فلسطين قضية تحرر وطني

بقلم: عباس الجمعة


لم تعرف الأمة العربية في تاريخها الحديث قضية مست المصير القومي العربي، وارتبطت به صعوداً وهبوطاً، كالقضية الفلسطينية. فهي القضية التي حظيت ولا تزال بإجماع شعبي عربي غير محدود.
ان فلسطين قضية تحرر وطني. فهي المفصل الواصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، وبالتالي بين شرق العالم وغربه من خلال موقع الوطن العربي وهي تحتل المكانة منذ القدم ضمن معادلة الأمن القومي العربي. هذا بالإضافة إلى البعد الروحي الذي اكتسبته من خلال وجود بيت المقدس فيها، مما جعلها جزءا راسخاً في وجدان وضمير المواطن العربي، وبالضمير البشري عموماً. فهي مهبط الرسالات، ومسرى الأنبياء، وبوابة الأرض إلى السماء, وما زال احتلال القدس وتحريرها من المحتل هو عنوان الهزيمة أو النصر بالنسبة للشعوب العربية على مر العصور.
ان الأزمة الفلسطينية الداخلية نتيجة حالة الانقسام والتشرذم الفلسطيني غير المبرر، تخفي حجم المصالح التي يريد بعض المتمسكين في السلطة نتيجة الذرائع لتبرير عدم التزامهم بخصوص إنهاء الانقسام وإعادة الوحدة الوطنية والوفاء بمستحقاتهما على المستوى الوطني في الداخل والخارج، وإعطاء بارقة الأمل للشعب لإنهاء الذرائع التي ما زالت تطيل أمد الأزمة.
أمام هذا الواقع بكل ما يحمل من الآلام ومشاكل للشعب الفلسطيني تقف الحالة الوطنية بأبعادها الشعبية والوطنية عاجزة عن حل لهذا المأزق الذي يؤرق الوضع الفلسطيني ويضعف دوركافة القوى والفصائل وجهودها وقدرتها على صياغة برنامج سياسي كفاحي قادر على مواجهة الاستحقاقات والتحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية،
ان صياغة توجه سياسي وطني للهيئات والمنظمات الدولية من أجل حصول فلسطين على عضوية دولة غيرعضو في الجمعية العامة للامم المتحدة وحصول فلسطين على عضوية في الهيئات الدولية كما حصل في اليونسكو، يؤكد على ضرورة دعم القيادة الفلسطينية على فرض الاجندة السياسية على المنظمات والهيئات الدولية لتقوم بدورها في وقف مسلسل التعديات والتجاوزات الصهيونية على الشرعية الدولية وقراراتها. كذلك إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية والهادفة إلى تفعيل مؤسساتها .
ان تطبيق اليات اتفاق المصالحة هو مصلحة وطنية للجميع وللشعب الفلسطيني الذي انتظر وما زال وذلك بهدف اجراء الانتخابات المحلية المباشرة، واجراء الانتخابات التشريعية للمجلس الوطني والتشريعي، والانتخابات الرئاسية، وعدم انتظار فرج لن يأتي ، وضرورة إلزام كل من يعرقل بنائج هذه الانتخابات بضرورة إنجاز هذا الاستحقاق الوطني الملح والذي سيشكل إذا ما تمكنا من تحقيقه من إعادة الاعتبار لوحدة الموقف والأداة وتمكين الساحة من تجاوز مرحلة الانقسام ومواجهة الغطرسة والاعتداءات الصهيونية المتواصلة من قبل قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال.
لهذا نرى ان الانتخابات المحلية ستضخ دماء جديدة قادرة على مواجهة التحديات المتواصلة واليومية، وتقدم الخدمات الضرورية لأهلنا، وتعبيد الطريق لإجراء انتخابات وطنية شاملة تعيد الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني وستمهد للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة والمجلس الوطني الفلسطيني .
ان الاختلاف في وجهات النظر مسألة طبيعية ، خاصةً التعقيدات التي تمر بـها قضيتنا الوطنية والتعددية الفكرية والسياسية في كل مراحل نضالنا الوطني من الطبيعي ان يكون هناك تعارضات في الرؤى والبرامج ولكن عندما يذهـب البعض للتمسك بموقفه ويريد اقامة امارة له فهذا بكل تأكيد يمس جوهر القضية والحقوق ويؤثر سلبا على قواسم مشتركة تعزز نقاط الالتقاء .
ان التمسك في الحوار الوطني مسالة ضرورية مطلوب فنحن ما زلنا حركة تحرر وطني ، وشعبنا يناضل لتحرير الأرض والاستقلال الوطني لاستعادة حريته واستقلاله للضفة الفلسطينية وقطاع غزة والقدس ، كخطوة على طريق استعادة كامل الحقوق الوطنية المشروعة وجوهرها حق شعبنا في العودة إلى دياره وممتلكاته وتقرير مصيره باقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
فمن هنا فاننا نشدد على اهمية الحوار الوطني الشامل ، وليس ثنائي ، فالثنائية أوصلت الوضع الفلسطيني إلى ما وصلنا إليه ، وغيبت المشروع الوطني ، فنحن نتطلع الى حوار قائم على أساس الشراكة الوطنية ، حتى نعيد فعلاً إنتاج المشروع الوطني ، الذي على أساسه يتم تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ، لنعيد الاعتبار لقضيتنا الوطنية ، القضية المركزية لشعوب امتنا العربية والإسلامية وقضية أحرار العالم .
ان المرحلة الراهنة تتطلب من الجميع ان يكون بمستوى المسؤولية الوطنية في ضوء ما تتعرض له القضية من خطر التصفية ، تصبح المسؤولية التاريخية حماية الحقوق ودرء الخطر وهذا يضيق هوامش الخلاف بين الجميع في مواجهة الاستحقاقات على أساس المشروع الوطني الذي حدد الأهداف الوطنية لنضال لشعبنا في الحرية والاستقلال والعودة.
ان ما يتطلع اليه شعبنا اليوم يتطلب ايضا من كافة القوى الوطنية والديمقراطية توحيد جهودها من اجل بلورة موقف واضح مؤمن بالشراكة الوطنية والنقد والمساءلة حول البرامج والسلوك ، لتصبح جـزءً من حركة النضال الجماهيري .
ان الاعترافات المتزايدة بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة، يجب أن لا يوقعنا بوهم مريح بان الدولة الفلسطينية باتت على الأبواب فالسياسة الأمريكية، تقاربت خلال الفترات الأخيرة بشكل كبير مع الموقف الإسرائيلي، وتماهت مع الرؤية التي أعلنتها حكومة الاحتلال العنصرية في مواقفها الاخيرة.
إن هذا الحراك والتفاؤل باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبول فلسطين كعضو مراقب هام وايجابي، بل ويجب استثمار ما أُنجِز دوليا من اعترافات كان من بينها اعترافات دول القارة الأمريكية الجنوبية ودول أمريكا اللاتينية، وهو أمر يقتضي تمتين الجبهة الداخلية واستكمال عملية المصالحة وإعادة بناء البرنامج التوافقي الوطني الفلسطيني بين الجميع ليصبح الخطاب الفلسطيني موحداً أمام العالم , وخاصة ان مجرى المفاوضات بات يشكل عبئاً وطنيا على الشعب الفلسطيني ويلحق افدح الأذى بالحقوق والثوابت الوطنية ، ورغم أن قرارات الشرعية الدولية المتصلة بالقضية الفلسطينية تمثل الحد الادنى والقاعدة القانونية للحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس .
وامام المستجدات التي تجتاح المنطقة بعد رياح التغيير التي تعصف بمعظم الأنظمة العربية نتيجة الثورات العربية بعد ان عانت الشعوب على مدار سنوات طويلة من انظمة بوليسية وقمعية وحتى تستعيد حريتها ومرامتها وعدالتها الاجتماعية رغم المخاطرالتي تتعرض لها هذه الثورات لحرفها عن مسارها وذلك من خلال انتاج أنظمة بحلة جديدة , تعيد إنتاج التبعية من جديد – وحتى تصل إلى مبتغاها , ولهذا نرى اهمية استنهاض القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية والقومية العربية أن تبحث بشكل جدي , عن القيادة التي تقود حركة التغيير , وتضع البرامج التي توحد وتواجه , المشاريع المعادية , من اجل إسقاط مشروع الهيمنة الأميركية , والمشروع الصهيوني ( يهودية الدولة ) الذي يسعى باهتمام كبير الى زرع الفتن , والشحن المذهبي الطائفي والعرقي , بهدف تفتيت الدول , وخلق الصراعات الداخلية فيما بين الشعوب في الوطن الواحد وبالتالي تتحول الأهداف والرغبة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية , إلى صراعات تفتت المنطقة , بدل توحيدها , وإعادتها إلى دائرة العمل العربي المشترك , ودفع الأمة إلى حالة من النهوض , وعودة الحرية والكرامة الوطنية , ومواجهة المشاريع التي تعيد للأمة حقوقها الوطنية والقومية , وتتوحد في الدفاع عن القضية المركزية فلسطين , ودعم شعبها , لاستعادة حقوقه الوطنية والمشروعة .
وهنا لا بد من القول ان نجاح المقاومة في التحليق في سماء فلسطين، وهو نجاح لم يتحقق من قبل، واستطاع أن ينهي مرحلة هدوء السماء التي يقف تحتها الصهاينة، ونحن نرى ان عملية " أيوب " هي ابنة التجارب المستمرة للوصول الى مرحلة التعقيد التي بلغتها حتى أدهشت الاسرائيلي الذي ظن يوما ان عبقريته في مثل هذا السلاح لن يتفوق عليها أحد، ولسوف يبقى الوحيد فيه، فلقد شمت عملية ايوب عبق فلسطين ورأت الارض التي من أجلها آلاف الشهداء، ومئات الخطط والعمليات، وعلى اسمها مرت اسماء لمعت ثم انطفأت وأخرى ظلت في البال ومسجلة في اريج الارض، اخترقت تلك الطائرة مسافات قبل ان يتم اعتراضها واسقاطها، قدمت عرضا للعقل العربي والاسلامي الذي صنعها بتلك الميزات المتقدمة والمتفوقة. ولهذا حولت المقاومة اضافة جديدة الى انتصارات الحاضر وكذلك المستقبل.
ختاما لا بد من القول : من أجل إنقاذ فلسطين، بما فيها القدس، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين من الضياع، لابد من إعادة النظر في السياسات العربية الراهنة، من خلال الإعداد لمشروع عربي يقوم على وقف الانصياع للسياسات الأمريكية، كما علينا ألا نماطل نحن في إنجاز خياراتنا في الوقت والمكان المناسبين ولا ندع مجالاً للذرائع نظراً لحجم المخاطر التي تتعرض لهاالقضية الفلسطينية، فخيار مواجهة المشروع الصهيوني يفرض علينا ديناميكية وسرعة في تحديد خياراتنا وإنجازها.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت