مذابح الزيتون في فلسطين أحداث تتكرر في كل عام

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


نشرت هذه المقالة لأول مرة في 19/12/2010 م وأعيد نشرها اليوم في موسم الزيتون، (فالزيتون والفلسطيني) (كالماء والإنسان)، وعلاقة الزيتون بالفلسطيني علاقة تاريخية قديمة ووثيقة متأصلة في وجدانه، وهي دالة على أصحاب هذه الأرض، وتستحق الزيتونة أن توضع على العلم الفلسطيني لأنها رمز من رموز الهوية ووشم من التراث يستحيل إخفاءه من الملامح الفلسطينية، فهو مستوطن في دمه قبل أن يكون ملمحاً من ملامحه. وهو وثيقة بمثابة صك الملكية لأرض الزيتون (فلسطين).

............................................................................................................................

المقالة

اسرائيل دولة عصابات صهيونية قامت وتأسست على الجريمة، مجموعة من العصابات الحاقدة المتأدلجة بمفاهيم محرفة ومنحرفة وشاذة عن القانون السماوي والوضعي. فبعد أن سئمت من مذابح البشرالتي أجرتها على امتداد تاريخها المشئوم، ومل جيشها ومستوطنوها من رؤية الدماء، واتخموا من امتصاص دماء البشر، وفي ظل التقدم التكنولوجي الذي فضحهم في حروبهم الأخيرة على الشعوب العربية وخاصة في لبنان وفلسطين، طفقوا يبحثون عن مذابح من نوع آخر يفرغون فيها أهواءهم وهواياتهم في اضطهاد الإنسان في رزقه وتراثه وموروثاته التي تمثل وتحكي قصة وجوده على الأرض، إن النفس القاسية قساوة الحجارة والتي يعشعش فيها الحقد والإنحطاط والهوان والإستهانة بدم الإنسان وحياته، لن تتورع في هدر معاني الحياة ومقوماتها على وجه الأرض، فهي نفس مجمدة ميتة، ماتت فيها الأحاسيس والعواطف الفطرية التي فُطِر عليها الإنسان، وكما قال المتنبي "من يهن يسهل الهوان عليه ، ما لجرح بميت ايلام". فتفنن الفكر الصهيوني في ابتكار المذابح لكل ما هو مخلوق على الأرض، مذابح مبتكرة من الفكر الصهيوني العنصري الشاذ، يستهدفون فيها كل ما هو حي على وجه هذه الأرض التي عليها ما يستحق الحياة. ولم تسلم منهم الجمادات والمعالم التاريخية والحضارية الدالة على أصحابها الحقيقيين، فأداروا المذابح والحرائق ضد المساجد ودور العبادة وضد المعالم التاريخية والحضارية التي تحكي قصة الإنسان الفلسطيني على هذه الأرض. يقتلون كل حيٍّ يسبح باسمه تعالى من النبات والحيوان. إنه نبات جاء ذكره في القرآن الكريم، وأقسم به الله وضرب مثلاً بنور زيت الزيتون للدلالة على نوره سبحانه وتعالى.

قال تعالى "والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين" إنه والله لقسم عظيم بشجرة مباركة، وقال تعالى في الزيتون "الله نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب درّي، يوقد من شجرة مباركة، زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس، والله بكل شيء عليم". وهنا ميز الله الزيتونة عن باقي الأشجار فهي لا شرقية ولا غربية، واختلف المفسرون في اجتهاداتهم لتفسير ذلك، فمنهم من قال أنها شجرة دائمة الخضرة لا تلفحها الشمس عند الشروق ولا عند الغروب، ومنهم من قال أنها شجرة بالجنة، ومنهم من قال أنها شجرة في بلاد الشام حيث تتوسط الشرق والغرب، ومنهم من قال أنها لا نصرانية ولا يهودية........الخ. والله أعلم بذلك. ولكن المهم أنها شجرة مميزة عن باقي الشجر من الخالق العظيم.

وقد أوعز الجيش الإسرائيلي لقطعان ورعاع المستوطنين الصهاينة بالقيام بالمهمة المبتكرة نيابة عنهم، وزودهم بأدوات المذبحة، وتكفل بحمايتهم، وذلك خجلاً من أن يقال أن الجيش الإسرائيلي يحارب الشجر. ولكن السؤال المهم هو "لماذا شجرة الزيتون تتعرض للذبح والتصفية من قبل الصهاينة؟".

والجواب على هذا السؤال هو أن مذابح الزيتون في فلسطين هي جزءٌ من سياسة التصفية العرقية العنصرية التي يمارسها الصهاينة ضد الوجود الفلسطيني في أرض فلسطين. وتأتي تطبيقاً لأفكار هذه الحكومة العنصرية المتطرفة التي يقودها ليبرمان من خلف الستار. يمسك بيد نتنياهو من موقع ألم، ألم على فقد كرسي الحكم، هذا الصهيوني العنصري الذي يعيش تحت وطأة الهواجس من التفوق الديمغرافي الفلسطيني في يوم من الأيام ويطالب بإجلاء الفلسطينيين من فلسطين على امتدادها الجغرافي بشتى الوسائل والطرق ومهما كانت هذه الوسائل.

واستكمالاً للجواب على السؤال، وكيف أن مذابح الزيتون تأتي في سياق سياسة التصفية العرقية التي تمارسها اسرائيل الرسمية ضد الشعب الفلسطيني، فتلك هي المبررات والأسباب:

1. شجرة الزيتون هي موروث قديم تناقلته الإجيال الفلسطينية منذ آلاف السنين، لذلك فهي جزء من التراث الفلسطيني الذي يوثق الحق الفلسطيني بالأرض الفلسطينية من النهر الى البحر. ولا تخلو مدينة أو قرية أو خربة فلسطينية من هذه الشجرة المباركة. فهي وشم يتوسم به كل مولود فلسطيني قديماً وحديثاً، ويبقى هذا الوشم محفوراً على جبينه حتى الممات.

2. شجرة الزيتون هي الجسر الذي يصل فلسطينيي الشتات بأرضهم وأهلهم، ويذكرهم بخيراتها وفضلها عليهم، ففي كل عام ينتظر الفلسطيني في الشتات موسم الزيتون ويتواصل فيه مع الأرض والأهل، ليزود بيته بالزيت والزيتون الذي يمثل العنصر السائد في الطعام الفلسطيني، ليظل يذكره بالأرض التي طرد منها أبواه وأجداده، فمهما تلون الفلسطيني بالشتات وتجنس بأي جنسية، وانغمس في تقنيات العصر ومنتجات العولمة من الزيوت المهدرجة، ومهما تباعدت أجيال الشتات المولودة خارج فلسطين ستظل مشدودة ومتشوقة لأرض الآباء والأجداد.ولن ينسى أبداً هذا الفلسطيني المشتت هذا الغذاء التراثي الوطني الأصيل، والمناوب في البيت الفلسطيني اينما وجد أربعة وعشرين ساعة على مدار اليوم وعلى امتداد العام. ولن يرضى بأي زيت بديل.

3. شجرة الزيتون فيها قوة جاذبية تعمل باتجاه الجاذبية الأرضية، فتزيدها قوة على قوة لتشد الفلسطيني لأرضه مهما كانت شراسة الهجمة، ولتمنحه القوة المعنوية والروحية للدفاع عن وجوده والتمسك بأرضه وترفده بمقومات الصمود والمقاومة لأنها تشكل مصدراً مهماً وأساسياً لرزقه ومعاشه. فالزيتون في فلسطين ثروة قومية وهو بمثابة النفط في دولة نفطية. ومحاربة الإنسان في مصدر مهم في رزقه ربما تدفعه لمغادرة البلاد كما يفكر الصهاينة. وقد فشلوا في تحقيق هذا الهدف الذي يتمنون الوصول اليه ولن يصلوا بإذن الله.

4. إن موسم الزيتون في فلسطين يعتبر مناسبة وطنية فلسطينية، يعبر فيها الفلسطينيون عن انتمائهم لهذه الأرض وتمسكهم بها بالنواجذ والأسنان وبالأظافر. ويعيدون فيها سيرة الأجداد مجددين حفاظهم على احياء هذه المناسبة الوطنية كال عام. كما أنها مناسبة اجتماعية يعبر فيها الفلسطينيون عن التقارب والتعاون والتضامن والوحدة لإنجاح هذا الموسم. فتقوى أواصر القربى والجوار. إنها مناسبة تعبر عن النشاط الفلسطيني والمثابرة والسعي والكد. إنها عرس وطني يحرص كل فلسطيني على احيائه والمشاركة به.

وهذه دعوة الى إعادة تأهيل حقول الزيتون التي حرقها الحاقدون، وإعادة زراعتها من جديد لكي تحرق قلوبهم الحاقدة السوداء.

نقول لكم أيها الصهاينة :

إن أردتم حرماننا من الزيت، فسنستخرجه من أجسادنا التي تعصر زيتاً، فكل جسد فلسطيني هو منجم للزيت الفلسطيني، فدماؤنا تخفق بزيت أرضنا، وسنظل نجتره من جيل الى جيل لكي يذكرنا دوماً بأرضنا وحقنا، ولن ننسى وطننا مهما طال الزمن، ومهما بعدت الشقة. فأنتم ونحن والزمان طويل. والعاقبة والجزاء للمتقين والصابرين. والعقاب والموت للموجسين والمرجفين. فكل زيتونة حية في فلسطين تحرق قلباً من قلوبكم، وفلسطين أرض معطاءة، ولن يموت فيها الزيتون أبداً، وكل زيتونة قضت مقاومة شهيدة ستأخذ مكانها في جنات الخلد، وستلعنكم يوم القيامة وستقتص منكم أيها القتلة أمام الخالق، يا قتلة البشر والشجر والحجر. وسينتقم منكم الحجر. فالله يمهل ولا يهمل.

بقلم أحمد ابراهيم الحاج

15/10/2012 م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت