اين الشراكة السياسية الحقيقية في الساحة الفلسطينية

بقلم: عباس الجمعة


في ظل الظروف التي تعيشها الساحة الفلسطينية نتيجة الانقسام الكارثي ، يجدر بنا السؤال اين الشراكة الحقيقية التي جسدها العمل الوطني منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة حيث شكل المضمون التحرري للبرنامج الوطني ومحتواه الديمقراطي، وعلى أساس أن الشراكة هي أحد أبرز تعبيرات الوحدة الوطنية باعتبارها شرطا لازما لإنجاز التحرير والعودة.
وكان واضحا منذ البداية أن مبدأ الشراكة لم يكن مطروحا لتكريسه فقط في إطار القوى والفصائل بل يتجاوز ذلك ليشمل القوى والمؤسسات والفعاليات الاجتماعية، من موقع السعي إلى حشد الطاقات الوطنية والزج بها في معركة النضال الوطني ربطا بطبيعة العدو وسياساته التوسعية.
لذلك، من نافل القول إن الهيئات والمؤسسات والأطر الوطنية القائمة في إطار منظمة التحرير والسلطة معنية أن تتعامل مع الشراكة الوطنية فلا يجوز التفرد في رسم السياسات والتحركات داخل القيادة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة في ظل المعركة مع الاحتلال .
ان رسم استراتيجية وطنية تحدد رؤية المستقبل وخاصة ان الشعب الفلسطيني ما زال في مرحلة تحرر وطني ، يتطلب وحدة الموقف الفلسطيني ، وخاصة في ظل التحرك السياسي الفلسطيني باتجاه الأمم المتحدة لنيل عضوية فلسطين ( كدولة غير كاملة العضوية) يجب أن تكون في إطار إستراتجية فلسطينية تصوغ أشكال التحرك الفلسطيني ومستندة لبرنامج لكي يكون التحرك بهدف تطبيق هذا البرنامج, حتى لا تبقى هذه الخطوة من الذهاب للأمم المتحدة او غيرها هي خطوات متقطعة ومنفصلة عن بعضها البعض ولا يحكمها سياق محدد، ومن اجل الخروج بالتسوية من فلك معادلات أوسلو باتجاه الأمم المتحدة، وذلك بهدف الإمساك بحقوق الشعب الفلسطيني وتحميل المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة بشكل خاص مسؤولية العمل على تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والعمل بمحاصرة دولة الاحتلال التي تريد أن تنسف أي إمكانية للإعتراف بالشعب الفلسطيني وحدوده ودولته وحق عودته.
إن مرشحى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الديمقراطى المؤمل فى فترة رئاسية ثانية باراك أوباما والجمهورى الذى جاء من عالم رجال المال والاقتصاد مت رومنى، استخدما كل ما يملكان من أوراق لاستمالة الناخب الأمريكى واللوبيات التى تلعب دورا محوريا فى حسم السباق وعلى رأسها نيل رضا اللوبى الصهيونى.
ومن هنا نرى ان مرشحي الانتخابات الامريكية إثبات الولاء الكامل لإسرائيل ودعم اغتصابها للأراضى الفلسطينية وإقامة المستوطنات وكل ممارسات تضييع حقوق الشعب الفلسطينى ولعل هذا ما أثبتته التجربة عبر التاريخ من ميل واضح وفاضح فى الوقت نفسه للجانب الإسرائيلى لما يملكه من نفوذ داخل دهاليز صناعة السياسة والمال الأميركيين.
ان السياسات الامريكية واحدة والانحياز متشابها سواء أكان من هذا أم ذاك لا سيما فى قضية أظهرت عجز العالم وانحياز قواه العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة محتلة تغتصب الأراضى وطائراتها ليل نهار تلقى حمم الموت على رؤوس الفلسطينيين وتستخدم حق النقض «الفيتو» عندما يتوجه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة للمطالبة بأبسط حقوقهم الإنسانية فى دولة ذات عضوية كاملة فى المنظمة الدولية.
إذن لا أمل فى إدارة أمريكية قديمة كانت أو جديدة، وهي تحاول قلب الحقائق وتصوير النضال الفلسطيني كانه نوع من انواع الارهاب، الادارة الامريكية تعرف ان من يمارس الارهاب هو اسرائيل فهي تمارس الارهاب المنظم ضد الشعب الفلسطيني، تحرق البيوت وتدمر الشجر وتمارس الاغتيالات والاعتقالات هذا هو الارهاب الحقيقي ، أما كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال هو حق مشروع اقرته المواثيق والاعراف الدولية، هذه المعزوفة الامريكية مكشوفة وعلى شعوب العالم ان تعلم ان الشعب الفلسطيني في حالة دفاع عن النفس ويقود نضاله ضد الاحتلال، وعلى القيادة الفلسطينية عدم انتظار أى دور أمريكى فى ايجاد حل للقضية الفلسطينية التى بدأوها بالنضال ضد صلف وغرور الاحتلال وانتهاكاته وعليها التحرك فى وسائل دولية أخرى وحشد الداعمين الإقليمى والدولى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أن من المؤسف في الواقع الراهن العربي والإسلامي هو سياسة التهرب هذه السياسة التي اعطت الكيان الصهيوني المجال لأن يمس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تدنيسًا ونخرًا لأساساته، وتمرير أكاذيبه ومزاعمه التلمودية بما يسمى "الهيكل" المزعوم، والتنكيل بالشعب الفلسطيني واغتصاب حقوقه، لأن المحتل والمدنس الصهيوني يعلم تمامًا أن العرب وجموع المسلمين ليسوا في وضع يؤهلهم لأن يدينوا مجرد إدانة الانتهاكات المستمرة بحق المسجد الأقصى، فالعرب خصوصًا مشغولون بالمشاريع الغربية نحو إسقاط بعضهم بعضًا، وتدمير بعضهم بعضًا، وتمزيق دولهم وتفتيتها وتقديمها هدية لمن يدنس مقدساتهم اليوم ويقتل أشقاءهم الفلسطينيين ويهجرهم، والمسلمون مشغولون بطائفية نتنة زرعها ويؤججها ويغذيها أصحاب مشاريع التدمير والتفتيت.
قد حان الوقت كي يتحرك العالم بأسرة ويفهم إسرائيل أن الشعب الفلسطيني لا يمكن إلا أن يتمسك بحقه في العيش بحرية وكرامة، ولا يقبل أن يتحكم الكيان العنصري الاستيطاني أو غيره بمستقبله ومصيره، ولا أن يواصل المستوطنون غطرستهم، ويجب أن يفهم الجميع أن هذه الممارسات الإسرائيلية سوف تدفع المنطقة كلها نحو الانفجار، الذي لن يكون أحد بمنأى عن تداعياته الخطيرة.
لعل من أولى الواجبات على الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي توفير مقومات الصمود للشعب الفلسطيني، ودعم قضيته العادلة، كما على دول العالم التي طال حديثها عن حل القضية الفلسطينية، دعم هذا الحق لما له من تأثير على أمن واستقرار المنطقة.
لقد أمضى الشعب الفلسطيني أكثر من اربعة وستين عاماً في النضال ضد المحتل ولا يزال مستمرا في نضاله، حيث يقدم التضحيات من اجل حريته واستقلاله وعودته ، نعم لم يتحقق الحلم بعد، لكن التجربة تؤكد ما ضاع حق وراءه مطالب.
امام ذلك نرى ضرورة استنهاض الوضع الفلسطيني الذي يحتاج إلى سياسات اقتصادية ناجعة ومنحازة للفئات الفقيرة وضحايا الاستيطان والجدار.. والفلسطينيون في الشتات بحاجة إلى استنهاض دور منظمة التحرير بكافة مؤسساتهامن خلال الشراكة الحقيقية لكافة الفصائل والقوى فيها.. والأمران معا يحتاجان إلى إعادة الاعتبار إلى الحوار الوطني الشامل وتنفيذ اتفاق المصالحة.. ومن دون ذلك فإن السقف السياسي المطروح أمام الفلسطينيين سيواصل الانخفاض حتى يضغط على رؤوسهم جميعا..
في كل الأحوال، وبصرف النظر عن مدى جدية الأطراف الفلسطينية في ملف المنظمة والمصالحة عموما، فإن ثمة ضرورةً لنقل نقاش هذا الملف من دهاليز القوى السياسيّة إلى فضاء الشارع وتعبيراته الاجتماعيه المختلفة. ولعل المدخل الصحيح هو تحديد المفهوم المطلوب إنجازه على صعيد المنظمة. ولأن المفهوم الأكثر تداولا هو مفهوم الإصلاح الذي يقود إلى تفعيل مؤسسات منظمة التحرير وتطوير دورها وأدائها.
ان معظم الاجتهادات تنصب في هذا الاتجاه. وهذا يقتضي إجراء نقدٍ جريءٍ لأداء المنظمة ، وتشخيص الواقع الفلسطينيّ الراهن، بحيث يتم أخذ المستجدّات في الاعتبار لتجديد هياكل المنظمة وهيئاتها المختلفة، والحفاظ على المشروع الوطني والخطاب السياسي والإعلامي وسواه، والعمل إلى مبدإ الشراكة الحقيقية البعيدة عن التهميش أو الاحتكار أو الإقصاء أو التخوين أو المحاصصة، وإعادة الاعتبار للشراكة السياسية من زاوية شركاء في الدم... شركاء في السياسة يتجسد من خلالها تشكيل قيادة جماعية للشعب الفلسطيني والمشاركة في القرار بعيداً عن الاستفراد بهذا القرار.
ان المقاومة الشعبية لا يكفي الثناء عليها والتغني بها بل لا بد من تعميم النموذج القائم الآن ليشمل كافة الاراضي الفلسطينية، وليس مناطق محدودة، وتشكيل هيئة قيادية تشرف على هذه المقاومة وتعميم النهج الذي تتبناه والتواجد في صدارة المتصدين من اجل انجاح دورها، وهذا يضع على عاتق القابضين على الجمر أعباء مضاعفة ومعقدة لتبقى شعلة الكفاح الوطني مستمرة .
ان ما يجري في الدول العربية مما يوصف بالثورات التي تتداخل فيه القوى والدوافع والأساليب والأهدافـ رغم ما نراه من محاولة لسرقة انجازات الشعوب من قبل الولايات المتحدة وحلفائها ومن نصبوا انفسهم على راس بعض الدول ، تتطلب من الشعب الفلسطيني أن يتخذ سياسة النأي عن التدخل ، وان يقف إلى جانب كل ما يمكن أن ينتج ثمارا ديمقراطيا تكون بوصلته دعم حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته المركزية ، رغم ان الصراع مفتوح على احتمالات ، ولكن ما يهمنا هو الخيار الديمقراطي للشعوب ، ومواجهة المخطط الأميركي المستمر في خلق شروط "سايكس بيكو الثاني" واستهدافاته الأساسية، مصادرة الثروة العربية وضمان أمن "إسرائيل" في مواجهة دويلات عاجزة وتابعة في محيطها.
ختاما : لا بدمن القول إن م ت ف تتسع للجميع ولم تخلِ من التناقضات والاختلافات علي الصعيد الداخلي ، ويجب على الجميع ان ينتصر من أجل فلسطين التي مثلت لدى الشهداء القادة الأم التي لا يكبر حبها أحد، وإن شعب فلسطين التواق للوحدة قادر على المقاومة وعلى ضخ دماء جديدة في شرايين فلسطين ليمنح الشهداء الأبرار حياة جديدة عنوانها الحرية والانتصار وتحرير الارض والانسان.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت