حذار من الفيروس القطري

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


حذار، حذار، ثم حذار يا شعبنا الفلسطيني العظيم من الفيروس القطري الذي فتك بالجسم العربي، وأراق الدم العربي أنهاراً في ليبيا وفي سوريا وفي العراق وفي لبنان وفي فلسطين يوم الإنقلاب المشؤوم واحتلال المتمردين على الشرعية لقطاع غزة.
حذار من زيارة أمراء النفط والغاز ( صاحبة الجلالة حاكمة قطر وزوجها سمو الأمير) الى قطاع غزة وما يعتري هذه الزيارة ويكتنفها من مشتبهات في المنطقة الحرام، فالأيادي القطرية الحاكمة قد تلطخت بالدماء العربية بإثارتها النعرات والفتن في أرجاء الوطن العربي بالمال القطري، والتي أخذت على عاتقها تمويل المشاريع الأمريكية وتحويل نظرية كونداليزا رايس (الفوضى الخلاقة) الى واقع على الأرض العربية وذلك بالأموال العربية بهدف تدمير الكيانات العربية المؤثرة والتي يعول عليها الأمل العربي في تحقيق الطموح العربي الكامن في نفس كل عربي. بدءاً من العراق ومروراً بمصر وانتهاءً يسوريا. وليس هذا دفاعاً عن الأنظمة أو أسفاً عليها ولكنه دفاعاً عن الكيانات والأوطان والدول والشعوب العربية خوفاً من التفكك والإنحلال والدخول في دوامة الفوضى الخلاقة بالمفهوم الأمريكي الإسرائيلي.
من حقنا أن نتساءل عن الأهداف المحتملة من تلك الزيارة:
هل هي لتعيين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس باستخدام الضغط المالي القطري؟ تماماً كما عينت قطر الأمين العام لجامعة الدول العربية. ربما كان ذلك من ضمن الأهداف المتوخاة.
هل هي لإثارة ربيع قطري بفلسطين، (ثورة الفلسطيني ضد أخيه الفلسطيني)؟ ربما يكون ذلك صحيحا ويأتي في سياق الضغط الأمريكي لعدم التوجه للأمم المتحدة بالإعتراف بدولة فلسطين.
هل هي في سياق الضغط على القيادة الفلسطينية الشرعية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها لاستبدالها بتمثيل حزبي ضيق متناغم مع التوجه الإسرائيلي الأمريكي؟ وما المانع من ذلك في النيات القطرية الموجهة بالبوصلة الأمريكية. سيما وأن في الزيارة تجاهل تام للشرعية الفلسطينية لصالح المتمردين على الشرعية.
هل هي في صالح المصالحة الوطنية الفلسطينية؟ لا، ولو كان في صالح المصالحة لتم التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
ولكن نعيد ونكرر، حذار من الربيع القطري الذي عصف بالأمة وعاث فيها فساداً، فقد كان مخططاً للربيع القطري أن يبدأ في فلسطين منذ إقناع قطر لحماس بدخول الإنتخابات الفلسطينية تمشياً مع الرغبة الأسرائلية الأمريكية لخلق خلافات بينية فلسطينية ونجحوا بذلك الى حد بعيد لكنه لم يلب الطموح الخفي الكامل وهو تصفية القضية الفلسطينية لحساب قطاع غزة ككيان فلسطيني يعيش الى جانب اسرائيل. وتكرر حينما بدأت قناة الجزيرة ببث برنامجها عن وثائق ويكليكس فيما يختص بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى ووعي شعبنا حالا دون تحقيق الهدف الخبيث من وراء هذا البرنامج الملفق. وجاءت انتفاضة الشعب التونسي الحر ضد التسلط والدكتاتورية والظلم لتحرف المسار. ثم تلتها انتفاضة الشعب المصري العظيم، والشعب اليمني الثائر وبعد ذلك انتفاضة الشعب الليبي على الظلم ومن ثم انتفاضة الشعب السوري الحر، ووجد الربيع القطري سبيلاً للنفاذ اليها واللعب في حياض تلك الإنتفاضات الكريمة الحرة على وقع الفوضى وانعدام الأمن، وانغمست قطر بكل امكانياتها متدخلة بالشئون الداخلية لتلك البلدان، وذلك لتشويه ثوراتها والقفز على أهدافها السامية البريئة، وحرف مسارها وقطف ثمارها لتؤؤل الى من لا يستحقها. وحققت قطر بعض النجاحات في تلك الإنتفاضات وذلك بثقلها المالي ولعبها دوراً خفياً مع النفوس المريضة من أبناء تلك الشعوب، وكانت النتائج المتحققة من هذه الإنتفاضات العظيمة دون مستوى الطموح الشعبي لهذه الأقطار. ولكنها كانت خطوة الى الأمام على طريق التحرر الوطني لا بد منها، وستصل تلك الشعوب في نهاية المطاف الى أهدافها السامية وتلفظ كل ما علق بها من مشتبهات وتتخلص ممن قفزوا على الأهداف الوطنية الواسعة بحثاً عن الأهداف الشخصية الضيقة. فهذا مخاض طويل فيه الألم والأمل.
فلسطين بحاجة الى ربيع فلسطيني خالص ضد العدو المحتل لأرضنا، وهذا الربيع بدأ منذ بواكير النكبة واستمر الى يومنا هذا ولم يتوقف، وهو الملهم لكل ربيع عربي وطني خالص، ولا نريد ربيعاً غيره، لأن تناقضنا الرئيسي مع هذا العدو المحتل، وفلسطين ليست بحاجة الى ربيع قطري يهدف الى ثورة الفلسطيني على أخيه الفلسطيني لأننا ما زلنا تحت الإحتلال ولا نملك سلطة نختلف عليها، ولا ربيع يعلو على ربيع التحرر والإستقلال في القاموس الفلسطيني. نسأل الله أن يدرأ عنا الربيع القطري المشبوه والذي يلاقي صدى من بعض أبناء شعبنا المضللين والمشتهين للمال القطري والإيراني، والمتعطشين والمتحفزين للسلطة الفئوية على حساب قسمة الوطن وعلى حساب المصالح الوطنية العليا..
ولكن يبقى السؤال الملح، لماذا تلعب قطر الدولة الصغيرة جغرافياً وديمغرافياً هذا الدور القيادي للأمة، وتملك بوصلة الأحداث العربية تحرفها حسب رغباتها وفي غياب للكيانات العربية الكبيرة والمؤثرة بفعل قمع الحريات وغياب التنمية وتسلط الأنظمة الحاكمة وغياب القوى الوطنية؟

بعد الإجتياح العراقي للكويت تنبه قادة قطر الحاليون والإنقلابيون على الشرعية القطرية للمخاطر التي تهدد دويلتهم وسط هذا البحر الهائج المضطرب ، وإلى حقيقة أنهم عرضة للإبتلاع من الكيانات العربية القوية في المنطقة ، ومن منطلق التفكير القبلي الضيق فقد إنقلب الأبناء على الآباء وفكوا ارتباطهم مع العالم العربي وتحالفهم مع دول الجوار(مجلس التعاون الخليجي العربي) لتكون الأولوية للمصالح القبلية الشخصية وللتجاذبات الإقليمية والأحلاف الأجنبية الطامعة ، ولجأوا الى الولايات المتحدة الأمريكية لاستضافة قاعدتهم العسكرية في المنطقة وذلك ضماناً لاستمرارية قبيلتهم في حكم ضيعة الدوحة. فقد كانت لهم خلافات حدودية مع كل من السعودية والبحرين ، ولتقوية موقفهم التفاوضي في هذه الخلافات استدروا العطف الأمريكي القطب الأوحد والأقوى في العالم ، والتقت مصالحهم القبلية الضيقة مع المصالح الأمريكية الطامعة في العراق والهيمنة على المنطقة العربية ، وقدموا لأمريكا أثمن هدية وهي استضافة القاعدة العسكرية الأمريكية لاحتلال العراق وفرض الوصاية الأمريكية على هذه الضيعة لتكون مكملة للولايات الأمريكية بالإنتساب لهذه الولايات عن بُعْد. وحتى يأخذ هذا المنحى معناه العملي والجدي فقد امتدت العلاقات القطرية الى مخلب الولايات المتحدة في المنطقة وهي اسرائيل بصفتها حليفة الحليف وأقوى قوة عسكرية في المنطقة لتضيف الى عنصر الحماية لقطر قيمة إضافية في تعزيز استمرار الدويلة القطرية بابتزاز وتهديد الأنظمة العربية ذات الكيانات الإستراتيجية ، وأقامت قطر علاقات استراتيجية قوية جزءٌ صغير منها تكتيكي علني بافتتاح مكتب تمثيل تجاري كيافطة وعنوان مضلل للحقيقة، ويافطة على بيت للدعارة السياسية مكتوب عليها "هذا من فضل ربي"، وجزء كبير استراتيجي خفي للتجسس على الأمن القومي العربي، ليكتمل عقدها في تخويف جيرانها من الكيانات العربية المجاورة ، وجرى على أيدي القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر وبمباركة قطرية- حيث أنها لا تملك الاّ المباركة ولا تملك القرار- تدمير كيان عربي قوي وغني وتقسيمه الى طوائف وأعراق ضعيقة لا تملك قرارها وتحت الهيمنة الأمريكية الإيرانية، وبذلك ضمنت قطر زوال التهديد العراقي لكيانها الهزيل ، وضمنت وقف مخاوفها من الكيان السعودي الكبير المترامي الأطراف إن فكر يوماً ما في ضم قطر للجزيرة العربية لاستكمال وحدتها. وهذا من باب الأخذ بالأسباب لأنهم مقتنعون بأن السياسة السعودية تتميز بالحكمة والروية والبعد عن مخاطر المغامرات غير المحسوبة.
ولكي تثبت قطر ولاءها للحلف الأمريكي الإسرائيلي فقد قدمت خدمة لإسرائيل وما زالت تقدم وذلك بترسيخ الإنقسام الفلسطيني وتشجيع الإنقلاب الذي قامت به حماس وبحماسة منقطعة النظير ، ولم تقف عند حد التشجيع والتصفيق بالنصر الحمساوي العسكري في غزة ، بل قامت أيضاً بتمويله وكانت معبراً للتمويل الآخر من ايران مستغلة علاقاتها المميزة مع اسرائيل ومع ايران في ذلك الوقت وبعلم اسرائيل في تشجيع هذا الإنقلاب وتنفيذه. وهنا يتساءل المرء ، ما هي العوائد التي ستجنيها قطر البعيدة جغرافياً من الركض بعيداً عن محيطها بإمكاناتها المتواضعة على كل الصُّعُد وهشاشة كيانها وتذهب بعيداً وتشق الصف الفلسطيني وتدخل في لعبة الكبار بغطاء وأحضان الأعداء؟ والجواب هو أن هذه العوائد ستنعكس ايجاباً على علاقاتها مع اسرائيل الحليف المخلص للقطب الأوحد ولحامي الكيان القطري من التآكل والإنصهار في محيطه العربي نظراً لامتداد أصول ساكنيه وتواصلهم وتداخلهم القبلي مع كيانات عربية مجاورة وروابط اسرية وأخوية قديمة. وهنا التقت المصلحة القطرية مع المصلحة الإسرائلية المتطرفة التي ستجلب الليكود لتساهم في تعقيد الموقف الفلسطيني وشتاته وعدم أهليته للدخول في مفاوضات لتطبيق قرارات الشرعية الدولية لمصلحة القضية الفلسطينية ، ولتزيد من التعنت الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين
وأخيراً ، كنا نتمنى كفلسطينيين أن نكون على مسافة واحدة من كل اخواننا العرب ونحتفظ بعلاقة الحياد حيال الخلافات العربية لنكسب الدعم العربي والبعد القومي لصالحنا ، ولكن بعضاً من إخواننا لم يتركونا بحالنا ، وتدخلوا في بيتنا الفلسطيني بشكل لا يخدم قضيتنا العادلة سواءً بقصد مسبق أو بقصدٍ من أجل المزايدة أو بدون قصد وعن جهل ، تجربتنا تقول أنه "لا يحك جلدك غير ظفرك" فمن لديه المساعدة في لمِّ صفنا فليتفضل بكل احترام وتقدير ، ومن يبذر بذور الشقاق في صفوفنا وينميها ويقويها فقد اختار أن يصطف مع عدونا وعدو الأمة جمعاء ، وبدورنا نسأل الله له الهداية. ونسأله أن يلهمنا الصبر والسلوان ونعمة النسيان على البلاء ، لأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة وإيلاماً على النفس من ظلم العدو وقد تجاوزنا مراحل الأخذ بالثأر الى التسامح البناء ، وإن لم يرعوِ الإخوة الأعداء عن ايذائنا نقول لهم بأن لحمنا مُرّ استعصى على أسيادهم.
نأمل من إخواننا وشعبنا العظيم في غزة هاشم أن يتذكروا أن القنابل العنقودية الحارقة وغير العنقودية التي ضربتهم بها اسرائيل كانت تشحن من القاعدة الأمريكية في قطرالى الكيان الصهيوني في أرضنا الفلسطينية. وأن يتذكروا أن من ينقلب على والده لا يؤمن جانبه مهما أبدى من تعاطف مبطن بالخبث ومهما ذرف على غزة من دموع التماسيح.
وليتذكر شعبنا الفلسطيني التحالف السوري القطري في وقت ليس ببعيد، واحتجاب قناة الجزيرة عن الخوض في الشأن السوري والتاريخ السوري كما خاضت في شئون وتواريخ الأقطار العربية كلها باستثناء سوريا، كان ذلك التحالف على حساب القضية الفلسطينية، داعماً للإنقسام الفلسطيني وحائلاً دون الإنجازات السياسية الفلسطينية وسداً منيعاً للوحدة الفلسطينية الوطنية. ولا يخفى اليوم على إخواننا في غزة الإنقلاب القطري بزاوية 180 درجة على النظام السوري. فمن لا صاحب ولا حليف له لا يؤمن جانبه.
فالحذر الحذر من النوايا القطرية مع تمنياتنا أن تكون النوايا حسنة ويضحد الله كل تخوفاتنا المبررة نتيجة للتجربة واللدغ من الجحور.

بقلم أحمد ابراهيم الحاج
16/10/2012 م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت