لعل حالة التشتت والتشرذم الجغرافي التي يعانيها الشعب الفلسطيني، أسهمت في تعقيد القدرة على صناعة القرار، وعلى الرغم من تطلع الشعب الفلسطيني الى استعادة حقوقه وتحقيق حلمه في العودة والاستقلال والعودة وقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس ، فإن بيئات الحياة وظروف الواقع المختلفة أثرت في ثقافة االشعب الفلسطيني وطريقة تناوله وفهمه للأمور.
ان المشروع الوطني الفلسطيني يواجه أزمة حقيقية، اذا لم يعي الجميع ان الحفاظ على البيت المعنوي " منظمة التحرير الفلسطينية " التي تتســـع للجميع، وتستفيد من طاقات الجميع، يجب ان تعطى الاولوية في تفعيل وتطوير مؤسساتها ودورها، بعيداً عن الضغوط والحسابات الخارجية.
ان منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها قائدة نضال الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد، ومرجعية السلطة الوطنية هي المفترض أن تأخذ زمام الامور، والوقوف امام الاوضاع الراهنة من كل جوانبها الداخلية والخارجية، والعمل على رسم الاستراتيجية المستقبلية للشعب الفلسطيني، والحفاظ على المشروع الوطني بعيدا عن الخطابات، فالشعب الفلسطيني بحاجة الى خطط عمل وبرامج، والتي من خلالها تجند كل القوى الوطنية والاسلامية، طاقاتها ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية كقائدة حقيقية للكفاح والنضال من أجل الحرية والاستقلال والعودة، وتتولى مهمة توحيد الشعب الفلسطيني نحو أهدافه الوطنية.
ومن خلال ذلك نرى ان خطوة التوجه إلى الأمم المتحدة يجب ان لا تربط بنفس منهج المفاوضات السابقة ، بل يجب ان تكون خطوة التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة من اجل الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب هي خطوة لنقل ملف المفاوضات الى مجلس الامن من اجل العمل لعقد مؤتمر دولي لبحث تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، بم تشكل هذه الخطوة من حشد رأي عام دولي يفرض مقاطعة ومحاكمة الاحتلال مرتبطاً بتعزيز النضال على الأرض.
ان الهدف هنا ليس التحرر من هيمنة استعمارية أو إمبريالية وليس هدف نضال ضد ميز عنصري أو أبارتايد من حيث الجوهر، وإنما هو صراع من أجل الحق في فلسطين، بل هو مقاومة ونضال ضد احتلال بغيض يمارس كافة اشكال الاضطهاد والظلم بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته الاسلامية والمسيحية وبحق اسراه الابطال. فالشعب الفلسطيني يكافح من أجل تحرير الارض واستردادها .
أن طبيعة العلاقة العضوية البالغة حد التماهي السياسي والعسكري والاقتصادي والأيدولوجي بين الكيان الصهيوني والادارة الأمريكية ، يعطي لهذا الصراع الوجودي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بُعدَه الكوني ضد الإمبريالية والعنصرية، مما يسمح بعقد التحالف الوثيق بينه وبين حركات التحرّر الوطني وأحرار العالم عربياً وإسلامياً وعالمياً.
ولهذا يجب علينا ان نرى ما يحصل اليوم في منطقتنا بعد اندلاع الثورات والانتفاضات منذ حيث كانت مؤامرات قوى الثورة المضادة في الداخل ومخططات الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية والتي ساندت بكل قوة حلفائها وعملائها في المنطقة وظلت تدعمهم لعشرات السنين، ولكن حين وجدت استحالة بقاء هؤلاء الحكام أمام زحف الجماهير الشعبية سعت بكل الوسائل لاحتواء هذه الثورات واستخدمت كل وسائل الإغواء والترهيب وسعيها إلى التدخل في شؤون الدول، وتواطؤها لوقف هذه الثورات عند حد معين من الديمقراطية الشكلية ومنعها من الاستمرار حتى لا تتحقق أهدافها الجذرية خاصة في المجال الوطني والسياسة الخارجية وفي المجال الاقتصادي والاجتماعي، وذلك لضمان الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الاستراتيچية في المنطقة وضمان أمن إسرائيل ولإيقاف المد الثوري حتى لا تكون بوصلة هذه الثورات فلسطين .
ولا شك في أن الاحتلال يشكل عنصرا أساسيا في المأزق الراهن عبر استعماره فلسطين وسيطرته على مواردها الطبيعية وتحكمه في المعابر والحدود والحركة والتنقل، ومواصلته سياسة الاستيطان والتهويد والعدوان ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن مفاعيل أخرى تدخل في سياق الأزمة، ومنها استمرار الانقسام وتهرب البعض من تطبيق اليات اتفاق المصالحة حيث تلحق هذه الاوضاع افدح الاضرار بالمشروع الوطني، ومن هنا ندعو الى استخلاص العبر مما يحدث في المنطقة العربية، وضرورة أن يقدم شعبنا الفلسطيني بديل أفضل من الذي يحصل الآن، وهو ما يستدعي استنفار وتوحيد طاقات ابناء الشعب القادرة على الاستجابة لحاجات النضال الوطني والديمقراطي المنشود للخروج من المأزق الوطني الراهن، ولهذا يجب على القوى العمل من اجل حشد الشعب الفلسطيني ودعم حراكه بالنزول للشارع، لأن الحقوق لن تستعاد بدون تضحيات، وعلى الشعب صاحب المصلحة العليا ان يكون صاحب القرار الفاصل في انهاء الانقسام.
ختاما لا بد من القول ان الانتخابات المحلية التي تجرى اليوم في الضفة الغربية هي جزء لا يتجزأ من المعركة الوطنية للشعب الفلسطيني من أجل دحر الاحتلال وتحقيق اهدافه الوطنية ، باعتبار ان هذه الانتخابات تشكل سلاحاً في مقاومة الاحتلال و تعزيز الثقافة الديمقراطية ، حيث تحمي دور المجتمعات المحلية في تقرير شؤونها المحلية و احتياجاتها الحياتية والتنموية من صحة، تعليم، بنية اساسية طرق ومياه ، وتعزيز نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال و الاستيطان، وحماية الارض و تطوير الزراعة و الاقتصاد وتحفيز مشاركة المرأة.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت