نحن في عصر أصبح فيه الحكيم حيران ، الولايات المتحدة الأمريكية لا تترك مجالا إلا وتؤكد فيه حجم عداءها للقضية الفلسطينية وحجم تأييدها لدولة الكيان الإسرائيلي ، وهذا المشهد المكرر لدرجة الغثيان لا يحتاج الى أي بحث أو تمحيص ولا يجرؤ أحد على إنكاره بل يتبارى الجميع في تأكيده وتشخيصه والكل يبحث عن أسبابه ودوافعه ، لماذا الولايات المتحدة لا تلق بالا لغضب أكثر من مليار ونصف المليار مسلم ومئات الملايين من العرب الذين يعلنون دائما بشكل متكرر ومبالغ فيه أنهم يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم المركزية وفي المقابل تسعى الولايات المتحدة لكسب رضى وتـأييد وعدم إغضاب أو إحراج عدة ملايين من اليهود يغتصبون أرض فلسطين ، هناك من يعتقد أن هذا التحالف له بعد ديني عقائدي والبعض الآخر يعتبر هذا الموقف الأمريكي له علاقة بتحقيق مصالح غربية في المنطقة وهناك من يعتقد أن الخلل يكمن في ذات الأمة العربية والإسلامية بأنها خانعة وترضى بأي حل حتى لو كان مجرد وعودا فارغة ولا تملك هذه الأمة المهزومة القدرة على التعبير عن غضبها بأكثر من تصريحات فارغة .
أمريكا تعمل جهارا نهارا على عدم تحقيق إنجاز فلسطيني من شأنه أن يحرج الكيان الإسرائيلي ولا يقتصر الموقف الأمريكي عليها فحسب بل تهدد وتتوعد كل من يقف الى جانب الحق الفلسطيني ، بالرغم أن الجانب الفلسطيني الرسمي لا يطالب بأكثر مما تضمنته قرارات الشرعية الدولية والتي نصت على الحفاظ على وجود ومكانة وأمن الكيان الإسرائيلي ، وقبلت القيادة الفلسطينية كل الأطروحات الكفيلة بتعزيز وجود الشعب الفلسطيني كشعب له حقوق ، ومع كل تلك التنازلات لازالت الولايات المتحدة تعلن الحرب والعداء على كل تحرك فلسطيني ، وامام هذا العداء السافر والمباشر لا تجد أي رد فعل عربي أو إسلامي يوازي أو يقابل هذا العداء بل كلما اشتد العداء الأمريكي ضد شعبنا وقضيتنا كلما ازدادت دعوات التقارب بشكل مذل وفاضح تجاه الإدارة الأمريكية وترى بعض السياسيين يبذلون جهدا غير عادي في التسويق لهذا التقارب على أننا لا نملك خيارا آخر سوى المزيد من التقارب وعدم إغضاب الرئيس الأمريكي وعدم إحراجه بل والتعاطي مع الانتخابات الأمريكية بوسائل لا تحرج الرئيس الأمريكي حتى لو كانت على حساب مصالح القضية الفلسطينية .
إنها البلادة العربية أو الغباء العربي – بامتياز – عندما يعلن طرف دولي بحجم أمريكا أنها لن تسمح بقيام دولة فلسطينية على أرض الواقع إلا بموافقة الكيان الإسرائيلي ولن تسمح لأي طرف دولي بدعم الشعب الفلسطيني إذا غضبت " إسرائيل " ، ومع ذلك تأتي الوفود الأمريكية الرسمية للعواصم العربية ويتم استقبالها كأصدقاء وكحلفاء دونما أن تهتز العلاقات بسبب الموقف الأمريكي من القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية ، أليست هذه هي البلادة العربية في أوضح صورها ؟
وكذلك البلادة الفلسطينية عندما لا يتأثر بعض القيادات من الموقف الفلسطيني ويصر على احتفاظه باللياقة الدبلوماسية كلما التقى مع مسئول أمريكي ويقبل منه وعودا تحمل في طياتها حجم الاستغباء والاستهبال لتلك القيادات ، وكلا الطرفان عندما يلتقيان يعلمان حقيقة مشاعر كل منهما تجاه الآخر ، ولكن الوقاحة الأمريكية تقبل الابتسامات المصطنعة الكاذبة ولا تعطي بالا أو اهتماما لمشاعر العرب الحقيقية تجاهها لأنها تعتبر كره العرب لها وسام تفخر به لأنهم ينظرون للقيادات العربية بكثير من الاستخفاف والاستحقار فلا يشرفهم أن يعلموا أن هذا المسئول يحترمهم أو يكرههم ، لأنه في الحالتين لا وزن لمشاعرهم والأهم هو تنفيذ كل ما هو مطلوب منهم ، وكلا الفريقين يعلم تلك الحقيقة .
توقع بعض المتعجلين أن " الربيع العربي " قد يعيد بعض التوازن في العلاقات مع الولايات المتحدة وليس المقصود هنا إعلان الحرب أو قطع العلاقات – لا سمح الله – ولكن التعبيرعن مصالح الطرفين ، في مقابل تحقيق أمريكا لمصالحها في المنطقة يجب الأخذ بعين الاعتبار مصالح الأمة العربية والإسلامية وأن تشعر أمريكا خلال ممارستها لسياستها الخارجية أن هناك أمة بدأت تحس وتشعر وتتحرك وأن البلادة بدأت تتناقص شيئا فشيئا ، ولكن من الواضح أن أمريكا لم يصلها بعد هذا الشعور وقد لا يصلها في المدى المنظور ، لأنه كما قيل " المكتوب يعرف من عنوانه " .
عماد عبد الحميد الفالوجي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت