أتحداه... وأتحداهم!

بقلم: أيوب عثمان


أما الذي أتحداه فهو شخص يمثل ترساً في عجلة، وأما الذين أتحداهم فهم طرفان: طرف يمثل العجلة بمستوييه الآمر والمنفذ، وطرف انبثق عن هذه العجلة بشقيها الآمر والمنفذ أيضاً. إنه لجنة تحقيق شكلتها هذه العجلة ذات الدفع الآمر والجر التابع..!

في هذا المقال أمران بلغا من الأهمية مبلغاً لا حد له: أما الأول، فهو "كرسي الأستاذ الجامعي"، وأما الثاني، فهو لجنة تحقيق تم تشكيلها لتصدر حكماً مسبقاً ينبغي أن يسوغ قتل الحق وتشويه الحقيقة، ولكن هيهات، فقد أصدر الله وعده أن يرد كيد الظالمين إلى نحورهم.

أما الأمر الأول، وهو الكرسي الذي لا يتوفر للأستاذ الجامعي في قاعة درسه. وهو أمر بات ظاهرة عرفها كل أستاذ في الجامعة. دخلت عند الحادية عشرة قاعة درسي K1-30 فوجدتها بلا كرسي كالعادة، في معظم الأحيان، لا كلها. ونظراً لاستلامي في اليوم السابق قراراً بإحالتي إلى لجنة تحقيق بسبب انتقادي لأمور كثيرة من بينها نقص الكرسي أو الطاولة أو الاثنين معاً، فقد اتصلت بالسيد نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية بحكم اختصاصه ومسؤوليته، قائلاً له بعد السلام والتحية: "أخذت علماً بلجنة التحقيق المشكلة ضدي والتي لا أستطيع أن أخفي سعادتي وترحيبي بها، ذلك أنني كنت أسعى إليها وبفروغ الصبر أنتظرها، ولكن أما فكرتم أنتم في إدارة الجامعة- وقبل أن تتورطوا- أن تؤمنوا لي الكرسي الذي أطالب به قبل أن تشكلوا لجنة للتحقيق معي؟!" أتعلمون الرد الذي فتح الله به على السيد النائب المقدام؟! خرج النائب المقدام بنظرية جديدة يمنع بموجبها الأستاذ من الجلوس على الكرسي، حيث قال: "الأستاذ الجيد هو الأستاذ الذي يبقى واقفاً ولا يجلس على الكرسي وأنا سأصدر قراراً بسحب الكرسي من المحاضرين وسنمنعهم من الجلوس على الكرسي أثناء المحاضرة". سألته باستغراب شديد واستنكار أشد: "هل معنى ذلك أن الأستاذ الذي يجلس على الكرسي ليس أستاذاً جيداً؟" أجاب: "نعم، ليس أستاذاً جيداً كل أستاذ يجلس على الكرسي ويشرح وهو جالس على الكرسي". سألته: "وماذا عن أستاذ يجلس ويقف ويقف ويجلس؟!" أجاب: "الأستاذ الممتاز يا سيدي الفاضل لا يجلس على الكرسي". سألته: "وماذا عن أستاذ مثلي يجلس ويشرح ويقف ويشرح ويمشي ويشرح، يجلس ثم يقوم ليكتب على السبورة ثم يجلس؟!". قال "أنا سأصدر قراراً بسحب كل الكراسي من القاعات ويمنع على المحاضرين الجلوس على الكراسي". قلت: "اسمع جيداً ما سأقول: "أنا أتحداك وسأتحدى كل من هم أكبر منك وأقول لك: "أقسم بالله العلي العظيم أن قراراً كهذا بسحب الكراسي إن صدر وطبق، فلن أدخل القاعة. اعلم وليعلم الجميع أنني في كل مرة لا أجد فيها كرسياً أنصرف حيث يذهب أحد طلبتي ليأتي بكرسي من هنا أو من هناك، ولكن إن صدر مثل هذا القرار، فلن أدخل قاعة درس، البتة"، ثم أغلقت الجوال، قطعاً لدابر الترهات..!

أما الأمر الثاني، فهو لجنة تحقيق تحارب الحق وتسعى إلى تغييبه في جامعة الأزهر ليعم الباطل فيها. فبدلاً من أن يكلف المسؤولون- الذين يدعون بأن الجامعة همهم- على دراسة الملاحظات الانتقادية التي أوردتها في مقالي- "أما من أحد ينتصر لهذا الجامعة فيغار عليها ويترفق بها؟!"- ليعدلوا من خلاله اعوجاجهم، فإنهم يجلخون سواطيرهم ويسنون سكاكينهم استعداداً لذبحي ولن أذبح، وإنما هم الذين بإذن الله سيذبحون، ولقتلي ولن أقتل، بل إنهم هم الذين سيقتلون..!

فقبل أن تحققوا مع من أشار إشارة خفيفة إلى عيوبكم وسوءاتكم، وقبل أن تسألوه أو تسائلوه عنها، قوموا ما اعوجّ فيكم واستروا عيوبكم وسوءاتكم وأصلحوا أموركم: نظفوا قاعات درسكم.. أصلحوا أبوابكم ومقابضها وشبابيكم بمساميرها وبراغيها.. أزيلوا من على جدران قاعات الدرس والحمامات ما عليها من كتابات وقذارات وحقارات ودناءات ورذائل وسفالات تحط بكرامة الآدميين الشرفاء وتخدش حياءهم.. احترموا الطلبة ووفروا لهم ما يستحقون، ولو لقاء الرسوم الذي يدفعون.. نظفوا جدران قاعاتهم وحماماتهم مما يؤذي عيونهم ويخدش حياءهم وكبرياءهم، وهم عدة الوطن ومستقبله كما أنتم على الدوام تدعون.. نظفوا سبوراتهم.. احموهم من شبابيك قد تسقط على رؤوس بعضهم فتأتي على حياتهم فتقع الجامعة كلها ضحية مقتل أحدهم.. انجزوا المصعد في غير وقت الدراسة.. أريحوا طلبتكم الذين يتعلمون وأساتذتهم الذين يعلمون من سيارات النقل التي تفرغ أحمالها من الحجارة والإسمنت والرمل والحديد والمعدات.. أريحوهم من الدق والخبط والسجح والجلخ والقص والمرزبات وسحب قضبان الحديد.. أريحوهم من الضجيج وإفساد الهواء وتلويث البيئة.. أريحوهم من المكاره الصحية وإقلاق الراحة وإفساد البيئةالدراسية والصحية.. أمنوا لطلابكم دراسة أفضل ولأساتذتهم قدرة على العطاء أكبر.. أوقفوا- وعلى الفور- أعمال البناء والدق والجلخ والقص والسحب وحولوها في فترة المساء بعد انتهاء الدراسة لتؤمنوا يوماً دراسياً هادئاً لطلبتكم ويوماً دراسياً جيداً لأساتذتهم.

من ذا الذي سيحقق معي؟! لن يحقق معي إلا شخص أو أشخاص يرون أن ما أوردت في مقالي من عيوب ومخازٍ وسوءات كان كذباً أو افتراء، فإن كان ما قلت في مقالي كذباً وافتراءً، فأهلا بكل من يحقق معي ليرى ما يخرس لسانه ويفقأ بصره ويعمي بصيرته. ألا تعلم لجنة التحقيق أن دنيا الجامعة كلها شاهدة على حقيقة التاريخ الأسود والممتد للمسؤولين عن هذه الجامعة التي رزأها الله بهم لحكمة عنده سبحانه؟ هل من اللجنة من يريد الاستزادة حول من أدخلوا بالمجاملة إلى الدراسات العليا، وحول من عينوا خلافاً للقانون، سواء في الجامعة، أو في كليتها المتوسطة؟

أما آخر الكلام، فبعد أن لم ترعووا مما ختمت به مقالي السابق حيث قلت إن التاريخ لا يرحم وإن السماء في قوة عدالتها لا تخاف ولا تندم، فإنني أقول الآن: أهلاً بكم ومرحباً بلجنة تحقيق تحقق معي لأحقق أنا معها ومع أربابها، ذلك أنني- ببالغ صبري- في انتظارها لترى مني ما لم يره أحد قبلها، مؤكداً على أن الحق إلى انتصار والباطل إلى انتحار، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

* كاتب وأكاديمي فلسطيني – جامعة الأزهر بغزة، عضو مجموعة الحوار الوطني من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت