احتل قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة للكنيست الـ (19) صدر صفحات الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية التي امتلأت بالتقارير والتحليلات والتحركات على طول وعرض الحلبة السياسية – الحزبية.
العناوين الانتخابية الجديدة استبدلت الملف الإيراني، والتهديدات الإسرائيلية اليومية بتوجيه ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، فسبحان المغير والذي لا يتغير، وبدأت استطلاعات الرأي العام تعمل بشكل مكثف لاستنباط توقعات الناخبين، واتجاهات الرأي العام حول موازين القوى في هذه الانتخابات، وحجم المقاعد التي سيحصل عليها المتنافسون على المقاعد الـ (120) - عدد مقاعد الكنيست، أما عدد أصحاب حق الاقتراع فهو يزيد عن ستة ملايين ناخب، بينهم نحو (600) ألف ناخب من داخل الخط الأخضر من حملة الجنسية الإسرائيلية، وما يطلق عليهم بعرب الداخل.
إن إعلان رئيس الحكومة "نتنياهو" إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها بثمانية أشهر، لم يفاجئ الإسرائيليين، هذه الانتخابات التي قد تجري في نهاية شهر كانون الثاني من العام القادم، ولتقديم موعد الانتخابات هناك مجموعة من الأسباب، كان أولها فشل "نتنياهو" في التوافق مع شركائه من الأحزاب المشاركين في حكومته، بشأن ميزانية الدولة للعام القادم، وتقليص أربعة مليارات من الشواكل- أي نحو مليار دولار- من الميزانية على حساب تخفيض مستوى المعيشة والخدمات العامة للإسرائيليين ، مع أن تبرير "نتنياهو" لتقديم الانتخابات كان الأزمة الاقتصادية والأمنية، والملف الإيراني، وحسب النظام القانوني الإسرائيلي، فإن الفشل في تمرير الموازنة، يؤدي أوتوماتيكيا إلى حل الحكومة، فهو استبق ذلك معتبرا أن خصومه ومنافسيه ضعفاء، وأن إجراء الانتخابات المبكرة في صالحه، غير أن المحلل لجريدة "معاريف 11/10/2012 بن كاسبيت"، خلص إلى نتيجة مغايرة مفادها بأن الذي دفع "نتنياهو" إلى تبكير موعد الانتخابات، ليست الصعوبات في تمرير الموازنة، ولا الملف الإيراني، بل خشيته من عودة "ايهود اولمرت" رئيس الوزراء السابق، بعد تبرئته من التهم التي تحول
دون عودته للحلبة السياسية، باعتبار أن "أولمرت" هو الوحيد القادر على هزيمة "نتنياهو"، فأحزاب المعارضة تنفست الصعداء لتقديم موعد الانتخابات، معتبرة ذلك بأنه يبث الأمل للمواطنين للخروج من سيطرة اليمين المتطرف على مقاليد الحكم.
وليكون واضحاً، فإن المعركة الانتخابية القادمة في حقيقتها تجري بين معسكرين يتنافسان فيها: معسكر اليمين الذي يقوده حزب الليكود، ويضم الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة التي تحظى بتأييد المستوطنين، وحزب إسرائيل بيتنا الروسي بزعامة "افيغدور ليبرمان" سيء الذكر، وبين كتلة الوسط واليسار وحزب العمل وكديما وميرتس والأحزاب العربية وحزب "عتيد" الجديد برئاسة الإعلامي "مائير لبيد"، وحسب استطلاعات الرأي العام فإن كتلة اليمين هي التي ستتفوق في هذه الانتخابات، وقد تحصل على (66) مقعداً في الكنيست، مقابل (54)، مقعداً لأحزاب الوسط واليسار.
ومع ذلك فهناك بوادر مفاجآت في الأفق، فالأحاديث تدور على أن هناك مشاورات مكثفة لتشكيل كتلة لأحزاب الوسط واليسار يقودها "ايهود اولمرت" الذي يتمتع بشعبية واسعة، وستشمل هذه الكتلة زعيمة حزب كديما السابقة "تسيفي لفني"، وزعيم كديما الحالي "شاؤول موفاز"، والإعلامي "يائير لبيد" وزعيمة حزب العمل "شيلي يحيموفتش" وبتأييد من حزب ميرتس والأحزاب العربية، وهناك مفاجأة أخرى، إذ أن "آرييه درعي" رئيس حزب شاس السابق، وهو سياسي معتدل، ينوي تشكيل حزب جديد لخوض الانتخابات يقتطع من خلاله جزءاً من أصوات اليمين، ومن حزب شاس، وكبديل تدور حالياً مداولاته لعودته لقيادة حزب شاس، أو تقاسم القيادة بينه وبين رئيس شاس الحالي "إيلي يشاي"، وكل ذلك يتوقف على قرار الرئيس الروحي لحركة شاس الحاخام "عوفاديا يوسف"، ومع ذلك فلا ضمانة لتفوق كتلة الوسط واليسار على كتلة اليمين، إلا إذا حققت هذه الكتلة فوزاً بـ (61) مقعداً -أي النصف زائد واحد- مما يدفع بحزب شاس للمشاركة في حكومة الوسط، وهذا ما جرى عام 1992 حين فاز حزب العمل بزعامة "رابين" وحزب ميرتس بـ (56) مقعداً، وبتأييد من النواب العرب الذين حصلوا على خمسة نواب فقط، فاضطر حزب شاس الائتلاف مع حكومة "رابين" وتأييد هذا الحزب لاتفاق اوسلو، لكن ما حصل عام 1992 قد لا يتكرر إلا بأعجوبة، إذ أن التيار السائد في الشارع الإسرائيلي يتجه نحو اليمين والتطرف، فرئيس الوزراء "نتنياهو" مطمئن حول عودته لتشكيل الحكومة القادمة.
حكومة "نتنياهو" الحالية، حققت استقراراً في الحكم أفضل من الحكومات التي سبقتها، ودام حكمها نحو أربع سنوات، تُعتبر هذه المدة رقماً قياسياً بالنسبة للحكومات السابقة، لكن هذا الاستقرار كان على حساب التطرف والعنصرية والتوسع الاستيطاني، وتهويد القدس الشرقية ومحاولة ابتلاعها، أما الأهم فكان لتهربها من استحقاقات السلام، وحل الدولتين وفقاً لما طرحه "نتنياهو" بنفسه، فهذه العوامل وحدت المشاركين فيها، وصمدت بالحكم دون هزات تذكر.
إن المعركة الانتخابية ستتركز على الوضع الاقتصادي المتراجع، واقتطاعات مبالغ كبيرة من الموازنة على حساب مستوى معيشة الإسرائيليين، وهناك من يقول- من بين القيادات السياسية الإسرائيلية-أن هناك فرصة نادرة للتخلص من أسوأ أربع سنوات في تاريخ إسرائيل، وأن المخرج الوحيد اختيار طريق جديد بعد أن أصبحت إسرائيل منعزلة في الأوساط الدولية، وأن التسوية مع الفلسطينيين، وإنهاء الاحتلال، وحل الدولتين، يؤدي إلى إنقاذ الوضع الاقتصادي لحياة الإسرائيليين، والسير بطريق وتوجهات السلام، من شأن ذلك إعادة الأمن والاستقرار والعيش الكريم لجميع شعوب المنطقة.
لقد بدأت الأحزاب بإعداد قوائمها الانتخابية، وقوائم مرشحيها وبرامجها الانتخابية، استعداداً للمعركة الانتخابية، وحتى إن كانت نتائج الانتخابات لصالح "نتنياهو"، إلا أن الخارطة الحزبية الجديدة، قد ينتج عنها تغييراً في الائتلاف الحكومي القادم، بحيث يتخلص "نتنياهو" من الاعتماد الكلي على أحزاب اليمين المتطرف، ولنفترض نجاح كتلة الوسط في هذه الانتخابات- والأمل ضعيف- فإن ذلك لا يعني إنها قادرة على وقف الاستيطان، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، لكنها ستكون أقل تطرفاً وتوسعاً، فهي أو غيرها من الحكومات القادمة ليس باستطاعتهم حل القضية الفلسطينية بصفقة واحدة، بل على مراحل، لوجود أكثر من (500) ألف مستوطن في الضفة الغربية، يشكلون عائقاً كبيراً أمام أي حل، فقد أضاعت إسرائيل جميع فرص السلام، وتبقى الكرة بالملعب العربي، وموقف الإدارة الأميركية القادمة، ومواقف الرأي العام الإسرائيلي، وتوجهاته في صناديق الاقتراع ما بين تخليد الوضع الراهن، وبين اختيار طريق السلام.
بقلم: غازي السعدي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت