حل الدولتين لشعبين، وأن الفلسطينيين بنظره خسروا المعركة.
وأخيراً.. فإنني إذ أسوق بعض الطروحات والنظريات الإسرائيلية لمسؤولين إسرائيليين يمثلون اتجاهات الأغلبية في هذا الكيان لإبراز الوضع الصعب والمعقد، ومما يزيده تعقيداً إننا نقدم خدمات مجانية للعدو، بمعرفة أو دون معرفة، تساعده على تجسيد مخططاته، من خلال بعض الاتجاهات الأردنية، ومع ذلك فليس كل شيء أسود، ففي استطلاع بين سكان إسرائيل اليهود حسب "هآرتس 27-9-2012"، بأن أكثر من نصف سكان إسرائيل يخشون انهيار كيان دولتهم، في حال وقوع حرب إسرائيلية مع إيران، هذا الاستطلاع الذي جرى بمناسبة رأس السنة العبرية الجديدة، ومع ذلك فإنهم لا يتعظون، فالمشروع الصهيوني يستهدف الأمة العربية بأكملها، وأن الأردن يقع ضمن دائرة الأطماع الصهيونية، فماذا عملنا للتصدي لهذا الخطر، فلا بد للأردنيين والفلسطينيين والعرب أجمعين التصدي للطروحات الإسرائيلية المرعبة، كي نأخذ العبر والاستنتاجات الضرورية منها.
مقال تحليلي
الأردن لن تكون فلسطين
بقلم: غازي السعدي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت